بين الواقع والخيال الفني: المسلسلات اللبنانيّة مريخيّة!
حين يستعيد تلفزيون لبنان (TL) مسلسلاته القديمة، وخاصة المنتجة في مرحلة السبعينيات، إلاّ أننا_ ورغم جماليتها والحنين الذي يعتري مشاعرنا، لا يمكننا تكهن المرحلة والظروف التي صورت فيها أو معرفة ظروف بلدنا المرافقة لإنتاج هذا المسلسل. لماذا؟
فهذا الانتاج الفني الجميل لا يُمرّر ولا يتطرق إلى الظرف السياسي أو الأمني أو العسكري الواقع حين تصوير هذا العمل، مما يُغيّب تاريخ هذه الحقبة في لبنان فنيّا.
إضافة إلى أنّ الانتاج الفني المسرحي أو السينمائي أو التلفزيوني لم يكن حينها قد وصل إلى الانتاج الفني السياسي، كما هو حال بعض الـ(SHOW) الذي تبثه القنوات المحلية الحالية، والمسلسلات التي تتناول الحرب الأهلية بطريقة فولوكلورية بهدف التأريخ.
نظرة رحبانية مثالية
وهذا يُعتبر نقيصة فنية لمن كان قيّماً على الإنتاج التلفزيوني، وكل هذا لا يُغفل مسرحيات الرحابنة التي كانت عامة توجيهية ونظرية.
فتاريخ المنطقة والأحداث التي مرت وتمر يوميّا بها، في محيط ملتهب منذ احتلال فلسطين عام 1948 يغيب كليّا عن الأعمال الفنية اللبنانية المحلية.
فلا مواطن هُجّر، ولا لاجئ حلّ، ولا جنوبي عانى، ولا بقاعي جاع، ولا لبناني تحزّب..، بل كل اللبنانيين هم إما عشّاق وأغنياء ومرفهين، أو فقراء ومُعدمين على الطريقة المكسيكية، بمعنى أن العمل الفني المحلي عمد إلى تتفيه السجالات الداخلية وتغييبها، بل انتفاء تأثيرها على حياة الأفراد اللبنانيين في عملهم ودراستهم وعشقهم وموتهم وحياتهم. هذا إن لم نذكر صراعهم الطائفي الذي هشّم البلد ومزّقه تمزيقا.
واللافت أنّ هذه السوسة اللبنانية القديمة انتقلت إلى المرحلة الحالية التي نعيش، لجهة تغييب الأحداث اللبنانية الداخلية، من الاحتلال الإسرائيلي إلى حرب الجبل وحرب المخيمات وصولاً إلى التحرير واغتيال الرئيس الحريري والخروج العسكري السوري.
تأريخ سياسي
كلّ هذه الأحداث لم تمر_ ولو بالإشارة_ في أي مسلسل ما عدا تأريخ تلفزيون “المنار” التابع لحزب الله لنشأة ومجتمع المقاومة الإسلامية بمسلسل رمضاني سنوياً. وحسناً فعل، لأن لا تلفزيون تحرّك في إطار أية أحداث سياسية في قالب فني يعيش الأبطال من خلالها مجريات حياتهم الطبيعية.
في لبنان لا نلحظ فنياً إلا الحب وصراع الأغنياء مع الفقراء، والمرأة والقياسات الجمالية والأناقة المفرطة للخادمات (الفقيرات). مما يجعلنا نضحك ونبكي في الوقت عينه.
فالملاحظة هنا لا تعني تأريخا كاملا لمرحلة ما حيث سيكون المسلسل تاريخيا على نسق مسلسلات كارول الحاج الكثيرة التي تتناول البيئة القروية المناهضة للأتراك والفرنسيين. بل إننا نتحدث عن تمرير أحداث مفصلية في سياق حياة الأبطال، في تأثير هذه الأحداث الهامة على سياق حياتهم وعملهم وعلاقاتهم، فهم غالبا يظهرون وكأنهم يعيشون في بلاد “الواق واق” منعزلين عن كل ما يدور في البيئة العامة.
غياب التطورات
فرغم دخول أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وتشابك حياتهم مع حياتنا سلباً وإيجاباً، ورغم عيش أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني بيننا منذ الخمسينيات، لم يتناول الفضاء الفني اللبناني، ولو على الصعيد الإنساني، أي مشهد أو موقف يتناول هذه الأحداث البارزة.
هذا عدا عن تغيّر وجهة لبنان الديموغرافية والاجتماعية والسياحية نتيجة تتالي الأحداث البارزة، إذ لا نجد أيّ ذكر أو لفتة ترتبط بهذه التطورات. فلبنان كان واقعاً بار الشرق، ومصرف الشرق، وقاعدة مخابرات الشرق، ومعقل الفصائل العسكرية العربية، فلمَا لم يفكر أي مخرج أو منتج أو كاتب في التعرّض لهذه الأحداث بطريقة عرضية في عمله الفني؟؟
وبالخلاصة، هي سياسة دفن الرأس في الرمال، كما هي السياسة اللبنانية الرحبانية التي لم تخرج لبنان من مثالية صورته، أو هي محاولة تغييب مقصودة.
عباس جعفر الحسيني
في هذا السياق، وفي سؤال للروائي والباحث عباس جعفر الحسيني، صاحب مجموعة من الروايات التأريخية أبرزها رواية “بنك أوف أميركا”، حول سبب تغييب الأحداث التاريخية المفصلية عن المسلسلات اللبنانية؟ يُعلق بالقول لـ”أحوال ميديا” أنه “ليس هناك تاريخ أو تأريخ للأحدات في المسلسلات اللبنانية، والأمر برأيي يخضع لمعايير سياسية تطلبها القنوات اللبنانية التي تعرض هكذا برامج، وهذا ظهر واضحاً في المسلسلات التي تتحدث عن “جبل عامل” مثلاً، وعرضها تلفزيون المنار” حيث تم اللعب بالتاريخ بشكل كبير”.
ويُعيد سبب ذلك إلى أن “الغالبية العظمى من الجمهور لا تقرأ التاريخ، وهي غير مطلّعة في الأساس، تتلقى عبر المسلسلات الوجبة كما تقدّمها لها هذه المحطات التي تخدم أهدافها السياسية أو الإيديولوجية”.
ويشرح “من هنا مثلاً تغييب أحداث عن جبل عامل كمجزرة عين إبل التي لا تناسب سياسة المحطة، أو التبديل بأحداث كثيرة كمؤتمر وادي الحجير”.
ويخلص إلى القول “وهذا الأمر مخالف لما يجري في مصر، مثال على ذلك فإن مسلسل الجماعة التي أراد منه النظام المصري تشويه صورة الإسلاميين خدم الإخوان، وتراكضت نسبة كبيرة منهم لقراءة شخصية حسن البنا، أي أن متسع الحرية ونقل التاريخ في مصر أصدق بكثير من المسلسلات اللبنانية خاصة والعربية بشكل عام”.
سلوى فاضل