كل الحقيقة عن صحة دمج المصارف اللبنانية وإفلاسها
في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تخبّط الاقتصاد اللبناني في أزمة مالية ناجمة عن توقف مفاجئ في تدفقات رؤوس الأموال الوافدة، مما عجّل بإخفاقات في القطاع المصرفي وقطاع الدين العام، فضلاً عن التأثير على سعر صرف الليرة. في وقت لاحق، تحديداً في 7 مارس 2020، تخلّفت الحكومة عن سداد سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي، ممّا مثل أول تخلّف عن سداد الديون السيادية في لبنان. هذه الأزمات المتلاحقة وما تخلّلها من حجز لأموال المودعين أفقدت اللبناني الثقة بالقطاع المصرفي، وجعلته رهينة للأخبار المضلّلة، مصدقاً كل الشائعات حول إفلاس المصارف والأخبار حول “تطيير” أموال المودعين.
فما الحقيقة وراء عملية الدمج وما صحة إفلاس مصارف لبنانية؟ وماذا عن أموال المودعين اللبنانيين؟
أمين اتحاد المصارف العربية: الدمج أمر صحيّ
بعدما انتشرت أخبار على مواقع التواصل ووسائل الإعلام عن دمج مصارف لبنانية، وتعرّض بعضها الآخر للإفلاس، سارع مصرف لبنان في بيان له لنفي تلك المعلومات، مشيراً إلى أنّها عارية عن الصحة. وشدّد المصرف أنّه من خلال التعميم 154 الذي أصدره، منح المصارف فترة تمتد إلى آخر شهر شباط الجاري، لتلبية مطالبه من زيادات في رأس المال وتكوين السيولة لدى المصارف المراسلة، وهذه المهلة لم تمرّ بعد.
في هذا السياق، يؤكد أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح في حديث لـ “أحوال” أنّ فكرة طرح دمج المصارف ليست جديدة، بل منذ انفجار الأزمة الاقتصادية العام الماضي، تم التداول في ذلك؛ لافتاً إلى أنّ عملية الدمج صحيّة وضرورية لبعض المصارف التي لا تستطيع الالتزام بتعميم مصرف لبنان 154، القاضي بتلبية مطالب المصرف المركزي زيادات في رأس المال. ويلفت إلى أنّه لا بد من دمج لبعض المصارف لمواجهة الأزمات وخلق كيانات مالية أقوى من الكيانات الفردية، ملمحاً إلى عمليات دمج حصلت في الخليج العربي كالإمارات، والسعودية، وقطر، والتي قامت بخلق كيانات مالية ضخمة لمنافسة كيان أو مصرف مالي كبير أجنبي أو غيره، يستطيع تمويل مشاريع كبرى ينهض باقتصاد بلادها.
وفي ما يتعلّق بالمصارف اللبنانية، يطرح فتوح جدلية دمج بعض المصارف المتوسطة التي قد لا تتمكّن من الالتزام بتعميم المصرف المركزي، أو إستيفاء شروطه. “ولو أنّه ضروري الانتظار لانتهاء المدة الممنوحة من المصرف والتي تنتهي في 28 شباط، من الضروري القول إنّ المصارف الكبرى من الفئة الأولى والمصنفة ألفا ( أكبر عشر بنوك وتغطي 70 بالمئة من السوق)، والتي يصلها “الفرش موني” تستطيع الالتزام في مضمون التعميم”.
أمّا بحال المصارف المتوسطة، فمن الخطأ اليوم تسمية أي مصرف، وهذا ما تنكّر له مصرف لبنان، إذ من المبكر الجزم بما انتشر من أخبار على وسائل الإعلام، لكن في حال لم تستطع المصارف الالتزام، “نقترح دمجاً لخلق كيانات أقوى يمكنها تطبيق التعميم في ما بعد.”
وفي ما يتعلّق بأموال المودعين، يرى فتوح أنّ هناك ضمانات موثقة من مصرف لبنان، مرجّحاً عودة الأموال لأصحابها خلال سنتين، “وهذا مشروط بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية وتشكيل الحكومة.” وهذا ما تتطلبه الدول المانحة، والبنك الدولي للاستثمار في لبنان في مشاريع اقتصادية، أو تقديم القرض ( في حال البنك الدولي).
ويؤكد فتوح أيضاً أنّ الأموال لا زالت موجودة، لكن عملية إعادتها مرتبطة بالاصلاحات. ويرى أنّ الأجواء الإيجابية بدأت تسيطر على المنطقة، لافتاً بذلك إلى إعادة التفاهم بين قطر والسعودية، وانفتاح السياسة الأميركية، والارتياح الأوروبي بعد البدء باستعداة العلاقات الأوروبية_ الأميركية. ” وهذا سيؤثر على الوضع المالي في لبنان، ونتوقع أن يبدأ انتعاش القطاع المصرفي خلال ستة أشهر لسنتين”.
مصادر مصرفية: لا صحة للأخبار المنشورة
قدمت المصارف البنانية تقاريرها للجنة الرقابة في مصرف لبنان، وهي بدورها تقوم بالتحقيق؛ وأصبح مصرف لبنان اليوم على دراية بالمصارف التي تستطيع زيادة رساميلها. أمّا في ما يتعلّق بالأخبار والشائعات حول تسمية مصارف للدمج أو للتصفية، فقد نفتها مصادر مصرفية، التي أكدت لـ “أحوال” أنّ المعلومات المنشورة غير مستندة إلى تقارير نهائية. ولفتت إلى أنّ الدمج_ في حال حصوله، لن يكون تلقائياً. لذا، علينا الانتظار وتتبع المسار الطبيعي لسير العملية آخر الشهر، وحينها يتم تحديد المصارف التي لم تلتزم، حيث تكون معالجة حالة كل مصرف على حدة. ولفتت المصادر إلى إمكانية تمديد مصرف لبنان للمدّة المحددة، بسبب الضائقة الاقتصادية، وجائحة كورونا.
وأشارت المصادر إلى أنّ عملية الدمج ستكون في مرحلة لاحقة، وتشمل المصارف التي لا تستطيع تأمين السيولة، حيث يضع مصرف لبنان يده عليها. “إنّما لا صورة واضحة حتى الساعة، ولا المعلومات المنتشرة صادرة عن لوائح لمصرف لبنان، ولا معلومات مؤكدة حيال الأمر.”
ورأت المصادر أنّه حتى لو تأمنت السيولة، لن تكون كافية لإعادة القطاع المصرفي إلى دوره الصحيح؛ فالمطلوب هو اصلاحات سياسية بنيوية تنهض بالبلاد.
وفي ما يتعلّق بأموال المودعين، لفتت المصادر إلى أنّ الأموال الحرة أو “النظيفة” موجودة، ويجب أن تبقى، مستدركة أنّ لا الدولة ولا المصرف المركزي ولا المصارف تستطيع أن تدفع اليوم بالدولار، إذ “نحتاج إلى فائض بميزان المدفوعات وإلى توافر احتياطات العملات الأجنبية، واقتصاد سليم وسياسات مالية صحيحة لإدارة الدين العام”.
لطيفة الحسنية