من الأقوى مسيحياً على ذمّة تقديرات جهاز رسمي؟
مع شغور عشرة مقاعد في المجلس النيابي، نتيجة استقالة ثمانية نواب ووفاة اثنين، تُطرح تساؤلات عمّا إذا كانت الانتخابات الفرعية ستتم قريباً ام سيجري تجاهلها.
وفي انتظار صدور القرار السياسي الحاسم الذي من شأنه ان يحدد مصير تلك الانتخابات، تنكب وزارة الداخلية على انجاز التحضيرات اللوجستية لها، وكأنها حاصلة حتماً، علما أن الوزير محمد فهمي كان قد رفع في 12 شباط الحالي الى رئاسة مجلس الوزراء مشروع مرسوم يقضي بإجرائها في 28 آذار المقبل، إلا أنّ التأخير المستمر في البت بها أدّى الى تعديل هذا الموعد الذي أصبح من المرجح أن يكون في الجزء الثاني من أيار كما أوضحت أوساط “الداخلية” ل”أحوال”، في حال كان الخيار هو إتمام الانتخابات حقاً.
واذا كان الرئيس نبيه بري قد اتصل بفهمي وبحث معه في هذا الملف انطلاقا من موقعه كرئيس للسلطة التشريعية، غير أن تحديد وجهته النهائية يعود إلى رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما يفسر الزيارة التي قام بها وزير الداخلية إلى عون قبل أيام، للتداول في الاحتمالات الممكنة.
ولئن كان فهمي يشرف على استكمال الاستعدادات لتنظيم العملية الانتخابية ربطاً بواجباته القانونية والدستورية، الا أن اوساطه تؤكد أن الواقعية تقتضي الاعتراف في الوقت نفسه بأن هناك عوائق موضوعية قد تعرقل حصول الانتخابات الفرعية، بدءاً من المحاذير الصحية المترتبة على وباء كورونا وصولاً الى الكلفة المالية التي تقارب نحو ثمانية مليارات ليرة وفق تقديرات “الداخلية”، وهذا مبلغ كبير بالنسبة إلى دولة شبه مفلسة.
لكن المتحمسين للانتخابات الفرعية، يصرون على وجوب إنجازها من دون التوقف عند أي اعتبار، حتى لو كان صحيا، مستشهدين بتجربة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لم يعطلها كورونا على الرغم من ان الولايات المتحدة هي من بين الدول الأكثر تأثرا بهذا الفيروس على مستوى العالم.
وينقسم المبشرون بالانتخابات الى نوعين:
الأول ينطلق في موقفه من المعيار القانوني والدستوري الذي يحتم سد الفراغ في المقعد النيابي الشاغر، وهذه مقاربة مبدئية ترتكز على أحكام النص بمعزل عن أي عوامل او مؤثرات خارجه.
اما الفريق الآخر من المتحمسين والذي يتكون من معارضين في معظمه، فتغلب الحسابات السياسية على موقفه، إذ انه يعتبر ان الانتخابات الفرعية ستكون فرصة لإلحاق هزيمة بمرشّحي السلطة، والاستفادة من النقمة الشعبية على الأوضاع السائدة لتوجيه رسالة إلى العهد وتياره بأنّهما فقدا الأكثرية والصدقية في الوسط المسيحي بعد انتفاضة 17 تشرين الأول وانفجار 4 آب في المرفأ. ويتّهم هؤلاء السلطة بأنها تسعى تحت ذرائع هشة وواهية الى التهرب من الاستحقاق الانتخابي، ولو كان فرعياً، حتى تتجنب انكشاف هزالتها وتراجعها امام القوى التي تحمل لواء معارضتها.
وتجدر الإشارة إلى أن الشغور يشمل سبعة مقاعد مارونية واثنين ارثوذكسيين وواحد درزي، الأمر الذي يعني بأن المعركة الانتخابية ستتركز في البيئة المسيحية، وتحديداً بين التيار الوطني الحر وخصومه.
وضمن هذا السياق، علم “أحوال” أن المؤشرات التي جمعها جهاز رسمي حول اتجاهات الرأي العام في جبل لبنان أظهرت ان القوات اللبنانية هي الأقوى حالياً، يليها المجتمع المدني ثم التيار الوطني الحر فحزب الكتائب، مع تسجيل فارق ضئيل نسبياً بين التيار والكتائب.
لكن هناك رأي آخر يقول ان من مصلحة الجهات المحسوبة على السلطة ان تخوض امتحان الانتخابات الفرعية كي تختبر حقيقة المزاج الشعبي وتكتشف نقاط قوتها وضعفها، من خلال مناورة انتخابية بالذخيرة الحية، استعداداً للاختبار الأهم والمتمثل في الانتخابات العامة في أيار 2022، وذلك لئلا تتفاجأ حينها باخفاقات او انتكاسات يصعب تصحيحها.
وما يعزز حجة الداعين الى تنظيم الانتخابات الفرعية هو ان المجلس النيابي يعاني حالياً من خلل فادح في المناصفة والميثاقية، في اعتبار ان تسعة من المقاعد العشرة الشاغرة تعود إلى مسيحيين، ما تسبب في اعوجاج تشريعي وتمثيلي، لا يمكن التغاضي عنه في دولة تستند الى توازنات دقيقة ومرهفة بين طوائفه.
كذلك، يخشى البعض من ان يكون اي تطيير ل”الفرعية” نوعاً من التوطئة لتأجيل الانتخابات العامة والتمديد للمجلس النيابي الحالي، ولذا يعتبر هؤلاء ان “الفرعية” هي خط الدفاع الأول عن الاستحقاق الانتخابي الأساسي.