منوعات

تحالف حزب الله والتيار في مرمى الصواريخ الإيرانية!

مع أن القراءة المجردة، وبلا أحكام مسبقة، لتصريح قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني العميد على حاجي زادة تُبين ان هذا التصريح لا يتحمل التفسيرات والتأويلات التي أعطيت له وأنه أُثقل بحمولة زائدة، الا ان ذلك لم يمنع بعض القوى الداخلية من إطلاق النار على الموقف الإيراني واستطرادا على حزب الله، في ترجمة للمقولة الشهيرة: عنزة ولو طارت.
ويُظهر التشريح الدقيق لكلام حاجي زادة انه قال إن صواريخ غزة ولبنان من دعم طهران وإنهما الخط الامامي لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وهو بذلك لم يخترع البارود، بل كان يؤكد المؤكد إذ من المعروف ان إيران تدعم حركات المقاومة في الجنوب وغزة بالسلاح وان هاتين المنطقتين تشكلان بحكم الجغرافيا جبهة أمامية في مواجهة العدو، وبالتالي فإن مسؤول الحرس الثوري كان يصف الواقع، من دون ان يعطي اي إشارة الى ان وظيفة الصواريخ هي خدمة المصالح الإيرانية على حساب تلك اللبنانية والفلسطينية، وان يكن ليس خافيا ان محور المقاومة هو كل لا يتجزأ وان تعزيز قوة اي طرف من اطرافه يعود بمردود تلقائي على كامل مكونات المحور.
واذا كان قد اصبح من المألوف ان تتولى قوى وشخصيات مصنفة ضمن ما كان يعرف ب14 آذار مهاجمة حزب الله وطهران، ربطا بالخلاف حول الخيارات الاستراتيجية، غير أن اللافت في الردود على حاجي زادة يتمثل في موقفين صدرا من خارج السياق التقليدي، الأول عكسته تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رفض ان يكون هناك أي شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته، والثاني أورده بيان التيار الوطني الحر الذي اعتبر ان اي دعم للمقاومة لا يجب أن يكون مشروطا بالتنازل عن السيادة.
وبدا واضحا أن مروحة رد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على الانتقادات التي استهدفت كلام المسؤول الإيراني كانت تشمل أيضاً، ولو بطريقة غير مباشرة، عون والتيار، عبر تشديده على أن المقاومة في لبنان هي الأكثر استقلالاُ في التاريخ وأن الدعم الذي تتلقاه ليس مشروطا.
ولكن، ما هي دلالات هذا الأخذ والرد بين الحزب وحليفه البرتقالي، وهل يوحي بأن هناك شرخا او أزمة بين الجانبين؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها تمايز او تباين بينهما، كما حصل اخيرا حين اعترض حزب الله علنا على تركيبة الوفد اللبناني الذي انتدبه عون الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي. يومها قيل ان هذا هو الامتحان الأصعب الذي خضعت له علاقة التيار والحزب منذ ولادة تفاهم مار مخايل، لكنهما سرعان ما تمكنا من تجاوزه خصوصا بعد الأداء الصلب للوفد المفاوض في مواجهة الطرح الاسرائيلي المدعوم من “الوسيط” الأميركي، ثم أتت عقوبات واشنطن على جبران باسيل لتدفع الحزب الى ابداء تقديره لصلابة رئيس التيار وتمسكه بالتحالف مع المقاومة، على الرغم من كل الضغوط الأميركية التي تعرض لها لدفعه الى فك هذا التحالف.
الا ان التمسك المبدئي لكل من التيار والحزب بورقة التفاهم بينهما لم يحجب عنهما ضرورة تحديثها وتفعيلها، لسد بعض ثغرها التي ظهرت خلال التطبيق، ولتكييفها مع التطورات التي استجدت منذ التوقيع عليها، وقد تم تشكيل لجنة مشتركة تضم قياديين من الجهتين لإنجاز هذه المهمة، قبل أن تتوسع الثقوب التي ظهرت مع مرور الوقت في ورقة مار مخايل.
غير ان اقتناع قيادتي التنظيمين بأهمية استمرار تحالفهما وبوجوب اخضاع المسائل الخلافية للحوار، لا يسري بالكامل على كل قواعدهما الشعبية التي تبدل المزاج العام لشريحة منها، لاسيما خلال الآونة الأخيرة، وهو الأمر الذي تعكسه بوضوح مواقع التواصل الاجتماعي العائدة إلى المتحمسين من مناصريهما الذين يتبادلون الإتهامات وحتى والاساءات عند كل اختلاف في المقاربة، كما جرى مع التفاوت المستجد بين الحزب والتيار حيال الكلام الإيراني.
ومن اسباب التحسس الزائد لدى بعض القواعد، هنا وهناك، شعور جانب من الجمهور البرتقالي بأن الحزب لا يجاري التيار في بناء الدولة ومحاربة الفساد، يقابله شعور مضاد عند مناصرين للمقاومة بأن التيار لا يراعي خصوصية الحزب الذي تتوزع اهتماماته على ملفات محلية واقليمية في آن واحد، إضافة إلى امتعاض هؤلاء من المواقف البراغماتية التي تصدر احيانا عن القيادة البرتقالية إزاء مسائل تتعلق بالصراع مع إسرائيل.
انما، وعلى الرغم من ارتفاع منسوب التمايزات التي تصل إلى حدود التباينات أحيانا، الا ان المطلعين على كواليس العلاقة بين التنظيمين يؤكدون ان لا قرار لدى اي منهما بفرط التحالف، وان الفروقات التي تظهر على مستوى المقاربات في بعض الأوقات لن تتحول انفصالا، خصوصا بعد العقوبات الأميركية على باسيل.
ويعتبر هؤلاء ان المزايدات على التيار في الساحة المسيحية من قبل خصومه قد تكون هي التي دفعته ورئيس الجمهورية الى
التعليق بطريقة سلبية على ما صدر عن المسؤول الايراني، مشيرين الى ان ايضاحات نصرالله في خطابه هي كافية لازالة كل الهواجس بعدما أكد ان لا شروط مقابل الدعم الإيراني للمقاومة “الاكثر استقلالية في التاريخ” مشددا على أن حاجي زادة لم يقل ان لبنان هو خط امامي لإيران في مواجهة اسرائيل، كما زعم أصحاب الحملة عليه.
ولا يتوقع العارفون ان يشكل التباين الاخير سببا لمشكلة كبيرة بين الجانبين اللذين لا يزالان يملكان القدرة على احتواء الاختلافات الطارئة والتكيف معها، من دون أن ينفي ذلك حقيقة ان هناك حاجة إلى تعزيز مناعة التحالف في مواجهة الضغوط والتحديات، بحيث يتمكن من استعادة نضارته على المستويين السياسي والشعبي.

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى