الإعلام الرقمي… طاقات للنمو وخلق فرص فعلية
لبنان يفتقر إلى البنية المعلوماتية القادرة على استيعاب هذا النوع من المشاريع
بات الإعلام الرقمي الذي يعتمد على التكنولوجيا في إنتاج المعلومات وتخزينها وتوزيعها حاجة ماسة لمواكبة عجلة العمل الإعلامي في كلّ المجتمعات خاصة المتطورة منها، ومع تطور العلم والتكنولوجيا راحت الحاجة للمهارات الرقمية تتزايد من أجل وظائف المستقبل وبات أرباب العمل يبحثون عن قوّة عاملة تملك كفاءات إضافية.
الإعلام التفاعلي
يعرّف الإعلام الرقمي بـ “الإعلام الذي يستخدم كافة الوسائل الاتصالية المتاحة للوصول إلى الجمهور أينما كان وكيفما يريد”، هو الإعلام الذي يستخدم وسائل القنوات الرقمية والصحف الإلكترونية والمدوّنات ووسائل التوصل الاجتماعي والإذاعات الرقمية ومواقع القنوات الفضائية في الإنترنت.
وتقول الدكتورة جيهان فقيه الأستاذة في كليّة الحقوق في الجامعة اللّبنانية والباحثة في قضايا الإعلام والوسائط الجديدة في حديث لـ”أحوال” إنّ “الإعلام الرقمي حجز مكانه على الخارطة الإعلامية في المنطقة العربية، وتحوّل إلى حاجة ماسة للشركات لإثبات وجودها وإيصال رسالتها الإعلامية والإعلانية لأكبر شريحة وعدد ممكن من الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، بإلاضافة إلى سعيها إلى تسويق منتجاتها أمام الزبائن الحاليين والمحتملين وزيادة مبيعاتها، ونشر العلامات التجارية الخاصة بها، ممّا يدلّ على توجه العديد من الشركات التي ترغب بالنمو والاستمرار إلى الاسثتمار في التكنولوجيا الرقمية بشكل خاص، بحيث بات مستقبل الأعمال اليوم مرهون بالقدرة على التفاعل مع الإعلام الرقمي بشكل وثيق”.
اختصاص المستقبل
وتدعو الدكتورة فقيه الطالب في لبنان إلى إيلاء الإعلام الرقمي الاهتمام الذي يستحق في بحثه عن مستقبله المهني، وتقول: “دراسة الإعلام الرقمي هي أحد القرارات الهامة في حياة الطالب العلمية التي تؤثر بطريقة مباشرة على حياته العملية، فقد زادت الحاجة إلى خريجين متخصصين في هذا المجال لتغطية احتياجات سوق العمل التي تتزايد بمرور الوقت نتيجة للتقدم التكنولوجي الذي لايتوقف للحظة واحدة عند حدّ معين، ويعتبر الإعلام الرقمي الأساس لجميع وسائل الإعلام، ويتميز بسهولة الوصول إليه والتعامل معه وتطويره، كما يتضمن قدرًا كبيرًا من الحرية الفكرية”.
سلبيات في ظل غياب القوانين المنظمة
بالرغم من نمو الإعلام الرقمي وتطوّره في الربع القرن الأخير، فإنّ صعوبات عديدة مازالت تقف في طريقه، وتقول فقية في هذا الإطار “من بين السلبيات والعقبات التي تواجه الإعلام الرقمي وتحدّ من تطوره وانتشاره ندرة الإعلام الإلكتروني المزوّد بالمهارات والمعارف اللّازمة لممارسة مهام عمل الإعلام الرقمي بشكل محترف”.
وتشير فقيه إلى انتهاك حقوق النشر والملكية الفكرية وسهولة الترويج للمعلومات الزائفة من خلال الانترنت وظهور الأجيال الحديثة من أجهزة الكمبيوتر المتطورة القادرة على تغيير شكل المعطيات وخاصة على مستوى الصور، إضافة إلى صعوبة الوثوق والتحقق من صحة ومصداقية العديد من البيانات والمعلومات التي تحويها بعض المواقع الالكترونية “فليست كل المواقع والمدوّنات الالكترونية مصدر للمعلومة”، لافتةً إلى قلة الشرعية القانونية الذي يعانيها الإعلام الإلكتروني.
التواصل بين الحضارات
تأثير آخر تركه ظهور الإعلام الرقمي على المجتمع يتعلّق بالتعارف بين الحضارات، والذي تفصلهُ الدكتوره جيهان الفقيه بالقول “لقد كسر الإعلام الرقمي احتكار المؤسسات الإعلامية الموجهة للمعلومة والصورة، وبالتالي أصبحت حرية الحصول على المعلومة فرصة لمزيد من التقدم والمعرفة بالحضارات الأخرى، في ظل الانفتاح وعدم وجود قيود على تبادل المعلومات والتواصل بين الشعوب”.
تعريفات غير نهائية
من جهته يرى الدكتور “عماد بشير” الأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة اللّبنانية والمتخصص في إدارة تكنولجيا المعلومات في حديث لـ “أحوال” أنّه من الصعب ِ إعطاء تعريف محدّد ونهائي لللإعلام الرقمي، قائلًا “يمكن القول أن الإعلام الرقمي يعتمد على تقنيات الاتصال، وتكنولوجيا المعلومات وعلى الأجهزة الإلكترونية والشبكات الرقمية في استقبال البيانات والمعلومات والأخبار، وفي معالجتها لناحية التحرير والإضافة والإلغاء والتعديل وكذلك لجهة البث والتوزيع على المستخدمين في المجالين التقني والتكنولوجي، إضافة إلى خاصية مهمة جدًا وهي إمكانية حفظ هذه المعلومات في بيئة رقمية تساعدُ في عملية الوصول إليها من جديد.
الرقمنة… وظائف للمستقبل
من جهة أخرى لا يرى بشير أيّ عمل إعلامي في المستقبل خارج إطار الرقمية والرقمنه، معتبرًا أنّه “لن يكون هناك في المستقبل أيّ داع لإضافة كلمة رقمي على كلمة الإعلام، لأنّ كلّ الإعلام في المستقبل سيتحوّل إلى إعلام رقمي حتى في الصحف الورقية حيث يُعتبَر العمل منذ بدايته حتى لحظة صدور الصحيفة عملًا رقميًا بإمتياز”.
وعن تأثير الإعلام الرقمي على سوق العمل يقول بشير صحيح أن دخول الإعلام الرقمي قد أدّى إلى إلغاء بعض الوظائف التي كان يوفرها الإعلام التقليدي، والتي لم تكن تحتاج إلى جهد ذهني، ولكن في المقابل أيضاً أدّى ظهور الإعلام الرقمي إلى خلق فرص عمل جديدة ومتطورة مثل وجود أخصائيين في الإخراج الرقمي واستقبال الصور وتطوير قواعد البيانات، بالإضافة إلى دخول مجموعة اختصاصات جديدة سوق العمل كبرمجة الكمبيوتر والتصميم الجرافييكي وتصميم المواقع وإدارة وسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها، وكلّ ذلك بفضل ظهور الرقمنة.
تغير في المقاييس
لم يعد تصنيف البلدان على لائحة التطور يعتمد على الدخل القومي والثروات الطبيعية كما كان من قبل بل أصبح يعتمد اليوم على التطور التكنولوجي.
ويقول بشير: أصبح مقياس التطور في الدول هو امتلاكها لبنية تكنولوجية متطورة، فالدولة التي تمتلك بنية تكنولوجية متقدمة تسطتيع أن تقدم لمواطنيها مادة إعلامية متطورة، وذلك من خلال التسهيلات الكبيرة في مجال استخدام المعلومات، وتجميعها وتطويرها وإعادة بثّها.
تجدر الإشارة إلى أنّه جرت محاولات من بعض المستثمرين لإنشاء مشاريع اعلامية ضخمة في لبنان، ولكن هذه المشاريع تمّ التراجع عنها بسبب عدم توفر البنية المعلوماتية القادرة على استيعاب هذا النوع من المشاريع، ألامر الذي أضاع فرص عمل كثيرة على العاملين في القطاع الإعلامي في لبنان. فالعمل الإعلامي الرقمي من أهم شروطه وجود بنية إعلامية حديثة ومتتطورة ومتجددة ايضاً.
نبيل المقدم