حقوق

بعد الخلاف على الصلاحيات والطعن في “قانون المياه”… ما هو قرار المجلس الدستوري؟

فيما كنا قد عرضنا في “أحوال” قراءة لقانون المياه الجديد اعتبرته “ثورة بيئية وتشريعية بوجه الملوثين”، هذا القانون الذي أقرّه مجلس النوّاب في أواخر أيلول الماضي وصدر بعدها عن رئيس الجمهورية تحت الرقم 192/2020، بعد نضال إداري وبيئي وتشريعي كان قد شكّل دعوة صريحة لمقاربة الواقع بشكل واضح، وأعداد وتبني سياسات مائية جديدة، إلّا المجلس الدستوري علّق مفعوله بعد أن تقدّم نوّاب التيّار الوطني الحر بالطعن في المادتين 14 و15 منه إلى حين البت بالمراجعة رقم 3/ 2020 من قبل  النوّاب: سيزار ابي خليل، حكمت ديب، سليم عون، ماريو عون، روجيه عازار، فريد البستاني، سيمون ابي رميا، إبراهيم كنعان، آلان عون، إدغار معلوف.

وقد استندت المراجعة المقدمة من النوّاب إلى أنّ المادتان 14 و 15 من القانون المذكور واللّتان نصّتا على تشكيل الهيئة الوطنية للمياه وعلى دور الهيئة الوطنية للمياه تتعارضان بشكل فاضح مع المادتين 65 من الدستور لا سيّما الفقرة الخامسة منها و66 من الدستور، قرّر المجلس الدستوري الملتئم في مقرّه بتاريخ 2020/11/9 وبعد الاطلاع على مراجعة إبطال المادتين المذكورتين، سندا للمادتين 20 من القانون رقم 1993/250 المعدّل بالقانون رقم 1999/100 (إنشاء المجلس الدستوري) و34 من القانون رقم 243/ 2000 (النظام الداخلي للمجلس الدستوري)، مع حفظ البت في شكل وأساس المراجعة.

وعدّدت المراجعة في هذا الاطار، أنّه  يتبيّن أنّ الدور المعطى للهيئة الوطنية من خلال المادة 15 من القانون موضوع هذه المراجعة يتعارض وأحكام المادة 66 من الدستور لجهة إشراك رئيس وزراء وآخرين بالمهام المتعلّقة بالأمور العائدة إلى إدارة وزير الطاقة والمياه حصرًا وذلك من خلال الفقرات 1 و2 و3 و4 و5 و7 من المادة 15من القانون موضوع هذه المراجعة.

وإنّ الهيئة الوطنية باتت تمارس مهام أناطها الدستور حصرًا بوزير الطاقة والمياه بالمادّة 66 منه من حيث تحديد السياسة العامة لقطاع المياه ودراسة المخططات التوجيهية التي يعرضها الوزير على مجلس الوزراء دون وسيط أيّ يكن أو دراسة القدرة التمويلية لجهة اقتراح الموازنة العائدة لوزارته أو إقرار المشاريع وأولويتها من ضمن الموازنة المقدّرة وقوانين البرامج المقرّة من مجلس النوّاب كذلك الأمر بالنسبة إلى التوصيات التي تتناول حقل المياه بهدف تحسين إدارة هذا المورد.

وأنّه يتبيّن أنّ الدور المناط بهذه الهيئة الوطنية للمياه في متن المادّة 15 من القانون موضوع المراجعة يتعارض وأحكام المادة 65 من الدستور لجهة تعزيز أو إسقاط بعض الخيارات أو الاقتراحات التي يكون قد رفعها وزير الطاقة والمياه أو أي من الوزراء الآخرين والتي يعود لمجلس الوزراء مجتمعًا الاطلاع عليها و تقرير المناسب بشأنها.

 

قرار جديد للمجلس الدستوري

في هذه الأثناء صدر قرار المجلس الدستوري وجاء فيه:

في إطار مراجعة الطعن المقدمة من عدد من النوّاب بالمادتين ١٤ و ١٥ من قانون المياه رقم ١٩٢ تاريخ ٢٠٢٠/١٠/٢٢ قرر المجلس الدستوري بالإجماع.

أوّلًا: في الشكل:

قبول مراجعة الطعن لورودها ضمن المهلة القانونية مستوفية سائر الشروط الشكلية.

ثانيًا: في الأساس:

إبطال البندين ( 1 ) و ( 5 ) من المادّة ( 15 ) من القانون رقم 192 تاريخ 16/10/2020 ، وردّ الطعن في باقي جهاته .

ثالثًا: اعتبار القرار رقم (6) تاريخ 9/11/2020 ( تعليق مفعول القانون رقم 192/2020 ) منتهي المفاعيل.

رابعًا: إبلاغ هذا القرار من رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النوّاب، رئيس مجلس الوزراء ونشره في الجريدة الرسمية.

 

قانون استثنائي

 لا يفوتنا أنّ أهمية هذا القانون تمثلت في وضع رؤية جديدة لتنظيم وإدارة الموارد المائية فقسّمت لبنان إلى أحواض ومناطق مائية وإدارية،  تسهل تقييم هذه الموارد والتخطيط لتنميتها واستخدامها وفقًا لإدارة متكاملة تتفق مع توجهات التنمية المستدامة على مختلف الأصعدة، فهذا القانون شدّد على ضرورة وضع مخطط توجيهي عام ولم يغفل عن حسن الإدارة وضرورة الحماية، وتوقف القانون عند مختلف التفاصيل لجهة استخدام المياه الجوفية وتنظيف المجاري المائية وتنظيمها وتعميقها وتقويمها، فجاء ملزمًا لكلّ من يفرغ ويسرّب ويحوّل النفايات إليها بمعالجتها وفقًا للأصول وتحت طائلة عقوبات محدّدة، كما لحظ القانون قضية البدلات وتعويضات التلوّث ونظم عملية طلبات الاشتراك في عملية إصلاحية إدارية للمرفق العام للري وتوقف القانون عند عملية حماية الأملاك العمومية العامة وشدّد على المحاسبة ومنح موظفي وزارة الطاقة والمياه والمؤسسات العامة الاستثمارية للمياه صلاحيات الضابطة العدلية في التحقق من الجرائم وأصول المحاكمة .

 

خلاف طائفي على الصلاحيات

 إلّا أنّ الخلاف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ حول القانون الذي أنشئ بموجبه الهيئة الوطنية للمياه، لم يكن على تأمين المياه للمواطنين وحماية ما تبقى من الموارد المائية، فالنزاع نشب على من يسيطر على هذه الموارد بطريقة طائفية بغيضة، وفقًا للمحاصصة الطائفية والتي جعلت وزارة الطاقة من حصّة المسيحيين ومن يسيطر على هذه الحقيبة، فجاء الطعن لينشب الخلاف مع تيار المستقبل الذي يريده من حصّة الطائفة السنيّة أيّ تحت سلطة رئاسة مجلس الوزراء وسيطرته.

 

حقوق الطوائف على حساب حق المواطن

  وبهذا تقدّمت من جديد  حقوق الطوائف والمصالح على حق المواطن، بتوفير المياه النظيفة ضمن معركة واضحة في حرم المجلس الدستوري على الصلاحيات والمحاصصة في أموال سيدر المخصّصة للقطاع، حيث أنّ قطاع المياه هو من أهم القطاعات على لائحة القروض وله حصة 33.8% من القيمة الإجمالية للقروض، وهنا يتمثّل دور الهيئة في توزيع المشاريع ووضع الأطر والمهل لتنفيذها.

أبي خليل

 وبحسب النائب سيزار أبي خليل أنّ الاعتراض ينطلق من رئاسة رئيس الحكومة للهيئة وهذا يتعارض مع الدستور في مواده 65،66 و70 وفقًا لما جاء في الطعن ويقول أبي خليل بأنّه بإمكان الوزير المختص  أن يترأس لجنة تضم وزراء آخرين وقد سبق وحصل ذلك في عشرات اللّجان الفرعية.

 

علوية                 

وقال مدير عام مصلحة اللّيطاني الدكتور سامي علوية  لـ”أحوال” إنّ قانون المياه الذي صدر كان استثناء في  التشريع اللّبناني لجهة حماية الموارد المائية وتنظيم استثمارها وإدارتها وحماية الأملاك العمومية، ولفت إلى أنّه يفتح على آفاق جديدة لإدارة قطاع المياه وقطاع الصرف الصحي.

وتابع علوية أنّ الطعن جاء بمادتي القانون 14 و15 المتعلقتين بالهيئة الوطنية لقطاع  المياه، فكان أن نشب خلاف بين الكتل النيابية المتمثلة بتيار المستقبل وحلفائه الذين أرادوا الهيئة ممثّلة برئاسة مجلس الوزراء وكتلة التيار الوطني الحرّ الذي أرادها برئاسة وزير الطاقة والمياه، علمًا أنّ معظم صلاحيات الهيئة استشارية وتطاول بعض المهام بتوزيع المشاريع الكبرى على القطاعات والمناطق بهدف الإنماء المتوازن قطاعيًا ومناطقيًا.

وتابع علوية: “قدم الطعن من نواب التيار الوطني الحر على اعتبار أنّ إعطاء صلاحيات للهيئة الوطنية للمياه برئاسة رئيس مجلس الوزراء مخالفة للدستور وتضعف صلاحيات وزير الطاقة والمياه.

كما أوضح علوية أنّ الطعن المادتين 14 و 15 وبالتالي وقف التنفيذ والمفعول يسري على المادتين”.

وعن رأيه قال علوية إنّ الهيئة الوطنية كانت موجودة بالقانون  77/2018 وبرئاسة مجلس الوزراء إلّا أنّها لم تجتمع مرّة واحدة”، وتابع: “لا أرى  أهمية لوجود الهيئة أو عدم وجودها، ولا أهمية لمن يترأسها، إنّما الأهم هو حماية الموارد المائية وتطبيق القانون بشكل متكامل، وما نشهده هو وجه جديد من وجوه الصراع على المياه والمحاصصة التي أوصلتنا لأسوأ المراحل بحيث غمر الصرف الصحّي كامل أنهارنا ومياهنا الجوفية”.

ولفت علوية إلى أنّ الهيئة الوطنية للمياه في الدول المقارنة وفي القانون الفرنسي موجودة ويترأسها عادة رئيس مجلس الوزراء والمقاربة تتمثّل بصلاحياتها، وأنّ هذه الهيئة منوط بها حماية الموارد المائية والتخطيط الاستراتيجي للمياه، وقال: “أهميتها في أن تضم جميع القطاعات  والبلديات والمجتمع المدني والجمعيات البيئية والمجتمع المدني والخبراء البيئيين”.

ثم ختم علوية منبّهًا “إلى أنّ الهيئة الوطنية إن لم تتضمن ممثلين عن المجتمع المدني والمحلّي أو المعني بقطاع  المياه فهي لم تطبق مبدأ المشاركة والشفافية، وهنا تصبح  الهيئة الوطنية للمياه أشبه بلجنة وزارية لا تقدّم ولا تؤخر”.

 

 

فاديا جمعة

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى