حتى منتصف ليل أمس الأربعاء، كان الخلاف بين وزيرة العدل ماري كلود نجم وأعضاء من مجلس القضاء الأعلى على تعيين اسم المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت لا يزال قائماً، ما أطاح منسوب التفاؤل الذي أشاعته إحالة ملف الجريمة إلى المجلس العدلي، وفتح نقاشات حول جدوى الركون إلى أعلى محكمة جزائية في لبنان، حيث استغرق النّظر في بعض قضايا أكثر من عشرين عاماً، في وقت يريد اللبنانيون اليوم قبل الغد، محاكمة المسؤولين عن جريمة أدّت إلى تدمير بيروت، وقتل قرابة المئتي شخصاً، وإصابة الآلاف بأضرار جسدية ونفسية وتشريد مئات الآلاف من سكان العاصمة.
ما هي آلية عمل المجلس العدلي؟
المجلس العدلي هو أعلى سلطة قضائية لبنانية، تعود نشأته إلى عام 1923 عندما اندلعت في الشوف فتنة طائفية سقط ضحيتها عدد كبير من القتلى، ما دفع المجلس النيابي آنذاك إلى إقرار مشروع القانون المتعلق بإنشاء المجلس العدلي بموجب القرار رقم 1905 تاريخ 12/5/1923 الذي أصدره حاكم لبنان الكبير ترابو.
ووفقاً لآلية عمله، لا يمكن للمجلس العدلي أن يضع يده تلقائياً بمجرد حدوث إحدى الجرائم الداخلة ضمن اختصاصه اذا لم يصدر مرسوم بذلك عن مجلس الوزراء، وفي حال صدور هذا المرسوم، يحق للنيابة العامة لدى المجلس العدلي، وهي النيابة العامة التمييزية، أن تدعي بالجريمة لدى المحقق العدلي وتحيل إليه ملف التحقيقات. ويتمتع المحقق العدلي بصلاحيات واسعة للتحقيق والظن وإصدار جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق بدون طلب النيابة العامة وقرارات المحقق العدلي بهذا الشأن لا تقبل المراجعة.
وبعد اكتمال التحقيقات تبدي النيابة العامة التمييزية المطالعة في الأساس. يقرر المحقق العدلي، بنتيجة تدقيقه في التحقيقات وأوراق الدعوى، أما منع المحاكمة عن المدعي عليه وإما اتهامه وإحالته على المجلس العدلي.
-هل يمكن تسييس أحكام المجلس العدلي؟
الصحافي رضوان مرتضى المتخصّص في الشؤون القضائية والمتابع لجريمة المرفأ، أشار في اتصال مع “أحوال ميديا” أنّ ” المجلس العدلي هو أعلى محكمة جزائية في لبنان يرأسها رئيس محاكم التمييز في لبنان وهو حكماً رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، يعاونه أربع قضاة مستشارين وهم رؤساء غرف في محكمة التمييز، وهؤلاء الأربعة ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة.”
وأكد أن إحالة قضية انفجار المرفأ إلى المجلس العدلي بالشكل توحي بالثقة بأن القضية محالة إلى أرفع محكمة جزائية في لبنان، أما بالمضمون فوجود القضاة من تيارات سياسية مختلفة يجعلعه إمكانيّة التسييس صعبة إلا إذ كان المحقق العدلي محسوباً على طرف واحد.
وعن المحقق العدلي الذي يلعب دور قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية يقول مرتضى ” ثمة اعتبار كبير للمحقق العدلي، لأنه يصدّر قراراً اتهامياً، وقرارات المجلس العدلي تكون مستندة إلى الدّور والتحقيقات التي قام بها المحقق”.
وعن مشكلة البطء في انعقاد الجلسات وإصدار الأحكام التي قد تمتد إلى سنوات يقول مرتضى “مشكلة البطء في انعقاد جلسات المجلس العدلي، قد تحلّ إذا اتّخذ القرار بإجراء جلسات أسبوعيّة كي تنتهي القضيّة خلال أشهر بدل أن تدوم سنوات كما الكثير من الملفات منها ملف اختفاء الإمام موسى الصدر المحال على المجلس العدلي ولغاية اليوم لم يرشح عنه شيء.”.
وعن مصير أبرز القضايا التي أحيلت إلى المجلس العدلي وإمكانية البناء عليها في قضية انفجار المرفأ يقول “ما يضمن تسريع البت بالقضية وألا يستمر النّظر فيها سنوات كما هو الحال في قضايا أحيلت إلى المجلس العدلي هو القرار السياسي والقضائي، على اعتبار أنّ كل معالم الجريمة كاملة، والمفترض ألا تأخذ أكثر من أشهر من عمل المحقق العدلي أو جلسات المحاكمة على اعتبار أن المسؤولين معروفين منهم مسؤولين مباشرين مثل إدارة المرفأ وإدارة الجمارك ومديرية المخابرات، ومسؤولين غير مباشرين مثل وزراء المال والأشغال والعدل والداخلية ورئاسة الحكومة ومجلس الدفاع الأعلى.”.
ويتابع “بالمبدأ تم تحديد المسؤولين المباشرين عن الانفجار ويتبقّى المسؤولية المعنوية غير المباشرة التي لها علاقة بالتقصير. انطلاقاً من بيان مدّعي عام التمييز الذي أشار فيه إلى أن هذا التحقيق يجب أن يصل إلى تحديد من كان يعلم ولديه القدرة على التغيير ومنع حصول هذا الانفجار. لأن ثمة من كان يعلم ولا يستطيع أن يغير وعقوبته مختلفة عمن كان يعلم وكان بإمكانه منع ما حصل.”.
هل يوحي المسار القضائي للمجلس العدلي بالثقة؟ يقول “هناك الكثير من الجرائم أحيلت إلى المجلس العدلي، مثل جريمة عين علق، وجريمة اغتيال القضاة الأربع، وتفجير مسجدي السلام والتقوى، وقضية موسى الصدر وقضية نهر البارد، وفي ملف نهر البارد أوقف فيه مئات الموقوفين وكان الحكم تفصيلياً، إذ أنه أعطى أحكاماً بالبراءة لموقوفين بعد عشر سنوات على إيقافهم. القضاء قال إن ثمة موقوف استمر سجنه عشر سنوات منح حكماً بالبراءة بالتالي توقيفه ما كان يجب أن يكون موجوداً، بالتالي لو كان المجلس العدلي يريد أن يتهرب أو كان ثمة تلاعب في الأحكام، كان بإمكانه إصدار حكم بحقه مدة عشر سنوات لتغطية الخلل الذي كان حاصلاً في القضاء في المراحل الأولى من القضيّة لكنه قرر حكمه براءة”.
ويؤكد مرتضى أن أهم مسألة تثير الارتياح في إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي، أن كل القضاة موضوعين تحت المجهر، وأي قاضٍ يتلكأ فهو مراقب من الإعلام ومن الرأي العام، ما يجعل من إمكانية التلاعب مسألة صعبة جداً.
– أبرز القضايا التي أحيلت إلى المجلس العدلي
على مدى 97 عاماً، أحيلت عشرات القضايا إلى المجلس العدلي، وهذه أبرزها:
مقتل الأخوين أنطونيوس في بعبدا، إغتيال النائب الأردني عمران المعايطة، إغتيال داني شمعون، تفجير كنيسة سيدة النجاة في الذوق، إغتيال الشيخ نزار الحلبي، إغتيال الوزير إيلي حبيقة في الحازمية (24 / 1 / 2002)، تفجير صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة في بيروت – الأونيسكو (31 / 7 / 2002)، إغتيال النائب مروان حمادة ومقتل مرافقه في بيروت – الروشة (1 / 10 / 2004)، إغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري ومرافقيه في بيروت – السان جورج (14 / 2 / 2005)، إغتيال الصحافي سمير قصير في بيروت – الأشرفية ( 2 / 6 / 2005)، إغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني السيد جورج حاوي في بيروت – وطى المصيطبة (26 / 6 / 2005)، محاولة إغتيال الوزير الياس المر في النقاش (12 / 7 / 2005)، محاولة إغتيال الصحافية مي شدياق في جونية – غادير (25 / 9 / 2005)، إغتيال النائب الصحافي جبران غسان تويني ومرافقيه في المكلس (12 / 12 / 2005)، قتل وجرح عدة أشخاص في عين علق (13 / 2 / 2007)، قتل زياد قبلان وزياد غندور في جدرا – الشوف (26 / 4 / 2007)، قتل وجرح عدة عسكريين ومدنيين في مخيم نهر البارد (20 / 5 / 2007) وفي طرابلس (13 / 8 / 2008) وفي البحصاص – طرابلس (29 / 9 / 2008)، إغتيال النائب القاضي وليد عيدو ونجله ومرافقيه في بيروت – منطقة الحمام العسكري (13 / 6 / 2007)، إغتيال النائب أنطوان غانم ومرافقيه في حرش تابت – سن الفيل (19 / 9 / 2007)، إغتيال العميد الركن في الجيش اللبناني فرنسوا الحاج ورفاقه في بعبدا (12 / 12 / 2007)، مقتل السيدين سليم عاصي ونصري ماروني في زحلة (20 / 4 / 2008)، إغتيال الشيخ صالح العريضي في بيصور (10 / 9 / 2008)، وغيرها.
إيمان إبراهيم