منوعات

اتفاق باريس للمناخ الحاضر الغائب في قمة العشرين

 مـا خلُصت إليه قمة مجموعة العشرين 2020 يوم أمس الأحد جاء دون المأمول منها لجهه التحديات الكثيرة الماثلة أمام العالم، كجائحة كورونا وارتداداتها المباشرة على اقتصاديات العالم؛ ومثل هذا الأمر لم يكن مفاجئاً، ولم يأتِ خارج سياق التصدُّع في بنية النظام العالمي وآلياته الناظمة لمصالح هذه الدول حصراً. فغابت على سبيل المثال لا الحصر، أمورٌ أشد خطراً من الجائحة، متصلة بتمويل هذه الدول للحروب في العالم، ما يطرح إشكالية إنسانية وأخلاقية، تُبقي الحرص على تأمين لقاح، غير منفصل عن تأثُر اقتصادات مجموعة العشرين وتراجعها إلى مستويات لم تشهد مثيلاً لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي (الكساد الكبير 1929)، مع ما فرضه “الفيروس” من تبعات على الأسواق والبورصات والأسهم العالمية، وتأثر قطاعات كبيرة كالنفط مثلاً، فضلاً عن التبادل التجاري وقضايا كثيرة.

Zoom Meeting

لم ترقَ القمة إلى ما هو أبعد من راهنية الأزمات الحاضرة، وكادت أن تكون مجرد Zoom Meeting برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، توالت خلاله الوعود بمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة كورونا، ما تم تأكيده في البيان الختامي، لجهة “حشد الموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة في مجال الصحة العالمية لدعم الأبحاث والتطوير والتصنيع والتوزيع لأدوات التشخيص والعلاجات واللقاحات الآمنة والفاعلة لفيروس كورونا المستجد”، وعدم إدخار أي جهد “لضمان وصولها العادل للجميع بتكلفة ميسورة، وتلبية الاحتياجات التمويلية العالمية المتبقية”. إلا أنّ البيان لم يحدّد الآليات التي على أساسها ستعمل هذه الدول على ضمان وصول اللقاح للجميع، ولم يحدِّد كذلك السبل الآلية لسد العجز التمويلي في جهود مكافحة الفيروس.

ولم تخفِ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “قلقها” حيال بطء المحادثات الهادفة الى تزويد الدول الأكثر فقراً لقاحاً مضاداً للوباء، فيما لم يتطرق المجتمعون إلى مبلغ الـ 28 مليار دولار الذي طالب به المنظمات الدولية لمواجهة كورونا، فضلا عن مبلغ 4,5 مليارات دولار تتطلّبه هذه الجهود بشكل عاجل، أخذاً في الإعتبار أن “تحالف غافي الدولي” الهادف إلى ضمان توزيع عادل للقاحات والأدوات الطبية لا يزال بحاجة إلى 3.8 مليارات دولار.

العين على الاقتصاد

بعيداً من الجائحة في شقها الصحي وموضوع اللقاحات وآلية توزيعها، خلص المجتمعون إلى ضرورة “دعم النظام التجاري المتعدد الأطراف الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى”، بعد أكثر من ستة أشهر من الإقفال بسبب تفشي الفيروس، وهذا الأمر المحوري هو الذي استأثر باهتمام المؤتمرين، لكن دون التطرق إلى تفاصيل وأرقام، فحجم الأزمة جليّ بحسب مؤشرات كل دولة على حدة، وبدا من التركيز على اللقاحات أن العين على الاقتصاد، وعلى سبل استعادة الحياة الطبيعية، أكثر من وفاة نحو 1,35 مليون إنسان حتى الآن جراء الإصابة بالفيروس.

وأقصى ما توصل إليه ممثلو أغنى 20 دولة في العالم، إلتزامهم في البيان الختامي تطبيق مبادرة لتعليق مدفوعات خدمة الدين وتمديدها إلى شهر حزيران المقبل 2021، خلافاً لما تتطلع إليه الأمم المتحدة لجهة تمديد فترة السماح هذه حتى نهاية العام المقبل، وهذا ما أبقى الأمور قابلة لـ “الدرس”، بحيث ستطلب مجموعة العشرين من وزراء ماليتها التوقف عند هذه القضية في الربيع المقبل، لتحديد ما إذا كان يتوجب الإقدام على تمديد إضافي لفترة ستة أشهر أخرى، بحسب ما أشار البيان أيضاً، والذي تضمن السعي “لتحقيق بيئة تجارية واستثمارية حرة وعادلة وشاملة وغير تمييزية وشفافة ومستقرة يمكن التنبؤ بها، وإلى جانب ذلك نسعى إلى إبقاء أسواقنا مفتوحة”.

المناخ: حضور فقير

ولم يكن مفاجئاً أن تكون قضية المناخ حاضرة على نحو بدت فيه قضية ثانوية، واقتصر الأمر على التذكير بـ “دعم معالجة التحديات البيئية الملحة مثل التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي”، دون التوسع نحو مقاربة عملية للإتفاقيات الدولية بشأن تغير المناخ، ولا سيما اتفاقية باريس، خصوصاً وأن دول مجموعة العشرين هي الأكثر تلويثاً للكوكب، ورغم ذلك لم تتطرق إلى التزاماتها بشأن الحد من استخدام الوقود الأحفوري، وإلى الوعود التي قطعتها في مجال الحد من الإنبعاثات، ولا إلى الإلتزامات المالية تجاه الدول الأكثر تضررا من تغير المناخ والأقل تلويثاً، ولا سيما في القارة الأفريقية.

كما لم تتطرق القمة إلى إمكانية عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية المناخ وفق ما أكد الرئيس المنتخب جو بايدن، ولم يتبنَّ ممثلو الدول التوجه نحو الطاقة البديلة والمتجددة، وما تُوفِّر من فرص عمل ودورة إنتاج، ما يشي بأن التوجه لا يزال منصباً على النفط والغاز وإمداداتهما. كما لم يتوقف المؤتمرون عند تحسن المناخ المرتبط بالإغلاقات بسبب جائحة كورونا، إن لجهة تراجع نسب التلوث، وإن لجهة استعادة بعض النظم الإيكولوجية لنشاطها، فضلا عن أن البيان الختامي خلت فيه الإشارة إلى استنزاف موارد الكوكب، تجريفاً للغابات وتلويثا للبحار والمحيطات.

بمعنى آخر، لم يستخلص المؤتمرون الدروس والعبر من جائحة كورونا، بخصوص تبني الإستدامة سبيلاً وحيداً للحد من تبعات تغير المناخ والاحترار العالمي.

التنوع الحيوي

وفي السياق عينه، ثمة إشارة وحيدة إلى التنوع الحيوي تناولها البيان الختامي، دون التوسع في البحث عن حماية الأنواع المهددة، في وقت بدأت فيه بعض الدول بإبادة حيوان “المينك”، ومن بينها الدنمارك، إذ أمرت حكومتها بإبادة 17 مليون حيوان، بعد أن أصيب 11 شخصا منذ نحو أسبوعين بفيروس كورونا، ما تسبب بإثارة رد فعل سياسي حاد في الدانمارك وفقدان الثقة في وزير الصحة ما دفعه إلى الاستقالة، وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف إعدام حيوانات المينك.

واعتبرت جمعيات الرفق بالحيوانات هذا الأمر قمة الجبل الجليدي، وسبباً لوقف هذه التجارة التي تتعرّض فيها الحيوانات لحياة مليئة بالأمراض، وفي ظروف صعبة واكتظاظ كبير، وإن مصيرها الموت على كل الأحوال.

لا يمكن تحميل المؤتمر أكثر مما يحتمل في ظروف بالغة التعقيد، لكن ما يمكن استنتاجه أن العالم محكوم بنظرة أحادية تغلِّب مصالح الأقوى على حساب الدول الفقيرة، وحضور المصالح يمثل تهديداً للبيئة والمناخ وللحياة على الكوكب.

 

أنور عقل ضو

 

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى