منوعات

أول مزرعة في لبنان لإنتاج حليب الحمير وتجارب حيّة تحكي فوائده

يواجه شباب لبنانيون ظروفهم الصعبة بأفكار رائعة وخلاقة، ودائماً يبحثون عن فرص أفضل لتوفير سبل عيشٍ كريم، بما يمكنهم من إكمال دراستهم الثانوية والأكاديمية. وثمة نماذج كثيرة في هذا المجال، وقلما دخلنا مطعماً إلا وكان من بين النُّدَّل طلاب جامعات ومعاهد، لكن مع انعدام وتراجع فرص العمل وسط إقفال المؤسسات، ولا سيما السياحية منها (مطاعم، فنادق ومقاهٍ)، بدأ كثيرون البحث عن فرص جديدة وفقاً لمقتضيات الظروف الصعبة.

ما اسوقفنا في هذا السياق، تجربة طالب آثر ألا يبقى دون عمل، حالماً بمستقبل أفضل، ولأنه ينتمي لبيئة ريفية، أطلق أول مزرعة لإنتاج حليب الحمير في لبنان، مدفوعاً بحب المغامرة، انطلاقاً من قدرة على التكيف والتحدي، فمثل هذا المشروع يؤسِّس لتبني مفاهيمَ وأفكاراً جديدة تتخطى السائد، خصوصاً وأن الغرب سبقنا كثيراً في هذا المجال تحديداً، وصارت منتجات حليب الحمير رائجة ومرغوبة لفوائدها الصحية، لا بل ثمة مشروع لإنتاج الصابون من حليب الحمير في الأردن.

جناد: فكرة مستهجنة

انطلق هذا المشروع في بلدة غزراتا في عكار القديمة منذ أكثر من سنة، من خلال الطالب في جامعة LIU (قسم الهندسة الكهربائية) يحيى جناد، فمع بداية دراسته الجامعية، كان الهدف تأمين مورد رزقٍ يعينه على تحقيق حلمه بأن يكون مهندساً، لكن هل تقبل الناس فكرة إنشاء مزرعة حمير؟ وهل كان ثمة إقبال على الحليب المنتج؟

في هذا السياق، أشار جناد لـ “أحوال” إلى أن “حليب الحمير فكرة مستهجنة للغاية ولم يتقبلها الناس في البداية، وقد وصل عدد الأتن (الأتان أنثى الحمار) إلى 20 رأسا، وقد أصدرت رخصة صحية للمزرعة”.

بدا جناد خلال حديثنا معه محبطاً ولكن دون يأس، مستاءً دون تذمر، “فالتكلفة كبيرة للغاية، وانعكس ذلك على سعر الحليب، ووسط هذه الأزمة الإقتصادية، بدأت ببيع الحمير التي لدي، ولم يتبق سوى 4 أتن”، ولو أنه لا يملك أماكن وأراضٍ للرعي “لما تمكنت من إطعامها” حسب قوله، لافتاً إلى أن “الأعلاف مكلفة للغاية بالإضافة إلى أجور العمال، فكل حمار يحتاج لنصف طن علف بالشهر و200 كيلو تبن”.

حليب الحمير: دواء وعلاج

واجهت المشروع مشكلة، بسبب أن الحمير معتادة على العمل والجهد، ولا يمكن تطويعها بسهولة لحلبها، وبحسب جناد “الحمارة في البداية تكون غير مروّضة ولا تتقبل الأمر، ولكن مع الصبر وحسن المعاملة يتغير كل شيء”، لافتاً إلى أن “كمية الحليب لكل أتان تُقدَّر بنحو 200 ملليلتر يوميا”، وهي نسبة قليلة جداً مقارنة بثدييات أخرى كالأبقار والماعز. وبحسب جناد، فإن “سعر الـ 160 ميلليلترا حوالي 50 دولارا، ويحفظ الحليب في البراد”.

ومن هنا، كان للأزمة الاقتصادية والمالية تبعات سلبية على المشروع برمته، فكلفة الإنتاج مرتفعة، فيما الإقبال تراجع في حدود المنفعة الصحية، خصوصاً وأنه كما هو معروف، فإنّ لحليب الحمير خصائص علاجية، ولعل المتقدمين في السن يعلمون أن من كانوا يعانون من “الشهقة” أو “الشاهوق” من الأطفال والأولاد كانوا يعالجون بتناول حليب الحمير، كدواء وعلاج.

وهذا ما أكده جناد أيضا لجهة أن “حليب الحمير يفيد بصورة كبيرة لمرضى الجهاز التنفسي ولا سيما الشاهوق والربو لدى الأطفال”، لافتاً إلى أن كلما كبر الإنسان بالسنة تزداد الجرعة وتكون رحلة الشفاء أطول، وفي حالة الأطفال فالشفاء سريع، خصوصا في حالة الشاهوق، إذ تكفي ثلاث جرعات ليرتاح الطفل ويشفى، وفي حالة الربو كلما زاد العمر تزداد الجرعة”.

حليب الحمير وكورونا

لا يمكن تبني أية أفكار دون دراسات علمية، لكن نسوق في هذا المجال مثالاً عن معالجة مصابين بفيروس كورونا؛ فقد ذكر جناد أنه وفّر جرعات لأربعة أشخاص، وقال: “منذ الجرعة الأولى بدأت الأعراض تخف، ومع الجرعة الثانية بدأوا يتعافون، وشعروا بالراحة التامة بعد الجرعة الثالثة”.

وأضاف: “هناك شهادات حية لأشخاص على صفحة (مزرعة غزراتا لإنتاج حليب الحمير)Ghezrata’s farm for Donkey’s milk ، وكان أحدهم في العناية الفائقة ويعاني من التهابات تنفسية حادة ، وطلب الأطباء نقله إلى المنزل بعد أن استنفدوا كافة الطرق لعلاجه، وبعد تناوله حليب الحمير ولكن بكمية تصل إلى ليترين، فهو حالياً بحالة طبيعية”، مضيفاً أن “الفنانة والممثلة القديرة آمال عفيش استعملت حليب الحمير مرات عدة”.

لكن جناد بدأ يفكر بالهجرة “إذا استمر الوضع على ما هو عليه”، وختم: “لقد اخترت المكان والمجتمع الخطأ لأبدأ بهذا المشروع، ولكن أحاول الإستمرار من خلال القيام بالأعمال بنفسي”.

الحاج: دراسة جامعية

وفي هذا السياق، قالت الطالبة في كلية هندسة الزراعة قسم الإنتاج الحيواني (الجامعة اللبنانية ساندرا الحاج لـ “أحوال”: اخترت حليب الحمير، لأنه موضوع غريب ويجذب الإهتمام، وقد أقنعت الدكتورة المشرفة على هذا البحث”، وقالت: “تاريخياً اعتُمد هذا الحليب في العلاجات المختلفة والتجميل. ومنذ أيام أبقراط، اعتُمد حليب الحمير كعلاج للعديد من الأمراض مثل المساعدة على شفاء الجراح، التسمم وآلام المفاصل. كما أن كليوباترا كانت تستحم بحليب الحمير للحفاظ على جمال بشرتها، واعتمده الملك فرنسوا الأول كنصيحة من طبيب من اسطنبول باعتباره علاجاً سحرياً لكثير من الأمراض، وكانوا في القرن السابع عشر يعطونه للأيتام كونه بعض مكوناته شبيهة بحليب الأم”.

فوائد حليب الحمير

أشارت الحاج إلى أنّ “الحمار ليس من الحيوانات المجترة؛ لذا فحليب الحمير، يحتوي على أنواع أقل من البكتيريا مقارنة بحليب الأبقار، كما وأنه سهل الهضم، وغني بفيتامينات (A, B1, B2, B6, C, D, E)، وبالمعادن (الكالسيوم والمغنيزيوم والفوسفور والحديد والزينك)، وبالأحماض الدهنية الهامة (أوميغا 3 و6)، بالإضافة إلى سكر اللاكتوز والمواد المناعية (immunoglobulins)، وهذا التركيب المتكامل يعزز خواصه في الوقاية من الأمراض التنفسية والحساسية، بالإضافة إلى حالات التوتر، ويساهم في الهضم ما يساعد الكبد على التخلص من السموم”.

وقالت الحاج: “أثناء إحدى المحاضرات التي أعددتها في سياق الدراسة، تم توزيع الحليب على الحضور، وتمنع البعض عن تذوقه. ومن جهتي، لاحظت انّ طعمته ونكهته تشبه جوز الهند بطعم سكري خفيف”. وأشارت إلى أنها “اهتمت بهذه الدراسة كون هذا المشروع لطالب جامعي (يحيى جناد)، وأحببت الإضاءة عليه لمساعدته في الإستمرار بهذا المشروع الوحيد والأول من نوعه في لبنان”.

عفيش: شفيت تماماً بسبب حليب الحمير

الممثلة آمال عفيش استخدمت حليب الحمير للعلاج من التهاب القصبات الهوائية Bronchitis المزمن، وقالت لـ “أحوال”: “سمعت بحليب الحمير من صديقة لي، وقرأت عنه، وهو يفيد بحالات كثيرة في مجال الأمراض التنفسية.واستهجن كثيرون استخدام هذا الحليب في علاجي، ولكني أؤمن بأن العلاج من الطبيعة هو الأسلم”، وأضافت: “اضطررت للعلاج بالكورتيزون بعد معاناتي من الإلتهابات التنفسية ولم أستفد، ولكنني بعد استعمال حليب الحمير شفيت تماما، وقالت: “استهلكت ليترا على دفعتين في العلاج”.

وأردفت: “الحمار مظلوم، فهو من أذكى الحيوانات، وهو الصبور وطعامه أنظف من الدجاج والخنازير وحتى منا نحن البشر. فهو لا يتناول سوى التبن والشعير والعشب، وفي الخارج في أوروبا وتركيا ودول عدة، يُستخدم كعلاج بعض الأمراض، وفي التجميل وصناعة المستحضرات التجميلية والصابون”.

 

أنور عقل ضو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى