منوعات

هل لبنان على طريق العزلة عن النّظام المالي العالمي؟

شكّلت المذكرة التي وجّهها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى المدّعي العام التمييزي غسان عويدات جرس إنذار للمخاطر المحدقة بلبنان، خاصةً أنّها تناولت علاقة المصارف المراسلة مع مصرف لبنان ومع المصارف التجارية، بحيث قال فيها إن عددًا من المصارف المراسلة أقفل حسابات المصرف المركزي لديه مثل Wells Fargo الأميركي وHSBC البريطاني، وحذّر من أنّ هذه الإجراءات قد تتوسّع مستقبلًا.

فهل لا تزال تعاملات المصارف المراسلة مع القطاع المصرفي الّلبناني قائمة؟ وماذا يعني عمليًا توقُّف المصارف المراسلة عن التعامل مع المصارف اللّبنانية وقطع العلاقات المالية مع مصرف لبنان؟ وما خطورة ذلك وانعكاسه على لبنان؟.

 

ما هي وظيفة مصارف المراسلة؟

من المعروف أن التجارة الدولية تعتمد بشكل مباشر على فتح الاعتمادات، وهي عملية تنصّ على طلب خدمات مصارف أجنبية موجودة في بلدان لا يكون للمصارف المحلية وجودٌ فيها. بمعنى آخر كلّ التحويلات المالية واستيراد السّلع على أنواعها (محروقات، دواء، غذاء، آليات…) لا تتمّ إلّا بعد حصول المصرف اللّبناني على موافقة من المصارف المراسلة والموجودة بغالبيتها إمّا في الولايات المتّحدة للعمليات التّي تجري بالدولار الأميركي، وفي أوروبا للعمليات التي تجري باليورو أو عملة الدّولة. وبالتالي فإنّ إقفال حسابات المصارف اللّبنانية ومصرف لبنان لدى هذه المصارف يعني وقف استيراد السّلع والبضائع اللّبنانية في المستقبل! أضف إلى ذلك استحالة تحويل الأموال من الخارج إلى الداخل اللّبناني ومن الداخل اللّبناني إلى الخارج واستحالة القيام بأيّ عملية استثمارية في الخارج.

ويشير مصدر مصرفي لـ”أحوال” إلى أنّه حتى اليوم احتمال الوصول إلى حدّ إقفال جميع المصارف المراسلة حسابات مصرف لبنان والمصارف اللّبنانية لديها ضئيل جدًا لكن خطورته في حال حصل كبيرة جدًا. ويضع المصدر قرارات بعض المصارف المراسلة ضمن خانة “الفردية” مشيرًا إلى أن هذه المصارف لا تُريد أن تُعرّض نفسها لمخاطر العقوبات المحتملة.

ما هي تداعيات وقف تعامل المصارف المراسلة؟

يرى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة بالمصارف المراسلة الرّئةَ التي تتنفس منها المصارف اللبنانية. ويلفت في حديث لـ “أحوال” إلى أنّ إقفال الحسابات المصرفية لدى هذه المصارف تُسمّى بعملية إقصاء مالي يكون من بعدها لبنان في عزلة دولية اقتصاديًا وماليًا ونقديًا، مشيرًا إلى أنّ هذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى تدهور كبير على الصعيد المالي والنقدي نظرًا إلى استحالة قدوم أي دولارات من الخارج عبر القنوات الشرعية، وبالتالي سيحوّل لبنان إلى عصر ما قبل إنشاء المصارف التجارية، إن حصل، وسينعكس على المواطن ذلًا وفقرًا وسرقات بالجملة، أيضًا سيُحَوِّل المصارف إلى كونتوارات لسحب الأموال فقط لا غير!

 

كارثة حقيقية على الأمن الغذائي والصحّي

يرى عارفون أنّ إيقاف المصارف المراسلة العمل مع لبنان فيما لو حصل سيجعل من الاستيراد عملية مكلفة وصعبة. كيف؟

في عمليات الاستيراد العادية تكون الآلية على الشّكل الآتي: يفتح التّاجر مثلا اعتمادًا لدى أحد المصارف اللّبنانية، يكون لدى الأخير حسابٌ في بلد خارجي (أميركا، اوروبا…) يبلغه أنّ التّاجر أو المستورد  X فتح اعتمادًا للشركة Y بقيمة معيّنة. والمصرف اللّبناني يكون لديه أموالًا في أحد المصارف  المراسلة، وبالتّالي يعمل الأخير كوسيط ما بين لبنان من جهة وأي شركة في أي دولة من العالم من جهة أخرى. هذا بالنّسبة للاعتمادات، أمّا في ما يتعلّق بالحوالات الماليّة، فيحوّل التاجر أو المستورد من المصرف اللّبناني الحوالة إلى المصرف المراسل، ويقوم الأخير بإبلاغ الشّركة أو الجهة المعنية بوجود الحوالة.

وبناء على ما تقدّم، يحذّر عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمّال  في حديث لـ”أحوال” من أنه في حال امتنعت المصارف المراسلة عن التعامل مع المصارف اللّبنانية، عندها يصبح التاجر مضطرًا لأخذ الأموال “كاش” إلى الخارج لدفعها أو تحويلها عبر صرّافين دوليين، معتبرًا أن هذه العملية ستشكّل خطرًا على حياة التّجار وأموالهم، وعليه سيفضّل الكثير منهم التوقف عن الاستيراد وعدم المخاطرة.

ومع توقّف عملية الاستيراد سيتعرّض الأمن الغذائي والصحي لتهديد فعليّ، سيؤدي حُكمًا إلى ارتفاع الأسعار لأنّ التاجر سيلجأ حينها إلى قنوات غير قانونية، وتتحول عندها التجارة إلى تجارة سوداء.

 

هل تأتي الخطوة ضمن إطار الحصار الاقتصادي على لبنان؟

لا يُخفى على أحد أنّ المجتمع الدولي غير راضٍ عن الأداء السياسي في لبنان، خصوصًا فيما يتعلّق بتشكيل الحكومة والقيام بإصلاحات شاملة. وفي هذا الإطار يشير عجاقة إلى أن المصارف المراسلة تأخذ بعين الاعتبار التصنيف الائتماني للبنان، وبالتالي تُفضّل عدم تحمّل المخاطر الناتجة عن ذلك خصوصًا فيما يتعلّق بالعقوبات الأميركية، والتي تعني القضاء على أيّ مصرف في العالم في حال وضعه على لائحة العقوبات. من هنا تأتي خطوتها بخفض المخاطر عبر عملية de-risking وهي عبارة عن انسحاب من السوق اللّبناني. وعليه يرى عجاقة أنه يُمكن القول إن التضييق الدولي يلعب دورًا مُهمًا في انسحاب هذه المصارف.

 

تشكيل الحكومة أول خطوة على طريق استعادة الثّقة

يشير عجاقة إلى أنّ الدستور أعطى السّلطة التنفيذية حصريةَ إدارة شؤون البلاد، وبالتالي مع شلل الحكومة المستقيلة، هناك إلزامية لتشكيل حكومة في أسرع وقت نظرًا إلى التردّي السريع على كل المستويات. على أن تبدأ الحكومة الجديدة، فور تشكيلها، القيام بالإصلاحات المطلوبة منها من قبل صندوق النقد الدولي لكي تستعيد ثقة المُجتمع الدولي وتتفادى عملية عزل لبنان.

فعدم القيام بهذا الأمر سيجعل لبنان بوضع سيء للغاية وستكون نتيجته تحدّيات كبيرة للقطاع المصرفي وللحكومة المستقيلة. إذ بحسب عجاقة، يتوجّب على القطاع المصرفي المحافظة أقلّه على مصرف مراسل واحد لكي يتمكنّ من استيراد الحدّ الأدنى من السلع والبضائع الأساسية. وفي حال فشله، يتوجّب على حكومة الرئيس حسّان دياب إيجاد بلد يقبل بالاستيراد لصالح لبنان من خلال فتح الاعتمادات لدى المصارف المراسلة لاستيراد أقلّه السّلع والمواد الغذائية.

 

منال ابراهيم

منال ابراهيم

صحافية لبنانية. تحمل الإجازة في الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى