أحوال الشباب

ما هو سبب وصولنا الى ما نحن عليه في لبنان

رغم ان الشعب قد وصل لمرحلة ما دون خط الفقر، و أصبح متوسط الدخل الفردي لا يتعدى ال ٦٧ دولار اميركي، لا يزال السياسيون يتحاربون من اجل حصة حكومية او وزارة خدماتية هنا او مقعد وزاري هناك. الأسوأ في ظل هذه الاوضاع أنه لا يوجد أي طرف سياسي يريد أن يتحمل المسؤولية، بدءاً من رأس الهرم في هذا النظام الطائفي المقيت الذي هو رئيس الجمهورية، وصولاً الى رئيس الحكومة الذي حمى نفسه بمظلة طائفية عنوانها دار الافتاء و أُخرى سياسية ممثلة بما يُسمى ” رؤساء الحكومات السابقين” ، عدا عن التعطيل الممنهج الذي تعتمده عدّة كتل نيابية في القوانين والمشاريع المقدّمة داخل مجلس النواب.

منذ دخول لبنان مرحلة ما بعد اتفاق الطائف الذي أسّس أواصر النظام الحالي، إن كان على صعيد السياسة النقدية والمالية للبنان التي استلم دفّتها حينها الرئيس الشهيد رفيق الحريري بغطاء خليجي-فرنسي و رعاية سورية، او على صعيد اعطاء لبنان “شرعية” المقاومة ضد “اسرائيل” وعدم ادخالها ضمن البازار السياسي القائم، أصبح لبنان أسيراً للطائفية السياسية البحتة. إن الخلل في تفسير بنود اتفاق الطائف ساهم بجعل احزاب لبنان احزاباً مغلقة على بيئتها الحاضنة، و أسيراً للمحاصصات المذهبية والطائفية، عدا عن ظهور ما يسمى بالنظام المصرفي الذي انهك خزينة الدولة، فأصبحت الدولة و مواطنيها تحت رحمة هذا الكارتيل.

كل هذه الامور تراكمت مع الوقت، الى حين العاصفة السياسية التي وقعت في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. بعد عملية الاغتيال دخل لبنان في مرحلة جديدة، تمثلت طلائعها بالحرب الاسرائيلية في تموز، وامتدت الى احداث ٧ ايار والاقتتال الداخلي وكان الهدف الأوحد هو نزع الشرعية عن المقاومة.

تسارعت الاحداث، وبدأت الحرب السورية، التي سرعان ما بدأ تأثيرها يطال لبنان، و دخلنا في سياسة المحاور الاقليمية والدولية قانقسم اللبنانيين بين مؤيد لمحور الممانعة التي تدعمه ايران وسوريا وبين المحور الآخر التي تقوده اميركا و من خلفها فرنسا وبريطانيا وبعض دول الخليج.

منذ ذلك الحين لم يعد يخفى على احد ان شيئا ما بصدد الحدوث، فبدأت مرحلة الضغط الاقتصادي، ووضع شخصيات واحزاب و مؤسسات لبنانية على لائحة الارهاب.

مرحلة “ثورة” ١٧ تشرين وما تلاها شكّلت منعطف اساسي في المرحلة السياسية، حيث شكّلت استقالة الحكومة عبر الرئيس سعد الحريري بداية الانقلاب على الاتفاق الرئاسي الذي ارسى اسس المرحلة التي سبقت الثورة، فدخل لبنان مرحلة الفوضى الخلّاقة، لعبت المصارف الدور الابرز فيها و لو عبر غطاء ما يُسمى بسوق الصيرفة او ما يُعرف الآن بالسوق السوداء، فبدأ الدولار بالارتفاع الجنوني من دون اي حسيب او رقيب، وبدأ الدعم يرتفع تدريجياً عن السلع المستوردة كذلك عن الشريان الحيوي، النفط والمازوت.
هذا الامر ادى الى ارتفاع هستيري في اسعار السلع كذلك الخدمات التي اصبحت معدومة نسبياً. وبدأ التجار باحتكار السلع المدعومة التي اقرتها الحكومة عبر السلة الغدائية “الكارثية” التي لم تعطي اي نتيجة سوى صرف مليارات الدولارات مما تبقّى من العملة الصعبة في المصرف المركزي، عدا عن الازمة التي ظهرت لاحقاً في سوق الادوية الامر الذي مس بالامن الصحي للمواطن.

صحيح ان سياسة الدولة وما تبعها من فساد و هدر و محاصصات غير محسوبة ساهمت بشكل كبير في الوصول الى ما آلت اليه الامور، لكن يجب عدم اغفال دور الضغط الخارجي في تعزيز هذه الازمة، فالولايات المتحدة الاميركية كانت تتبع سياسة واضحة ذات هدف مُعلن، أن لا ضخ للعملة الصعبة الا عبر حكومة تكنوقراط بغياب مكونات اساسية في التركيبة اللبنانية.

ما بين امريكا وايران، او السعودية و سوريا، وحتى حديثاً ما بين روسيا و فرنسا، الى متى سيبقى لبنان معلّقاً بين مطرقة المحاور الاقليمة وسندان الخلل السياسي و الفساد المستشري في السلطة الحاكمة.

الى متى سيبقى شعب لبنان “العظيم” رهينة مناكفات سياسية و طائفية بدأت منذ الأزل و لم تنتهي؟ هل المطلوب فعلاً تسليم سلاح المقاومة؟ ام المخطط اوسع بكثير، يبدأ بالاعتراف ولا ينتهي بالتطبيع؟
لا بدّ في سبيل الوصول الى بر الامان السياسي والاجتماعي، العمل على اجتثاث المشكلة من جذورها، الا وهيي والطائفية السياسية، لذلك اصبح الجميع في قرارة انفسهم يعرفون ان الحل لا يكون الا بالغاء الطائفية السياسية وصولاً الى الدولة “الحُلم” ، الدولة المدنية.

زينب أيمن كحيل

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى