أحدث اكتشاف النفط تحوّلات كبيرة في مجتمعاتنا في مختلف مناحي الحياة. وعلى الرغم من الأثر الايجابي لهذه الاكتشافات، فانّ عوامل عديدة سلبية ظهرت على الساحة، تمثلت في صراع الأمم على كيفية الإستفادة من هذه الطاقة بحيث تحولت إلى وسيلة لابتزاز الآخرين لحرمانهم من الإستفادة من مواردهم الطبيعية. مقابل النفط أيضاً ظهرت موارد طبيعية تستطيع الحد من استعمال النفط وتضع حداً لجزء كبير من عملية النهب التي تمارس على الشعوب، ولكن العرب حتى الآن لم يحسنوا استثمار هذه الموارد بالشكل المطلوب، فيما يتجدّد الصراع الأميركي-الروسي على النفط والغاز اولاً وأخيراً.
حول هذه المواضيع أجرى “احوال” حواراً مع الخبير في شؤون النفط والطاقة الدكتور وليد خدوري.
هل نستطيع القول منذ الآن إنّ الغاز الطبيعي بات يشكل وقود القرن الواحد والعشرين؟
مع نشر مؤسسة “سيديغاز”تقديراتها الأولية للأسواق العالمية خلال 2017، تبيّن أنّ الطلب العالمي على الغاز سجل رقماً قياسياً بارتفاعه 3.3 في المئة ليصل 3.040 بليون متر مكعب.
هذا، وتمّ إهمال الغاز طوال النصف الأول من القرن العشرين، ليعود الإهتمام به بعد زيادة الأسعار النفطية في أوائل عقد السبعينات، فأخذ يحلّ محل المنتجات البترولية والفحم المستعمل في توليد الكهرباء. وازداد الطلب على الغاز، مع الإهتمام العالمي بمكافحة بالإحتباس الحراري والتلوث البيئي.
من الواضح أنّ هناك معركة مصالح متناقضة بين الولايات المتحدة وروسيا حول أسواق الغاز، شبيهه بصراع المصالح النفطية خلال النصف الأول من القرن العشرين. ماذا تقول في هذا الموضوع؟
هذا الموضوع ليس بجديد، إذ تشكّل الإمدادات الغازية الروسية ما بين ثلاثين وأربعين بالمئة من الطلب على الغاز في أوروبا، فيما لم تحصل أيّة عوائق لتصدير الغاز الروسي سوى في السنوات الأخيرة، نظراً إلى الخلافات السياسية والاقتصادية بين موسكو وبعض دول المجموعة الأوروبية الإشتراكية السابقة التي تمر عبرها الأنابيب، وبالذات أوكرانيا. ولقد أدى الخلاف الروسي- الأوكراني إلى توقف مرور الغاز إلى الدول الأوروبية لفترات قصيرة محدودة. إلى حين قررت روسيا وألمانيا منذ سنوات تشييد خطين لأنابيب الغاز «نورد ستريم-2» وهما يمران في مياه بحر البلطيق ليربطا روسيا وألمانيا مباشرة، من دون المرور في أراضي دولة ثالثة. ولقد أثار هذا المشروع بقيادة «غازبروم» ومشاركة شركات أوروبية، غضب الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيث اتهم ترمب ألمانيا بأنها «تحت السيطرة المباشرة لروسيا»، لاعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية. الأمر الذي أثار غضب السياسيين الألمان، ليعود ترامب إلى تعديل انتقاداته والتصريح لاحقاً بعد لقائه الرئيس بوتين في موسكو، بأن روسيا ليست صديقة أو عدوة، بل دولة منافسة في حقل الغاز، من ضمن منافسات أخرى.
من الواضح أن المنافسة الأميركية مع مشروع «نورد ستريم-2» ذي الطاقة 55 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز يعتمد على أمرين أساسيين. الأول هو عبر أسعار منخفضة للغاز المسال الأميركي المنوي تصديره إلى أوروبا، وذلك نتيجة فائض الغاز الذي بدأ يتوافر للولايات المتحدة مع ارتفاع إنتاج الغاز الصخري بحيث بدأ شحن صادرات الغاز المسال الأميركية للأسواق العالمية فعلاً، ولكن بشكل محدود. وتتوقع زيادة الصادرات خلال العقد المقبل عند الانتهاء من تشييد الموانئ والناقلات المتخصصة لتسييل الغاز وشحنه إلى الأسواق العالمية بأسعار منافسة. وهذا وقد اعتبر الرئيس بوتين في خطاب سابق له أنّ موضوع تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا هو أمر حيوي للأمن القومي لبلاده. فيما قال وزير الطاقة الاميركي لوفد من الإتحاد الاوروبي أثناء زيارة له إلى واشنطن:” عندما تفكرون عن مصدر لإمدادات جديدة، وعندما تفكرون بشريك مع أفكار جديدة، نريدكم أن تفكروا بأميركا أولاً. من المهم جداً أن نقول هنا إنّ المنافسة الأميركية للغاز الروسي تعتمد بالدرجة الاولى على سلاح العقوبات، بالذات على الشركات التي لها عقود مشاركة أو تعاون مع مشاريع أنابيب الصادرات الروسية.
ماذا سيكون مستقبل الطاقة في الولايات المتحدة في ظل ما يُحكى عن إنتاج النفط الصخري؟
تختلف آراء الخبراء المشاركين بتباين تجاربهم، فهناك من قال إنّ صناعة البترول الصخري ستبقى محصورة في الولايات المتحدة لعدم توافر شروطها الجيولوجية والقانونية في بلدان أخرى، وثمة من رحّب بإنتاج البترول الصخري ووجد فيه منقذاً للولايات المتحدة إذ سيساعدها في تحرير سياساتها، وتشكيل عامل مهم لاقتصادها لأنّه سيوّفر الوقود المحلي بأسعار تنافسية للصناعات الثقيلة التي هاجرت إلى حيث التكاليف أقل. وتخلص «المدرسة المتفائلة» إلى أنّ البترول الصخري سينعش الإقتصاد الأميركي وسط توقعات أن تنتج الولايات المتحدة رقماً قياسياً لم تعرفه سابقاً وهو أكثر من 10 ملايين برميل يومياً، ما يضعها في مصاف الدولتين النفطيتين الأكبر، السعودية وروسيا.
إذاً من الواضح أنّ الولايات المتحدة عازمة وقادرة على تحقيق الاستقلال في الطاقة. لكن هذا يعني أن الولايات المتحدة لن تكون في حاجة إلى استيراد إمدادات ضخمة من النفط الخام. ونلاحظ الآن أنّ صادرات النفط العربية إليها ضئيلة جداً، بل تكاد تكون معدومة من معظم الدول العربية باستثناء السعودية..
هل بتنا أمام نهاية النفط العربي في صناعة النفط العالمية؟
هناك متغيران أساسيان متوقعان: أولاً، ستعتمد الولايات المتحدة على النفط الخام والغاز الطبيعي المحلي، ما يعني تقليص الصادرات إليها؛ ثانياً، يُتوقَّع حصول تغييرات كبيرة في مجالات وأسواق النفط العالمية، علماً أن المتغيرات في أسواق النفط العالمية ليست جديدة. المهم في نهاية المطاف هو كيفية إدارة سياسة واقتصاد البلاد النفطية، ووضع الأطر والقواعد لعقود اجتماعية متفق عليها محلياً وإنهاء الإسراف والتفريط بمصدر الرزق الأساسي قبل فوات الأوان.
ما هي العوامل التي يمكن أن تبقي أسواق النفط مستقرة ؟
هناك عوامل عدة أبرزها “توافر مستوى مخزون عال من النفط الخام موزع في مناطق مختلفة من العالم، وتوافر الطاقة الإنتاجية الفائضة عند عدد من الدول المصدّرة وزيادة الإنتاج الأميركي الذي يعوّض النقص المتأتي من فنزويلا وإيران وليبيا”.
هناك سبب آخر: تحييد دور مضيق هرمز أثناء الفترات العصيبة. فإضافة إلى المخزونات العالية المنتشرة عالميا، ورغم التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق، وما شاهدناه من حروب في المنطقة، لم يحصل ذلك ولو مرة واحدة. واستمر مفتوحاً خلال الحرب( العراقية- الإيرانية) واحتلال العراق للكويت، ومن ثم الاحتلال الأميركي للعراق والحصارات الأميركية على النفط الايراني”.
هناك أيضا لوجستية التخزين؛ ففي هذا الإطار نستطيع القول إنّ المخزون من كميات النفط عالٍ وفوق المعدلات الطبيعية، ولا تزال الدول المصدرة تحاول تخفيض هذا المخزون العالي، ومن ثم إتفاق دول “أوبك” مع الدول المصدرة الأخرى (بالذات الدولتين المصدرتين الكبريين السعودية وروسيا) على الإستمرار في تخفيض الإنتاج، وعدم زيادته على رغم الضغوط الأميركية للزيادة من أجل كبح ارتفاع الأسعار. الأسواق مطمئنة لأنّ العرض أعلى من الطلب، ولأن الإمدادات منتشرة في أرجاء العالم، وليس في منطقة الخليج فقط.
ما مدى تأثير انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية في الأسواق العالمية؟
بالرغم من أنّ العقوبات الأميركية تفرض مقاطعة شاملة للصادرات الإيرانية، يتضح أن إيران ستنجح في اختراق هذا الحصار بطرق مختلفة. وهناك تفاهمات واتفاقيات مع الدول المجاورة ، يبقى احتمال اللحظة الأخيرة لتجنب واشنطن وطهران المواجهة، والولوج في مفاوضات مطولة للحفاظ على الاتفاق النووي، مع إدخال بعض التعديلات.
ومن الأسئلة المطروحة، هل يشكل الحصار على الصادرات النفطية الإيرانية شحّاً في الأسواق؟ هنا، يوجد طاقة إنتاجية إضافية تسمح للدول المصدرة تعويض تراجع النفط الإيراني، وهذه الطاقة متوفرة عند السعودية خصوصاً، إضافة الى روسيا والولايات المتحدة (النفط الصخري) والعراق والامارات. ولكن الوضع تفاقم في ظل نقص إنتاج كل من ليبيا ونيجيريا وفنزويلا وكازخستان. وتُظهر التجارب السابقة أن كلما تقلصت الطاقة الإنتاجية الفائضة، خصوصاً عند الدول النفطية الكبرى، كلما تتخوف الأسواق من تهديد لأمن الطاقة، ما يرفع الأسعار ويؤدي إلى تقليص الطلب على النفط لاحقاً، وتدهور الأسعار.
وعلى رغم إمكان تعويض نقص النفط الإيراني هناك ثلاث عوامل تُقلق الأسواق، فماذا إذا قررت إيران تنفيذ تهديداتها بإغلاق «مضيق هرمز» أمام كل الصادرات النفطية الخليجية البالغة نحو 15 مليون برميل يومياً، ما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية خطيرة، إذ لا يمكن تعويض هذا النقص على رغم وجود بنية تحتية من أنابيب وموانئ لشحن نحو 7 ملايين برميل يومياً من النفط السعودي عبر البحر الأحمر ونحو مليوني برميل يومياً من النفط الإماراتي من بحر العرب جنوب «مضيق هرمز». ومن الممكن أن يؤدي إغلاق مضيق هرمز، على رغم ضآلة هذا الاحتمال الذي لم يحصل سابقاً، إلى رد فعل عسكري أميركية على المنشآت النووية الإيرانية وعلى منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية، ما سيؤدي الى زيادة عالية في أسعار النفط ويهدد اقتصادات الشرق الأوسط. وستشكل أيّة زيادة عالية وسريعة للأسعار إلى ارتفاع في أسعار النفوط الأميركية، في ظل خط أحمر أميركي للأسعار المحلية للبنزين، فأي سعر أعلى من 3 دولارات لغالون البنزين في الولايات المتحدة يؤدي إلى استياء شعبي نظراً إلى الاستعمال الواسع للمركبات.
ما هو انعكاس تزايد الصراعات في الشرق الأوسط عموما، والخليج بالذات، على النفط؟
إنّ “تزايد الصراعات في الشرق الأوسط عموماً، والخليج خصوصاً، له مردود سلبي على النفط، ولا سيما بالنسبة إلى الطلب عليه. فكلما ازدادت التهديدات، تزداد أيضا الشكوك حول أمن الإمدادات النفطية، حتى في حال عدم انقطاعها كما هي الحال الآن. لكن الذي يحدث خلال الفترات العصيبة هو انخفاض الطلب على النفط. وهذا ما بدأ يحدث. فقد بدأت منظمات الطاقة المتخصصة تخفض توقعاتها للطلب العالمي على النفط خلال الفترة المقبلة”.
من الملاحظ هنا أنّ التوترات تصاعدت بعد إنتهاء فترة الإعفاءات في بداية شهر مايو (أيار) التي منحتها الولايات المتحدة لثمانية مستوردين رئيسيين للنفط الإيراني، وتزايدت بعد الإعتداء على ناقلات نفط في مياه الخليج، والهجمات بطائرات بلا طيّاروالتي أعلن عنها الحوثيون اليمنيون والتي أدت إلى تعطيل خطوط أنابيب النفط الرئيسية في ارامكو. إن “هذا الزخم من الأحداث الجيوسياسية في دول نفطية مهمة في آن واحد ينذر عادة الأسواق، ويدفع إلى التخوف من انقطاع الإمدادات عن المستهلكين، إضافة إلى ارتفاع عال وسريع للأسعار.
بدأت مشاريع الطاقة المستمدة تحتل حيزاً هاماً في بعض الدول العربية وخاصة الدول الغير نفطية. ماذا يمكن أن تقدمه هذه الصناعة على صعيد مشاريع التنمية ؟
لم يكن متاحاً فتح المجال الواسع بسرعة لإنطلاق صناعة الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح) عربياً، نظراً الى منافسة الإحتياطات الضخمة من النفط الخام والغاز الطبيعي وكلف إنتاجها المنخفضة نسبياً ولعدم توافر الأموال الاستثمارية الضخمة لدى الدول غير النفطية. لكن وفق التقرير البحثي الأخير للشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب)،التي أسستها الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، تحفزت دول عربية غير نفطية خلال السنوات الأخيرة للولوج الى تشييد الطاقات المستدامة، للأسباب التالية:
أولاً: اهتمام الدول غير النفطية ذات الاستهلاك العالي والمتزايد بسرعة بضرورة معالجة هذا التحدي الاستيرادي الباهظ الكلفة لموازناتها السنوية الحالية والمستقبلية.
ثانيا: تحفز المصارف والمؤسسات التنموية الإقليمية والدولية لتمويل هذه المشاريع.
ثالثا: اهتمام المصارف والمؤسسات التنموية بقضايا البيئة، بحيث تبوأ الهدف البيئي أولوية.
هذا، واجتمعت أهداف الدول العربية غير النفطية مع أهداف هذه المؤسسات التنموية العالمية للحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الطاقة. أخيراً، يتوجب التنويه بأن التمويل من المؤسسات التنموية – الإقليمية أو الدولية – يفترض كلاً من الاقتراض بقروض ميسرة والإشراف على تنفيذ المشاريع ذاتياً. الأمر الذي يمنع أو يقلص إمكان الفساد المتغلغل في الدول النامية.
وتبنت الدول العربية البترولية (الإمارات والسعودية تحديداً) برامجاً متعددة لتشييد الطاقات المستدامة معتمدة على التمويل الحكومي الذاتي. لكن تباينت الأهداف من تشييد الطاقات المستدامة ما بين الدول العربية النفطية وغير النفطية. فقد هدفت الدول النفطية الى تقليص استهلاك الموارد الهيدروكربونية لتكريس أكبر كمية منها للتصدير، وهدف البعض الاخر إلى الحفاظ على البيئة أيضاً في الوقت نفسه. وهذا من المتوقع أن تستمر المصارف والمؤسسات التنموية الإقليمية والدولية في قيادة عملية تمويل مشاريع الطاقات المستدامة، لأنها تدعم أولويتها البيئية على الصعيد العالمي، ونظراً أيضاً الى زيادة الاهتمام الإقليمي والعالمي ببدائل الطاقة لتحسين البيئة وللفوائد الاقتصادية الناتجة من اعتماد سياسة تنويع بدائل الطاقة.
نبيل المقدم