سياسة

خطوط باسيل لترسيم الحدود… ليس أوان التنازل!

رمى رئيس التيار لوطني الحر جبران باسيل بفتاويه الحدودية يوم السبت الماضي، متجاوزاً حدوده “الوظيفية” من مسألة وطنية حسّاسة لترسيم حدود الوطن السيادية.

كلام باسيل الخلافي، وما تضمنه من مقاربات جديدة قديمة لترسيم الحدود الجنوبية للبنان، أثار استغراباً لا بل توجساً لناحية التصورات التي قدمها لشكل التفاوض السياسي والتقني. وإن راقبه البعض بأعين مفتوحة وعقل مرتبك، يجد آخرون أن نائب التيّار أدخل الملف السيادي في بازار السياسة ومطية للتسلل من بوابة العقوبات إلى العالم الخارجي!.

خطوط باسيل الجديدة للتفاوض، لم يتم التعليق عليها، بعد من جهتين أساسيتين، الرئيس نبيه بري مهندس المفاوضات، وحزب الله. لكن نائب البترون يعلم أن مثل هذا الطرح لا يمكن السير به، لا سيّما أن حليفه الأساسي حزب الله لا يقبل بتسييس الوفد اللبناني ولا بالتراجع عن مكتسبات لبنان.

فكرة تشكيل وفد سياسي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية هو أمر رُفض في السابق ولا يزال غير مقبول بالنسبة إلى فريق كبير من اللبنانيين حتى لا يصب في خانة التطبيع. وسبق أن عبر عنه ثنائي حزب الله وحركة أمل عن رفضه تشكيل وفد سياسي في تشرين الأول الماضي عندما اقترح الرئيس عون أن يرأس مدير عام القصر الوفد ومعه مدير مكتب باسيل السفير هادي هاشم.

ومن المفيد التذكير أنه قبل ساعات من انطلاق المفاوضات في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وبوساطة واشنطن، أصدر “حزب الله” و”أمل” بياناً قرابة الأولى من فجر الإثنين 14 تشرين الأول عام 2020، انتقدا فيه توسعة الوفد اللبناني المفاوض وضمّ وجوه مدنية إليه، وتأكيدهما ضرورة إسناد التفاوض إلى وفد عسكري فقط.

كلام باسيل الذي لم يكن عرضياً، ولا زلة لسان، وأيده تكتله النيابي “لبنان القوي” الذي دعا، يوم الثلاثاء، إلى مقاربة ملف ترسيم الحدود البحرية وفقاً للطرح الذي تقدّم به رئيسه.

تصرّف رئيس “تكتل لبنان القوي” ليس مفهوماً بالنسبة لكثيرين، والبعض يربطه بالتسريبات عن لقاء وكيل وزارة الخارجية الاميركي ديفيد هيل ووفد من “التيار الوطني”، التي ألمحت إلى تراجع عن مرسوم ترسيم الحدود غير الصحيحة بحسب باسيل. وتأتي محاولة “اختراع” وساطة دولة أوروبية معروفة بصداقتها مع إسرائيل في ملف فائق الحساسية عبر استقدام وزير خارجية المجر بيتر سيارتو، الذي غطّ في لبنان من دون مناسبة سوى أن زيارته لبيروت هي زيارة لاحقة لمروره على تل أبيب، لتترك شكوكاً بشأن صحّة ما تم تسريبه!.

فيما تعتبر مصادر أن كل ما أثير عن مرسوم تحديد الحدود لا يقدم ولا يؤخر، لأن واشنطن قد أبلغت بيروت ما يمكن أن تقبل به تل أبيب، وأنّ المطالبة بمساحة 2290 كيلومتراً مربعاً ليست واقعية، وأنّ كل ما يمكن أن يتم التفاوض عليه هو حصول لبنان على كامل مساحة 850 كيلومتراً مربعاً. وعندها تكون واشنطن قد تراجعت عن خط فريديريك هوف، الذي كان يعطي لبنان مساحة 400 من أصل 860. وهو ما يتناسق مع كلام باسيل حول أنه لا داعي لتكبير الحجر،

الدعوة العلنية لرئيس التيار الوطني الحر “تشكيل لبنان سريعاً وفد تفاوض برئاسة ممثّل عن رئيس الجمهورية وعضوية ممثلين عن رئيس الحكومة والخارجية والأشغال والطاقة والجيش لاستكمال التفاوض مع إسرائيل، ومراجعة التفاوض مع قبرص، وبدء التفاوض مع سوريا، وفق معيار واحد وطريقة واحدة بترسيم الحدود”، تعني عملياً إبعاد الوفد العسكري التقني برئاسة  نائب رئيس أركان الجيش للعمليات العميد الركن بسام ياسين.

ياسين، الذي بدا متوجِّساً منذ تعليق جلسة المفاوضات، من تراجع ما في ملف التفاوض كتب مرةً “ويل للمتخاذلين الجبناء”… وفي جلسات نقاشية ردّد أكثر من مرة أن الوفد اللبناني المفاوض لترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل، اشترط إصدار السلطات اللبنانية مرسوماً معدلاً عن المرسوم السابق الذي أودع الأمم المتحدة في عام 2010، بالمطالب اللبنانية الجديدة وإيداعه الأمم المتحدة مرة أخرى، مقابل استئناف المفاوضات.

ومما قاله رئيس الوفد المفاوض “نحتاج إلى سياسيين أقوياء، ونحن سنتكفّل بتحصيل الحق”. وأضاف “نحن عسكريون نذهب إلى المعركة بغرض كسبها. المفاوضات هي حرب”.

وفي مطالعةٍ له قدم ياسين صورة عمّا يمكن أن يخسره لبنان في حال لم يوقع المرسوم. والقلق المرتسم في مواقفه بدا مستحقاً بعد “تعليق” توقيعه لدى رئاسة الجمهورية ورميه في أدراج الحكومة المستقيلة. ويأتي موقف باسيل ليزيد “الطين بلّة”.

ما لفت إليه ياسين بالخرائط أن ثمة حقل غاز لبناني محتمل في البلوك رقم 9 يمتد الى ما بعد الخط 23 والى البلوك 72 الذي ينوي العدو الاسرائيلي السطو عليه، وهو أكبر من حقل كاريش. ونبّه إلى أن شركة توتال حالياً تنوي الحفر بعيداً عن هذا الحقل اللبناني خوفاً من أن يشترك فيه العدو الاسرائيلي، ويعمد الى عرقلة عملية الانتاج، كما فعل في حقل “أفروديت” بينه وبين قبرص لمدة 10 سنوات.

لكن ماذا يقترح باسيل؟ بدل الاعتماد على الخرائط التي قدّمها الجيش اللبناني، طلب تكليف خبراء دوليين أو شركة دولية متخصصة بترسيم الحدود البحرية وإجراء مفاوضات وفقاً لمعيار موحّد يعتمده لبنان مع كل من سوريا وقبرص وإسرائيل على أن يتم اعتماد خط الوسط بين لبنان واسرائيل.

ليس هذا فقط بل دعا إلى وقف أي أعمال انتاج في حقل كاريش، ريثما “تنجح المفاوضات في إيجاد حل قائم على القانون الدولي”.

إذاً التدويل، الذي لم يكن يوماً لصالح لبنان بل لمصلحة إسرائيل، فيما المطلوب كان باختصار تعديل المرسوم 6433 والمطالبة بالخط 29 الذي يهدد حقل كاريش، ويحمي هذا الحقل في البلوك 9.

بُعيد إطلاق الخط “البرتقالي” لباسيل، خرجت وزارة الطاقة الإسرائيلية بخط أحمر بدل الخط الأزرق المرسوم على الخريطة اللبنانية. فقد أفادت صحيفة “جيروزاليم بوست”، بأن إسرائيل تستعد للرد على رفع سقف المطالب اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية، عبر “توسيع متطرف” للمنطقة التي تطالب بها إسرائيل.

ونشرت الصحيفة خريطة جديدة أعدتها وزارة الطاقة الإسرائيلية، تظهر ما أطلقت عليه إسرائيل اسم “الخط 310″، أو الخط الأحمر، الذي يمتد إلى الشمال بشكل أكبر من موقف إسرائيل التفاوضي الحالي، وهو الخط الأزرق على الخريطة.

مقترح باسيل الأكثر إثارة للجدل هو “اعتماد مبدأ التقاسم للآبار المشتركة بواسطة طرف ثالث وبحسب الأصول وعندما يحين الوقت وحيث يلزم الأمر” وهو يعني حتماً التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال.

في منطقة مقبلة على تغييرات كبيرة، لا يمكن لأحد التنبؤ بتركيبتها النهائية، يُخيل للبعض أنه يمكن أن يحجز مكاناً له فيها، كما يقول أحد المخضرمين في عالم السياسة.

الخريطة السياسية التي سوف تولد عبر هذا المخاض السياسي المتسارع ستكشف عن الأركان التي سوف ترتكز عليها المنطقة حتى نهاية القرن الحالي، على أقل تقدير، حيث الرهان الاقتصادي والديموغرافي والتطور التقني في مقدمة استراتيجيات الدول وكل القوى تريد أن تلتحق بالمنظومة الجديدة. ويبدو أن رئيس التيّار الوطني الحر اختار الالتحاق بركب العصر الجديد، ودخل في تعقيدات مضافة.

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى