منوعات

الأزمة الاقتصادية الراهنة تفرض نمطًا جديدًا على اللبنانيين.. “حياة المينيماليست”

الأزمة الإقتصادية انعكست على سلوكيات وقرارات اللبنانيين فأصبحوا "مينيماليست" عن غير دراية

“المينيماليزم” مفهوم جديد كثُر انتشاره مؤخراً في العالم، يقوم على فكرة احتواء أقل قدر من الأشياء التي نحتاجها، أي الأساسية فقط، والتخلّص من تلك الفائضة؛ فالأشياء التي نمتلكها، يجب ألّا تزيد عن الحد المطلوب، إذ لن نملك عندها القدرة على استعمالها جميعها، فننغمس أكثر في مفهوم “الحياة الإستهلاكية”.

في ستينيات القرن الماضي، بدأت حركة فنيّة وُلدت من المدرسة التجريدية وتميّزت باستخدامها القليل من العناصر والألوان لأعمالها، فكانت تعتمد على “التبسيط” وحذف التفاصيل. وبعدها طُرحت أسلوباً للحياة منذ عام 2005، بدراسة أطلقتها “جامعة إلينوي”، بيّنت من خلالها الفرق الذي تعطيه التجارب والخبرات للإنسان، من سعادة وإضافات جميلة على حياته، وبين ما تقدّمه الممتلكات والأشياء المادية.

وفي هذا السياق، يرى عالم النفس الأمريكي “توماس جيلوفيتش” أن تأثير التجارب والخبرات تُعطي أثراً أكبر وأطول على شخصية الإنسان، في حين أن “الأشياء المادية التي يمتلكها الأخير، تنفصل عن صاحبها ولا تظل كما هي بل تفقد بريقها”.

من جهته، يوضح كبار الداعين لأسلوب حياة “المينيماليزم”، جوشوا باكر، أن الأخيرة تعني “التحرّر من الرغبة الدائمة للتملّك”، أي “التقليل وامتلاك الحدّ الأدنى”، بالإضافة إلى كونها “التخلّص من الفكر الإستهلاكي الذي يدفعنا إليه النظام الرأسمالي القابع في حياتنا، فيوهمنا أننا إذا اشترينا سلعة معيّنة ستجعلنا سعداء، إلا أن هذه السعادة لا تكون سوى “سعادة آنية” خارجة عن رغباتنا المرتبطة بالماديات”، بحسب باكر.

إلا أن “ثقافة الإستهلاك” أصبحت بمثابة نمط حياة وجزء من سلوك المجتمعات الذي اعتاد عليه الناس، حيث ساهمت في تزايده المحال التجارية الضخمة والإعلانات التي تقنع المستهلك أنه سيحصل على الرضى والسعادة جرّاء شرائه سلعة معينة، علمًا أن الإستهلاك المتزايد للأشياء لا ينحصر بالسلع الكمالية فحسب، إنما يتضمّن أيضًا المواد الغذائية التي يتهافت الناس على شرائها وبكميات كبيرة جداً، لكنها غالباً ما يُرمى جزء كبير منها بسبب انقضاء مدة صلاحيتها أو عدم استهلاكها قبل ذلك الوقت.

لذا، فاتباع مبدأ التقليل في الإستهلاك له فوائده الكثيرة التي تصبّ في مصلحة الإنسان والبيئة على حد سواء، لأن التقليل من العادات الإستهلاكية يؤدّي إلى تقليل الطلب عليها وبالتالي تقليل الإنتاج، ما يساهم في تخفيف عمل المصانع الملوّثة، ما من شأنه أن يحمي البيئة من التلوّث الكبير الذي قد يلحق بها نتيجة عمل المصانع.

من جانب آخر، تقول الدراسات إن “المينيماليزم” تقدّم للفرد حياة سهلة وبسيطة، خالية من الإرباك، كما توفر المزيد الوقت والجهد، وتجعل الشخص يستمتع بما لديه من أشياء مادية وغير مادية بشكلٍ أفضل.

وفي السياق، يقول أحد الأشخاص “المينيماليست”، في حديث لـ”أحوال”، إن اتباعه هذا الأسلوب جعله متصالحاً مع نفسه وجعل حياته أكثر تنظيماً، فأصبح يملك قطعةً واحدة فقط من كل شيء يملكه، مشددًا على أن السعادة لا تصنعها الماديات، إنما الحب والتصالح مع الذات، ما يؤدي بالتالي إلى الرضى التام عن نمط عيش الفرد.

في لبنان، انعكست الأزمة الإقتصادية على سلوكيات وقرارات اللبنانيين، فأصبحوا “مينيماليست” عن غير دراية، حيث انخفضت القدرة الشرائية وبات المواطن غير قادر على شراء ما يحلو له كالسابق، في حين أن هناك فئة كبيرة من اللبنانيين غير قادرة على شراء حتى الحاجات الأساسية، نتيجة الغلاء الفاحش للأسعار وارتفاع معدلات الفقر في لبنان، وفق دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الإجتماعية لغرب آسيا، إسكوا، والتي أشارت إلى أن معدّلات الفقر ارتفعت إلى أكثر من 55 بالمئة، لذا من الطبيعي أن يتجه المواطنون إلى شراء الحاجات الأساسية وصرف النظر عن السلع الكمالية.

إذًا، لم يختر معظم اللبنانيين أن يكونوا ممّن يتجهون نحو “المينيماليزم”، بل وجدوا أنفسهم مضطرين إلى ذلك، فالراحة النفسية التي تنتج عن هذه الحياة غير متوفرة لدى العائلات اللبنانية، بل يحل مكانها القلق الدائم من المستقبل المجهول.

بشرى مرعي

بشرى مرعي

صحافية تحمل شهادة الإجازة في الصحافة وعلوم الإعلام من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى