حقوق

عشرات القوانين أُقرّت في مجلس النوّاب…ماذا لو طُبِّقت؟

في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2019 إضطّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى توقيع قانون كان قد صوّت عليه مجلس العموم البريطاني ويُطالب فيه الاتحاد الأوروبي بإرجاء التّصويت على خروج المملكة من الاتحاد حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020. حينها  ورغم أن جونسون كان معارضاً بشدّة للأمر، إلّا أن سطوة القانون والخوف من الملاحقة القانونية في حال مخالفته القرار البرلماني أجبرا الرّجل على التّوقيع على القانون والسّير به.

هذا المثال نضربه ليس لاستذكار الحدث، إنما لتبيان أهمية احترام الدّول للقوانين وتطبيقها. وهو ما لا ينطبق على لبنان الغارق بعشرات القوانين التي أقرّها مجلس النواب، لكنّها ما زالت تنتظر مراسيمها ونصوصها التّطبيقية في مجلس الوزراء.

قوانين أًقرَّت ولم تُطبّق

مع كلّ جلسة عامّة لمجلس النّواب يُطالب رئيس المجلس الحكومة والوزراء بتطبيق القوانين الّتي أقرّها المجلس. وقد تخطّى عدد القوانين المُقرّة وغير المطبّقة 54 قانوناً، وهي مرشّحة للإرتفاع مع كل جلسة عامّة.

قانون تنظيم قطاع الكهرباء أبسط مثال على الخفّة واستهتار المسؤولين في مقاربة ملف هذا القطاع الذي يهدر ملايين الدّولارات من مالية الدّولة. فنجد مثلاً أن هيئة تنظيم القطاع المُقرّة منذ العام 2002 لم تُنشأ بعد. بالإضافة إلى الإجازة للقطاع الخاص إنتاج الطّاقة لتغطية النّقص الحاصل من قبل القطاع العام في توفير التّغذية المطلوبة في الكهرباء إلى حين تعيين أعضاء الهيئة النّاظمة وإضطلاعها بمهمّتها.

قانون الاتصالات مثال آخر عن قوانين ما زالت حبراً على ورق، ولم تصدر المراسيم التّطبيقية لمواده قبل انتقال مهام وموجودات وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو إلى الهيئة النّاظمة.

هذه الهيئة شُكِّلت وبدأت أعمالها إثر تعيين مجلس إدارتها في العام 2007 ووُظِّف لها أكثرُ من ثلاثين موظفاً، لكنّها تعطّلت في العام 2015 وما زالت.

هيئات كثيرة أخرى لم تُولد، منها على سبيل المثال هيئة مكافحة الفساد في القطاع العام، والهيئة النّاظمة لزراعة القنّب الهندي للاستخدام الطّبي والصّناعي. وكذلك تعيين أعضاء الهيئة النّاظمة لسلامة الغذاء التي حالت المناكفات والمحاصصات السّياسية دون تعيينها رغم صدور قانون من مجلس النّواب في العام 2015 لتأليفها، وتم الإكتفاء بتعيين رئيس للهيئة في العام 2019.

ومن القوانين أيضاً، حماية المستهلك الذي أُقرّ عام 2005 وأُنجزت مراسيمه في وزارة الاقتصاد، ومجلس الوزراء لم يُقرّها بعد، وغيرها وغيرها من إدارة الطّيران المدني والموارد البترولية في المياه البحرية.

اللّجنة المختصة تتابع.. ولكن

كلّ ما ذٌكر  غيض من فيضِ في ما تحويه أدراج مجلس الوزراء والوزارات من قوانين. وهي قوانين بمعظمها تحاكي مطالبات المجتمع الدولي بتنفيذ الاصلاحات منذ مؤتمر “باريس1” وصولاً إلى “سيدر” وأخيراً المقرّرات الاقتصادية للمبادرة الفرنسية.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس اللّجنة النيابية المكلّفة بمتابعة النظر في القوانين وتطبيقها النائب ياسين جابر لـ”أحوال”، أن اللّجنة ومنذ إنشائها، تجتمع دورياً لمناقشة الخطوات المطلوبة لحثّ الوزارات المعنية على إنجاز المراسيم التّطبيقية للقوانين، وترسل الأسئلة إلى الوزارات المعنيّة وتطلب من الوزراء إبلاغها بخططها لتنفيذ القوانين، وفي كلّ مرّة يقدّم الوزراء تعهّدات بإنجاز الأمر، ولكن من دون نتيجة، وتبقى القوانين حبيسة الأدراج.

عدم تطبيق القوانين مخالفة دستورية فاضحة

في وقت یتصارع المسؤولون على حلبة المحاصصات والمقاعد الوزارية تحت حجّة تتطبيق ما ينصّ عليه الدّستور، يتناسون في المقابل أنّ عدم تطبيق تشريعات أقرّها مجلس النوّاب هو مخالفة وخرق فاضح للدّستور.

وهنا يشير جابر إلى أن تعطيل القوانين التي تُقرّ يتم بطريقتين، إما عبر عدم تعيين مجالس الإدارة التي ينصّ عليها القانون كي تنطلق بعملها، أو من خلال تعطيل المراسيم التطبيقية، منها مثلاً قانون حق الوصول إلى المعلومات الّذي بقي من دون مراسيم تطبيقية لسنوات، ولم يُقرّ إلاّ منذ أشهر.

ويشدّد جابر على أنّ هذا الأمر يُعدّ مخالفة دستورية فاضحة، لأن المادتين  65 و66 من الدستور تُحدّدان وظيفة الحكومة، (تنص المادة 65 من الدستور على أن مجلس الوزراء تُناط به صلاحية «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها»، و«السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية…». وفي المادة 66 من الدستور التي تنصّ على أن: «يتولى الوزراء إدارة مصالح الدّولة ويُناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وما خصّ به»).

هل تملك اللجنة أدوات ضغط لتنفيذ هذه القوانين؟

ويشير جابر إلى أن اللّجنة تراجع مع رؤساء الحكومات والمجلس النيابي والوزراء. وفيما يلفت إلى أن أسئلة نيابية وُجِّهت إلى الوزراء المعنيين، يؤكد أن المشكلة في لبنان بعدم استقرار الحياة السياسية والنيابية. «فمنذ العام 2014 حتى أواخر العام 2016 كنّا من دون رئيس للجمهورية، وحصل تعطيل لدور مجلس النواب وسط غياب للتواصل والحوار بين الأطراف السّياسييين، وبعدها إستغرق تشكيل حكومات فترات طويلة، ومع كلّ حكومة تُؤلف “بالتّسوية” يطير الاستجواب المقدم بحق الوزراء المخالفين» وهكذا دواليك.

ويؤكّد جابر أنّنا أمام ممارسات فاضحة في هذا الشأن، تدلّ على أن احترام القوانين في لبنان وجهة نظر، مشدّداً على أن هذه المقاربة إذا لم تتغيّر ونتحول إلى دولة قانون، لا يُمكن حلّ المشاكل التي نتخبّط فيها.

ويحذّر جابر من أن تحلّل الدّولة وصل إلى مكان خطير جداً قد يصعب مع تدهوره أكثر إصلاح الخلل والعطب الذي أصاب مفاصلها.

منال ابراهيم

 

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى