لا حدّ لجشع المستثمرين العقاريين الرأسماليين، فهؤلاء يرقصون ابتهاجًا مع كلّ كارثة، طبيعية كانت أم مُفتعلة. هؤلاء يسارعون إلى ساحة المعركة، لا للاطمئنان بل للإجهاز على كلّ بقيّة صامدة، فيضمنون بذلك أرباحًا حسبوها منذ لحظة وقوع الفاجعة وربما قبل. هؤلاء ينتهزون الخراب ويبحثون في جيوب الجثث قبل التحقق من وفاتها ويستبيحون ممتلكات مضرّجة بالدَمَار. هؤلاء لا قيمة لديهم لكل ما هو معنوي ولا يقفون خشوعا أمام رهبة الموت، وكأنهم لم يحزنوا لحظةً لما حدث بل وكأنهم تمنّوه سرًا.
هذا الانطباع لم يتولّد نتيجة انفجار المرفأ فحسب، بل نتيجة سلوك انتهجته مافيات العقارات عند كلّ استحقاق مدمّر منذ الحرب اللّبنانية، فكانوا يتواطؤون مع الميليشيات المسلحة لتدمير مبانٍ محدّدة وتهجير سكانها من المستأجرين القدامى، ليعودوا ويبنوا منتجعاتهم “السوليدارية” على أنغام “قومي من تحت الردمِ”.
بالصور | للأبنية التراثية حصّة الأسد من انفجار بيروت
اليوم يتجلّى هذا الجشع من خلال سعي هؤلاء لتدمير البيوت التراثية في مناطق الأشرفية والجميزة ومار مخايل ما دفع برئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى التحذير من “ارتكاب جريمة هدم التراث من قبل بلدية بيروت لصالح السماسرة”.
للوقوف على حال البيوت التراثية في بيروت، اتصل “أحوال” بـ محمد أيوب مدير جمعية نحن التي تُعنَى بالبيوت التراثية بحيث كشف بأنّ لا أرقام إحصائية مدروسة حتى الساعة ولكن الانطباع الأوّل يقول أنّ 90% من الأبنية يسهل إعادة إعمارها، مشيرًا إلى أنّ الأساس لم يتصدّع بل اقتصرت الأضرار على ما يُمكن ترميمه.
وقال: ” من خلال تجربتنا، نحن نثق بنقابة المهندسين على رأسها النقيب جاد تابت” ، مبديًا تخوّفه أن يعاد تلزيم الشركات نفسها التي هدفها السرقة.
شراء الأبنية المتصدّعة لضمان عدم إعمارها
في إطار موازٍ تردّدت أخبار مفادها تلقي عدد من سكان المنطقة عروضًا لبيع البيوت المدمّرة، فأصدر على ضوئها وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني تعميماً يتعلق بمنع بيع العقارات ذات الطابع التراثي والتاريخي أو ترتيب أي حق عيني عليها إلّا بعد أخذ موافقة وزارة الثقافة وذلك منعاً لاستغلال الحالة الراهنة للمناطق المنكوبة إثر التفجير.
خبر شراء البيوت رُميَ كإشاعة من منطلق “جسّ النبض” ليُبنى على الشيء دمارُه
بدوره اقترح النائب عن منطقة الاشرفية نقولا الصحناوي تجميد عمليات البيع والشراء في المناطق المنكوبة الى حين تبيان وتوضيح آلية إعادة بناء الأحياء وذلك لحماية هويتها التراثية ونسيجها الاجتماعي وقد أرسلت كتابين الى محافظ بيروت وإلى أمين سر الدوائر العقارية لأطلب منهما اتخاذ الإجراءات اللّازمة لوقف هذه العمليات.
وفي اتصال مع أحوال قال الصحناوي: “تصلنا أخبار كثيرة عن هجمة المستثمرين العقاريين والشركات العقارية للاستفادة من الوضع وشراء مبانٍ متصدّعة بهدف السماح بهدمها بالكامل فيما بعد، من دون أي عائق، والاستثمار في مشاريع عقارية ضخمة”.
وأضاف: “إذا اشترى المستثمر ثلاثة أبنية قديمة وهدمها يمكنه أن يدشن مكانها برجًا تجاريًا كبيرًا ما سيسمح له بتحقيق أرباح طائلة على حساب جمال المنطقة”.
ولفت إلى أنّ المستثمر وبدل الوقوف إلى جانب الأهالي يحاول الاستفادة منهم، بعد أن عانوا الأمرّين بين الانهيار الاقتصادي ونكبة الانفجار، ويعمل على اغتنام ضعفهم وحاجتهم لحثّهم للبيع والاستسلام”.
إلى ذلك تواصل “أحوال” مع مختار المدوّر وعدد من سكان المنطقة، إلّا أنّ أحدًا لم يتلقَ اتصالًا لعرض بيع منزله بل كلّهم سمعوا الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يرجّح أن يكون الخبر قد رُميَ من منطلق “جسّ النبض” ليُبنى على الشيء دمارُه.
نُهاد غنّام