منوعات

هل تكون أموال “العشائر” بديلاً عن الودائع في المصارف؟

تتعدّد الأسباب، والأحداث الأمنية واحدة ومتشابهة تصبغ أكثر من منطقة في محافظة بعلبك _الهرمل. فالإشتباكات المسلّحة بين “عشائر” البقاع ليست وليدة لحظتها، بل أمر طبيعي اعتاد البقاعيون عليه ويتكرّر منذ عقود خلت، وقد تكون سمة أساسية تميّز أهالي المنطقة عن بقية المناطق اللبنانية.

ومن نافل القول أيضاً إنّ هذه الأحداث_ وإن شهِد البقاع الحصة الأكبر منها، لكنها تحصل في مناطق أخرى كالشمال والجنوب والجبل وحتي في قلب العاصمة بيروت.

البقاع على فوهة بركان

مسلسل الأحداث في الآونة الأخيرة يضع البقاع على فوهة بركان إذا لم تعمل الدولة إلى إقرار خطة شاملة لمعالجة المشاكل ووضع الحلول موضع التنفيذ. فأجهزة الدولة تبحث عن المطلوبين وتتقفى أثرهم في الجرود والمنازل وفي كل مكان لكنها لا تبحث عن أساس المشكلة وحلولها.

فما هي أسباب هذه الأحداث المتكررة التي تجعل المنطقة “أسيرة” قطّاع الطرق والعصابات المحمية منها وغير المحمية؟ هل هي عوامل تاريخية اجتماعية – ثقافية أم اقتصادية وأمنية وقانونية وتشريعية؟ أم كل هذه الأسباب مجتمعة؟ وما هي الحلول لكي تستعيد المنطقة أمنها وأمانها وهويتها الحقيقية كجزءٍ أساسي من الجسد والنسيج الوطني اللبناني؟ وهل يحق لـ “قلة قليلة” من أهالي المنطقة الخارجة عن القانون تشويه هويتها وسمعتها؟ وأين دور الدولة وأجهزتها الأمنية والإدارية؟  فبحسب معلومات “أحوال”، إنّ مكان الإشتباك الأخير بين عشيرتي جعفر وشمص محاط ب 7 نقاط للجيش اللبناني.

واستطراداً، هل تكون “موارد وأموال العشائر” المخبأة في “خزائن المنازل” وأماكن أخرى، أحد الحلول لتحريك الدورة الاقتصادية في المنطقة؟

خزائن العشائر تنعش المنطقة اقتصادياً

ففي حين يُنظَر إلى “طفار العشائر” على أنّهم ظالمون بحق أنفسهم وأبناء جلدتهم وأهل منطقتهم، من خلال الأعمال غير الشرعية التي يقومون بها، يرى آخرون أنّهم مظلومون من جهات عدة: الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية والمالية، وطوائفهم، والأحزاب الفاعلة في منطقتهم، الذين لا يغطون زراعة “الحشيشة” رغم إقرار قانون تشريع “القنب الهندي” في المجلس النيابي؛ فيما لا يوفّرون لهم الخدمات الاجتماعية والمشاريع الإنمائية، ولم يتمكنوا من “تحرير” قانون العفو من براثن الخلافات السياسية والطائفية. أما الوجه الآخر للعشائر، فهو عدم رضاهم عن الوضع القائم، رغم طرحهم حلولاً لمشاكلهم علّ الجهات المختصة تصغي إليهم.

وبالمفهوم العشائري، فإنّ قانون العفو يحقق 70 في المئة من الإنماء في البقاع. أما السبب، فيشرحه أحد وجهاء البقاع  لـ”أحوال” بقوله: “أغلب الرأسماليين في المنطقة هم تجّار سلاح ومخدرات، وجُلّهم مطلوبون للقضاء. وإذا شملهم قانون العفو فسيعودون إلى أعمالهم التجارية ويساهمون في تحريك العجلة الاقتصادية والتجارية في المنطقة وكل لبنان”. فالمال مخبأ في المنازل “تحت سابع أرض” بحسب المصدر، رغم أنّها قد لا تكون أموال شرعية، لكنها تُستعمل في البقاع وتُعتبر بديلة عن ودائع اللبنانيين التي تبخرت في المصارف.

وأوضحت مصادر العشائر أنّ تجّار هذه المنطقة يمتلكون موارداً كبيرة من أراضٍ زراعية ومزارع وعقارات ومبانٍ وخزائن أموال مخبأة في منازلهم، لا يمكنهم التصرّف بها واستثمارها بسبب ظروفهم القانونية والأمنية.

فهؤلاء التجار، بحسب المصادر، أحجموا عن إيداع أموالهم في المصارف بعد أزمة 17 تشرين الماضي وحتى قبل الأزمة؛ فأغلب التجار يخشون استعمال المصارف بسبب تعقيدات مالية وقانونية. وتحرير هؤلاء التجار الموجودين في السجون أو الفارين من وجه العدالة سيحرّر هذه الثروة المنقولة وغير المنقولة، وبالتالي إدماجها في الدورة الاقتصادية للمنطقة والبلد عبر مشاريع واستثمارات متعددة.  فضلاً عن أن نظام التكافل الاجتماعي الذي اشتهر به المجتمع البقاعي يدفع بهؤلاء التجار إلى تقديم مساعدات معيشية واجتماعية للمحتاجين.

مروان شربل: الحلّ بتطبيق القانون

في المقابل، رفض وزير الداخلية الأسبق العميد مروان شربل هذا الطرح، وأوضح لـ”أحوال” أنّ الإفراج عن “الطفار” بهدف استثمار أموالهم في النشاط التجاري هو إجراء آني، والحل بتطبيق القانون الذي أقرّ في مجلس النواب لتشريع “الحشيشة” وإنشاء إدارة مختصة على غرار إدارة حصر التبغ والتنباك. وأضاف، إعفاء المطلوبين والمتورطين سيدفع آخرين للقيام بأعمال مماثلة. ولذلك على الدولة تحقيق الإنماء المتوازن في كل المناطق خاصة في البقاع الذي يملك إمكانات طبيعية تفيد البقاع ولبنان.

واعتبر شربل أن ما دفع أهل البقاع إلى التجارة بالممنوعات ومخالفة القوانين وتحدي العدالة، هو إهمال الدولة لهذه المنطقة في كافة المجالات، كما في مناطق أخرى كعكار وطرابلس. علماً أن قانون “تشريع الحشيشة” لم تصدر مراسيمه التطبيقية حتى الآن.

تسريع المحاكمات بديل عن “العفو”

لفت مرجع أمني سابق إلى مشكلة يعاني منها أهل المنطقة، ويتوجّب على المراجع الأمنية والقضائية التنبه لها، وهي أنّ بعض المتهمين بجرائم قتل وسرقة ومخدرات، وخلال التحقيق معهم، يزجّون بأسماء أشخاص يدعون بأنهم شاركوا معهم في هذه الجرائم، فيسارع القضاء إلى تسطير بلاغات بحثٍ وتحرٍ بحقهم، فيما بعض هؤلاء حُوكِموا غيابياً من دون معرفتهم، وجرى إلقاء القبض على آخرين على الحواجز أو في منازلهم، من دون أي معرفة بمذكرات التوقيف تلك؛ حيث يتم توقيفهم إحتياطياً أو رميهم في السجون لأشهر عدة من دون أي تحقيقات أو محاكمة.

وأشار المصدر الأمني أنّ أحد الحلول لهذه الإشكالية والبديلة عن العفو العام، هو أن يبادر القضاء إلى وضع سلّم أولويات للموقوفين والمطلوبين، وتسريع المحاكمات وتسوية الوضع القانوني لأصحاب الجرائم الصغيرة، كإطلاق النار وسواها وفي الوقت نفسه تخفيف الضغط على السجون.

وحذّر المرجع من أنّ الوضع الأمني لن يستقر بقاعاً، طالما هناك خارجين عن القانون في كل عائلة، ولا تستطيع الدولة والأجهزة الأمنية إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم.

في المقابل، تقول معلومات لـ”أحوال” أنّ “الصيت لأهل البقاع والفعل لغيرهم”. و”الغرم لهم والغنم لغيرهم”؛ فأهل البقاع ليسوا سوى مزارعين “على قد حالهم” يتحمّلون مشقة زراعة الحشيشة والمسؤولية أمام القضاء، ويخاطرون بحياتهم وبالكاد يحققون أرباحاً قليلة تفوق الكلفة بقليل. أما التجار الحقيقيون فينتمون إلى مكونات وطبقات اجتماعية أخرى، يتمتعون بغطاء من قوى سياسية وحزبية لها الحظوة والسطوة والنفوذ في الدولة، ويشترون هذه “البضاعة” بأثمانٍ معينة ويبيعونها بأثمان مضاعفة في دول أخرى.

والسؤال الذي يتردّد على شفة ولسان أغلب البقاعيين: كيف تداهم أجهزة أمنية منازلاً في مناطق محسوبة على طائفة معينة في البقاع لمجرد شبهة تعاطي  الحشيشة، فيما يلوذ تجار المخدرات الكبار من طوائف مختلفة بالأمن والأمان؟

كبار الطفار والتجار تحوّلوا إلى أبطال

دفع ضعف الدولة الأمني والقانوني والإنمائي بأهالي المنطقة إلى “تقليع شوكهم بيدهم” وتدبر أمرهم بوسائل وطرق متنوعة شرعية وغير شرعية، بحسب ما يردد أهالي المنطقة. إلى ذلك، أصبح “كبار الطفار” والتجار وأصحاب النفوذ المحلي في البقاع “أبطالاً” بنظر عددٍ غير قليل من البقاعيين والمستفيدين من هؤلاء بوظائف عمل أو “مساعدات مالية” أو “برطيل” وبالتالي يحظون بحمايتهم؛ ما يشجع كل بقاعي لفظته الدولة من حضانتها إلى حذو حذوهم وحمل السلاح والعمل الفردي غير الشرعي.

عوامل طبيعية وثقافية تقف خلف الأحداث

لكن مصادر بقاعية مطلعة على واقع المنطقة ذكرت لـ”أحوال” جملة أسباب تفسر الأحداث الأمنية، من عادات اجتماعية طبعت المنطقة وأهلها، كاقتناء السلاح وإطلاق النار والإستباكات والثأر بين العائلات وأعمال السلب والسرقة والإتجار بالمخدرات وغيرها من الآفات السيئة.

ولفتت إلى أنّ “الظروف الطبيعية (الجغرافية والمناخية) القاسية تشكل أحد الأساب الرئيسية. “فالإنسان إبن بيئته” حيث تنعكس البيئة على طبيعة الفرد البقاعي، لكن هذا غير كافٍ برأي المصادر. فهذه السمة لا يمكن تعميمها على أهل المنطقة برمتها، ما يؤكد على وجود أسباب أخرى أكثر أهمية تفسر ما يجري في البقاع، (اجتماعية – ثقافية وتربوية). فأهل المنطقة ينعتقون وينشدون إلى مفاهيم وعادات تاريخية منذ أن تتفتح أعينهم على الحياة، كـ”السلاح زينة الرجال” و”الولد بيخلق وبيخلق سلاحو” وغيرها من الأمثال الشعبية.

وهناك أسباب معيشية واقتصادية فـ”الفقر يولد النقار”. إلى ذلك، إنّ الإنماء عملية متكاملة لإيجاد نظام اقتصادي على مستوى الدولة لينتقل إلى مستوى المنطقة. فغياب الأمن والأمان وفرص العمل والأمل بالدولة يدفع الشباب إمّا إلى معسكر “الطفّار” والأعمال المخلّة بالقانون وإمّا إلى هجرة الوطن.

ورفضت المصادر وصف ما يجري من اشتباكات أسبوعية بالصراع بين العائلات. بل بين “زعرانها” كما يحصل بين عائلات في مناطق أخرى. ونفت أن يكون هؤلاء يتمتعون بالتغطية الأمنية والسياسية من الأحزاب الفاعلة في المنطقة، فلا مصلحة للأحزاب ولا للعشائر بحماية وتغطية أحد، لأن الأهالي هم أول المتضرّرين من تهديد الأمن الذي يضرّ تلقائياً بالاقتصاد والحركة التجارية للمنطقة.

وأدانت أوساط نيابية بقاعية لـ”أحوال” المظلومية التي تتعرّض لها منطقة البقاع التي قدمت عشرات آلاف الشهداء في المعارك مع الإسرائيليين والتنظيمات الإرهابية، دفاعاً عن لبنان وحدوده الجنوبية والشمالية الشرقية. فلا يمكن إطلاق هذه الأوصاف على البقاع وأهله الذين هم في قلب الوطن كباقي المكونات والشرائح اللبنانية.

غياب الدولة أمنياً وإنمائياً

أحد فعاليات ووجهاء آلـ جعفر وأعضاء لجنة التنسيق بين العائلات البقاعية لفت لـ” أحوال” إلى أنّ الأسباب عائلية وعشائرية، وهذا يعكس ضعف هيبة الدولة والأجهزة الأمنية الموجودة في المنطقة. وكشف جعفر “أننا كعشائر وعائلات بقاعية شكّلنا لجنة تنسيق بيننا لاحتواء أي اشتباك وخلاف ومساعدة القوى الأمنية لتوقيف الإشتباكات وعقد الصلح بينها لعدم تكرار الحوادث”.

وفي السياق، أشارت معلومات “أحوال” إلى أنّ قرار الجيش بألا يتدخل في الإشتباك حتى لا يدخل طرفاً مع مطلقي النار يعقّد الأمور، لذلك يبادر الجيش للإتصال بطرفي الإشتباك وبوجهاء العائلات والأحزاب لضبط الوضع ووقف إطلاق النار تحت تهديد دخول الجيش لفرض الأمن بالقوة وإلقاء القبض على المتورطين.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى