حملة واسعة في طرابلس على ميقاتي: “تحمّلنا حتى نتحمّلك”
لم يكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يُصرّح بعد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، ودعوته المواطنين بأنّه “لازم نتحمّل بعض” لمواجهة التحديات المقبلة، حتى انهالت عليه إنتقادات عديدة، إختلط بعضها بالجدّية والسخرية، وحملات معترضة على موقفه، إنْ من خلال إعتصامات نُفّذت أمام قصره في طرابلس أو منزله في بيروت، أو على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي التي شهدت حملة إنتقادات غير مسبوقة بحقه.
“فنّ” السخرية من الحكّام وأهل السّلطة في لبنان ليس جديداً فيه، إذ لا يكاد يمرّ موقف أو قرار للحكومة إلّا ويلقى إعتراضات البعض عليه، نقداً أو سخرية أو الإثنين معاً، نظراً لأجواء حرية التعبير السّائدة في لبنان، أو بسبب الضغوط الإقتصاديّة والمعيشية والإجتماعية الكبيرة على المواطنين الذين يندفعون للتنفيس عنها بأشكال مختلفة.
علماء الإعلام والنّفس والإجتماع الجماهيري يعتبرون السّخرية سلاحٌ فعّال لتوجيه النقد خصوصاً ضد السّلطة، سواء الإجتماعية أو السّياسية أو الدينية، لكن أحياناً يتحوّل إلى أداة تجريح. أمّا من الناحية الإجتماعية والنّفسية، فالسّخرية تُعَدُّ صفة جيدة تعكس مدى نضج واستقامة فكر صاحبها، ما يناقض تماماً الإرث الفكري المزروع من قبل الأنظمة القمعية والشّخصيات المتسلطة، بأنّ السّخرية ليست صفة حميدة، بل تدلّ على التفاهة وعدم وصول صاحبها إلى النّضج.
فحملات النّقد والسّخرية التي شنّت ضدّ ميقاتي، وخصوصاً في مسقط رأسه مدينة طرابلس، لم تخرج عن هذا الإطار، وهي دلّت على حجم الإستياء منه، وعلى تراجع شعبيته، وهو مؤشّر غير مطمئن له يأتي قبل 3 أشهر من الإنتخابات النّيابية المقرّرة في 15 أيّار / مايو المقبل، إلى حدّ إتضح معه أنّ المدافعين عن ميقاتي كانوا قلّة مقابل تكاثر المنتقدين له، سواء في الشّارع الطرابلسي والشمالي أو على المنصّات الإفتراضية، وهو واقع كان سبقه تعبير عن عدم ارتياح شعبي منذ تسلم ميقاتي رئاسة الحكومة في 10 أيلول / سبتمبر الماضي.
فمنذ ذلك الحين، لم يزر ميقاتي مدينته طرابلس سوى مرّة واحدة كان الإستقبال الشّعبي له فيها خجولاً للغاية، وقد اقتصر على مناصريه وموظفي مؤسّساته فقط، وهو استقبال سيتقلص حتماً إذا ما أراد زيارة طرابلس وتفقدها هذه الأيّام.
في الشّارع تُرجمت هذه الحملات في دعوات مواطنين رئيس الحكومة إلى تبادل فكرة “التحمّل” معهم. أحد المواطنين دعاه إلى أن “يدفع عنّا بدل الإشتراك الشّهري بمولدات الكهرباء”، وآخر دعاه إلى “إعفائنا من أقساط مدرسة وجامعة العزم” التي يملكها، أما ثالث فطلب منه “دفع القسط الجامعي لإبني الذي يدرس في الخارج”، في حين طلب رابع من ميقاتي أن “يدفع زكاة أمواله التي هي حقٌ لنا عليه، وعندها لن يبقى فقير في طرابلس”؛ في حين كان المشهد الأشدّ تعبيراً وصول سيدة إلى أمام منزله في بيروت وهي تجر وراءها حقيبة سفرها، موضحة أنّها آتية للإقامة في شقته، و”لازم نتحمّل بعض، لأنّني عاجزة عن دفع إيجار بيتي”، حسب قولها.
أمّا على منصّات وسائل التواصل الإجتماعي فقد كانت الحملة أوسع على ميقاتي، وأخذت أشكالاً مختلفة، كالرسوم الكاريكاتورية مثلاً، والتعليقات السّاخرة واللاذعة، وغيرها من أشكال التعبير عن عدم رضاهم أو اقتناعهم بموقفه.
أحدهم “فبرك” كلاماً على لسان ميقاتي يقول فيه: “عزيزي المواطن عندما يأتي إليك جابي الكهرباء والماء والإنترنت وغيرهم، قل لهم ليس معي مالاً لأدفع، وقل لهم إنّ نجيب ميقاتي طلب منّا أن نتحمّل بعضنا”. أمّا آخر فعلّق قائلا: “دولة الرئيس ميقاتي، أنا لا يمكنني أن أتحمّل. لقد سرقَ الذين أعمل عندهم مالي، وسرق المصرفُ ما بقي لي، فما أنا فاعلٌ؟”، في حين سأل آخر: “دولة الرئيس نجيب ميقاتي، شو رأيك نتحمّل بعض، وأن تتحمّل جزءاً من الخسارة كنوع من الدعم لأبناء طرابلس، من دون ما حدا يدرى ومن دون عراضات؟”، بينما لفت آخر نظر ميقاتي إلى أنه “في أوقات المصايب الناس لبعضها، معك حق. خفّضوا الضرائب وردّوا لنا أموالنا من المصارف، وأعيدوا الأموال المنهوبة والمهرّبة للخارج، وبعدين بنحكي”.
لكن وسط هذه الهجمة على ميقاتي، خرج البعض مدافعاً عنه. أحد مؤيديه طلب من المحتجّين في الشّارع الذهاب والإعتصام أمام منازل اخرين، “أم لأنّه أسهل من غيره”، في حين اعتبر مناصر لميقاتي أنّ “هذه الهجمة عليه ليست من فقراء طرابلس، لأنّ فقراء هذه المدينة أحبابه وليسوا أعداءه. في السّياسة هذه هرطقة مدفوشة من قبل بعض السياسين الجبناء والعملاء”.
عبد الكافي الصمد