هل بدأ التخلّي التركي عن مسلّحي سوريا؟
رفعت القوّات الروسية من وتيرة استهدافاتها للمجموعات المسلّحة في سوريا، لكنّ الجديد الذي يستحق القراءة بدقّة هو التوقيت والجغرافية وطبيعة الأهداف التي طالها القصف الروسي عبر صواريخ بريّة أو بحريّة أو جويّة: مناطق شمال غرب سوريا بالقرب من الحدود التركية.
كانت المجموعات المسلّحة تعتبر أنّ تلك المساحات هي الأكثر أمانًا منذ اندلاع الأزمة السورية قبل عشرة أعوام، بسبب التصاقها بالمناطق التركية، في ظل وجود قواعد اشتباك عسكرية فرضتها أنقره بالقوّة، ومنعت بموجبها تعرّض تلك المناطق إلى الهجمات السورية أوالروسية، ممّا جعل تلك المساحات المكان الأنسب لمراكز عسكرية واقتصادية يستند إليها المسلحون والمعارضون السوريون وهم من المتشدّدين الإسلاميين المدعومين من تركيا.
فهل بدأ التخلّي التركي عن “إخوان سوريا” كما فعلت أنقره في مصر؟
يمكن الاستناد إلى محطّات تاريخية للاستدلال في القراءة السياسية: حين غضب الأميركيون عام 1964 على الرئيس المصري جمال عبد الناصر، كان الاتحاد السوفياتي هو السند للقاهرة. الآن يشعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ الأميركيين يجهّزون حملات سياسية ودولية ضده، ستجرّ عقوبات بحقه، وستحارب مشروعه في كلّ اتجاه داخلي وإقليمي و أوروبي. لذا هو يحاول أن يستبق التوجهات في البيت الأبيض بالاستناد إلى الروس من جهة والصينيين من جهة ثانية، وتخفيف الأعباء الإقليمية التي زرعها أردوغان عبر دعمه مخططات “الإخوان المسلمين” في الدول العربية. ومن هنا يأتي قراره بالتخلّي عن “إخوان مصر”، ثم التراجع عن التزاماته مع “إخوان سوريا”.
يُدرك أردوغان أنّ القاهرة، كما الرياض متضرّرتان من سلوك “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة الأميركية، كحال أنقرة، ممّا شكّل دفعًا له لبناء شراكة مصالح مع مصر بشأن غاز شرق البحر الأبيض المتوسط.
يُعرف عن أردوغان أنّه يصنع سياساته بناء على مصالحه: ألم يكن حليف دمشق، وصديق الرئيس السوري بشار الأسد قبل عام 2011؟ ثم انقلب على سوريا لتنفيذ أجندة مطامع في حلب وجوارها.. ألم يكن أيضًا حليف السعوديين عام 2015 في قضية الحرب على سوريا؟ انقلب أيضًا على الحلف المذكور وأصبح خصمًا للمملكة العربية السعودية.
الآن يكرّر ذات اللّعبة مع مجموعات مسلّحة استخدمها لتحقيق أجندته السياسية والاقتصادية، فهل حان وقت رفع اليد التركية عنها وتركها لقدرها؟.
لا يستطيع أردوغان أن يتخلّى كلّيًا عن المسلحين السوريين، خوفًا من ردّات فعل ضد مصالح بلاده. لكنّه سيرفع الغطاء التركي عن المسلّحين ضمنًا وتدريجيًا، ليكتفي بإصدار مواقف وبيانات والقيام بتحركات شكلية متواضعة.
لا يمكن أيضا فصل المؤشرات الإقليمية التي تحصل الآن، عن بعضها البعض، معطوفة على عامل الزمن الفاصل بين مرحلتين دوليتين: أوّلًا، عودة حرارة الاتصالات بين دمشق وعواصم عربية وغربية، كانت أبرزها زيارة وفد الخارجية السورية إلى سلطنة عمان.
ثانيًا، طبيعة اللّقاءات التي تقوم بها روسيا، فهي استقبلت كلًا من: وفد “حزب الله”، ثم وزير الخارجية الإسرائيلية، وهي ترعى تفاوضًا بين القوى الأفغانية لحلّ أزمة كابول.
ثالثًا، التقارب التركي-المصري بعد قطيعة.
رابعًا، اكتفاء واشنطن بالتفرّج على ما يجري في الإقليم، من دون تدخل عملي لا سلبي ولا إيجابي.
فهل ينشغل الأميركيون بساحات دولية أخرى؟ أم أنّهم سيعرقلون أيّ خطوة لا تتناسب مع مصالحهم في الشرق الأوسط؟ فلننتظر ونرصد مجريات الأيام المقبلة في شمال سوريا تحديدًا.
عباس ضاهر