منوعات

حبكة التحالفات العامل المرجّح في أي إنتخابات نيابية و”الفرعية” منسية

“تأجيل البت بالتأجيل” و”التمديد” و”تمديد الممدّد” صيغ إعتمدها مراراً من تعاقب على الحكم في جمهورية الطائف على صعد عدة وبحجج كثيرة ولأهداف شتى غير آبهين بالحياة الديمقراطية ولا بالدستور والقوانين والأصوات التي ترتفع من هنا أو هناك مطالبة بإحترامها.

فإستقالة ثمانية نواب ذهبت عملياً أدراج الرياح ومفاعيلها لم تكن سوى زوبعة في فنجان لأنها ليس فقط لم تنجح بأن تكون كرة ثلج تقود إلى مزيد من الإستقالات وتدفع معنوياً الى إجراء إنتخابات نيابية شاملة، بل لم تفضِ بحكم قبضة أهل السلطة الى إجراء إنتخابات فرعية. إذ تقرّر بعد التشاور بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إرجاء إجراء الإنتخابات الفرعية إلى ما بعد 1/1/2021 تحت ذريعة إنفجار بيروت والتعبئة العامة جراء جائحة كورونا من دون تحديد مهلة. اليوم يبدو أن “الفرعية” أصبحت منسية.

بهذه الخطوة – وهناك شبه إجماع على عدم دستوريتها – تمّ ضرب الدستور بعرض حائط مصالح الطبقة الحاكمة. فإجراء الإنتخابات الفرعية واجب دستوري وفق المادة 41 لملء المقاعد خلال مهلة الشهرين من تاريخ قبول الإستقالة. لكن السلطة الحاكمة فضّلت تحمّل وزر مخالفة الدستور على تجرّع كأس إختبار الأحجام في صناديق الإقتراع في ظل الإنطباع العام بتراجع قوة كل القوى الحزبية أمام تزايد حضور قوة مجموعات المجتمع المدني بعد احتجاجات 17 تشرين.

هذا ما يؤكده مدير عام شركة “ستاتيستكس ليبانون” وناشر موقع “ليبانون فايلز” ربيع الهبر الذي يشير عبر “أحوال” الى أن الطبقة السياسية تتهرّب من إنتخابات فرعية لأنها غير مضمونة النتيجة وهناك مخاطرة بحصولها على أكثرية المقاعد الثمانية.

اليوم هناك طرحان مرتبطان بالإستحقاق النيابي: إما إنتخابات مبكرة وفي طليعة الداعين اليها “القوات اللبنانية” و”الكتائب” ومجموعات من الحراك بهدف إعادة إنتاج السلطة بعد الإنهيار الذي شهده لبنان على الصعد كافة وإظهار حقيقة التغيّر في المزاج الشعبي عبر إختبار صناديق الإقتراع – أسهم نجاح هذا الطرح غير مرتفعة – وإما إجراء الإنتخابات في موعدها ربيع 2022.

لكن المخاوف تتعاظم من التخطيط لطرح ثالث يقوم على تأجيل الإنتخابات بهدف الإبقاء على مجلس النواب الحالي لينتخب رئيس الجمهورية المقبل وتحاشي أي مفاجآت في صناديق الإقتراع قد تفقد السلطة الحاكمة الأكثرية. وما طَرحُ بعض الأطراف نسف القانون الإنتخابي الحالي من دون الإكتفاء بإدخال تعديلات عليه سوى باب للتأجيل لأن الجميع يعلم أن التوصّل الى أي قانون جديد يستغرق سنوات عدة حكماً.

الهبر يعتبر أن الأمور مفتوحة على كل الإحتمالات، لكنه يؤكد أن المجتمع الدولي يدفع بإتجاه إجراء الإنتخابات بموعدها ويستصعب إمكانية تكرار مشهدية التمديد كما حصل مع مجلس العام 2009.

وإذ يجزم الهبر بأن “كل قوى السلطة في حال تراجع إنتخابي ولو بشكل متفاوت”، يكشف بأنه “على عكس ما يعتقد بعضهم التراجع أكبر لدى الأحزاب المسلمة وطفيف لدى الأحزاب المسيحية وفق آخر الإحصاءات”، مضيفاً: “قد تتراجع حصة التيار الوطني ولكنه سيحصد العدد الأكبر من المقاعد. رغم ذلك “التيار” ليس مع إنتخابات مبكرة لأسباب سياسية وهو يفضل أن ينتخب هذا المجلس الرئيس الجديد من أجل تحاشي أي مفاجآت في صناديق الإقتراع قد تفقد فريقه الأكثرية النيابية”.

عن النتائج المتوقعة لأي إنتخابات نيابية، يوضح: “فريق الثورة يكبر حجمه ولكنه ليس موحداً. اذا لم يتوصل الى تشكيل لوائح موحّدة، سيعود النواب الحاليون ولكن بمجموعة أصوات أقل ويلغي المجتمع المدني نفسه. نعم هناك مناخ عام ضد الأحزاب وهناك momentum ولكن الثورة غير جاهزة. من ينجح بالتوحّد يفوز بالإنتخابات، أكان توحّد المستقلين مع المستقيلين أو توحّد أحزاب السلطة”.

يبدو أن حبكة التحالفات العامل المرجّح في أي إنتخابات نيابية مقبلة، فهل ينجح حراك 17 تشرين بخوض ضمن لوائح موحدة وينجح بالتوصّل الى مساحة مشتركة خصوصاً في مقاربات مجموعاته للملف السيادي والموقف من “حزب الله” وسلاحه والملف الإقتصادي بين الطروحات الليبرالية والرأسمالية والطروحات اليسارية؟ هل يتهرب من مقاربة هذه الملفات بالعمق ويلجأ الى تحالفات مصطنعة ينفرط عقده مع إغلاق صناديق الاقتراع؟ هل يتوحّد المستقلّين مع المستقيلين؟ هل تعمد بعض مجموعات الحراك للتحالف مع الأحزاب غير المشاركة اليوم بالسلطة الحاكمة كالقوات والكتائب بهدف تجميع القوى ضد هذه السلطة وتعزيز فرص تسديد ضربة قاضية لها؟ أما هل تنجح أحزاب السلطة بتخطي خلافاتها لحفاظ كل منها على مكتسباته، فنسمع على سبيل المثال الرئيس سعد الحريري يدعو مناصريه في دائرة بشري-زغرتا- الكورة- البترون مجدداً لإنتخاب “صديقه” جبران باسيل؟

أياً تكن النتائج، الإحتكام الى صناديق الاقتراع هو المسار الصحيح لإعادة إنتاج السلطة وأي تأجيل للانتخابات النيابية هو إستمرار عن سابق تصوّر وتصميم في نحر لبنان الدولة وإنقلاب سافر على أبسط قواعد الديمقراطية.

جورج العاقوري

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى