الحلويات الطرابلسية للفقراء: زوروني كل سنة مرّة!
مدينة طرابلس التي تحمل اكثر من لقب ومنها “عاصمة لبنان الثانية”، “الفيحاء” و “أم الفقير” بالنسبة إلى مواطني مختلف الأقضية الشمالية تتحول يوماً بعد آخر، وبسبب الأزمات المعيشية والإجتماعية والمالية إلى “عاصمة الفقراء” الذين باتوا يخطرون امام واجهات محلاتها للفرجة فقط، والتحسّر على أيام البحبوحة والرخاء، فيما أثريائها الذين باتوا نسبة قليلة جداً يتنعمون بالأطايب التي أشتهرت بها وتحديداً الحلويات العربية التي تحولت عنواناً ملازماً لإسمها.
فالعديد من اللبنانيين من مختلف المناطق كانوا يتقصدون تلك المدينة لإستطلاع معالمها التاريخية، وللتمتع بحلوياتها والتزود بما يكفيهم لأسابيع عدة، نظراً لجودتها ونوعيتها وأصنافها. بينما توسعت دائرة المهتمين بحلوياتها لتشمل العديد من العواصم العالمية التي كانت تركز على تسجيل طلباتها عبر وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة التي حوّلت العالم بأسره إلى قرية صغيرة.
فمدينة طرابلس التي ولجت صناعة الحلويات منذ أواخر القرن التاسع عشر حجزت لها مكاناً مرموقاً في هذا المجال على الصعيد العالمي وليس على الصعيدين المحلي والعربي وباتت الحلويات العربية التي تُصنع فيها فيها تحديداً دون سواها مضرب مثل ومتابعة.
الشيخ مروان الحداد أحد اصحاب أعرق محلات الحلويات في المدينة والتي تأسست عام 1875 على يد جده سعيد تحدث إلى موقع “أحوال” فتحسّر على أيام خوالي كان فيها الناس يقفون بالصف ليحجزواً دوراً لهم من أجل الحصول على أحد الأصناف المميزة لديهم وهي “حلاوة الشميسة”. وقال:” لقد تسببت لنا الأزمات المالية والمعيشية والاجتماعية منذ سنتين حتى اليوم بنكسة حقيقية، ليس لنا فحسب وإنما على صعيد القطاع ككل، والذي كان أحد الروافد التجارية المهمة جداً للقطاعات الاقتصادية والتجارية في الفيحاء”. وأضاف:”لقد إنعكست سلبيات الأزمات حتى الآن إقفالاً للعديد من المحلات التي تنتج أصناف متعددة من الحلويات، ونأمل أن لا تتفاقم الأمور اكثر وأكثر كما يحصل في العديد من القطاعات الإنتاجية المختلفة”.
وحول فارق الأسعار الكبير أحياناً بين محل وآخر في المدينة قال الشيخ مروان:” لكل سياسته في وضع الأسعار التي تناسبه، أما نحن الذين نزوّد العديد من المحلات المشهورة بأصناف محددة من الحلويات فقد إعتمدنا سياسة تسعير تأخذ بعين الإعتبار أوضاع الناس الحياتية والمعيشية لنستطيع المحافظة على حدٍ أدنى من التواصل مع زبائننا. ولذلك ترى مثلاً أن كيلوغرام “المشكّل” بالفستق الحلبي قد وصل في بعض المحلات إلى حدود الستمائة الف ليرة لبنانية في حين أن اسعارنا أقل بكثير من ذلك، وإلى حدود الثلثين أحياناً”. فكيلوغرام “المشكّل” العادي كان ثلاثون الف ليرة قبل سنتين أي ما يوازي عشرين دولاراً أما اليوم فهو عندنا بحدود المئة وأربعين الفاً أي سبع دولارات، بينما هو في بعض المحلات الأخرى بحدود المئتين وخمسين ألفاً أو أكثر بعض الشي.
وعن إرتباط التسعير بنسبة إرتفاع أسعار الدولار الأميركي إزاء الليرة اللبنانية أجاب:” إنها مشكلة حقيقية ليس لنا فحسب وإنما على صعيد كل القطاعات، فمثلاً كنا نبيع كيلوغرام حلاوة الشميسة قبل الأزمة بحدود ثمانية الآف ليرة لبنانية أي ما يوازي خمسة دولارات او أكثر قليلاً. أما اليوم فقد أصبح سعره سبعون الف ليرة ما يوازي دولارين ونصف فقط. في حين أن أسعار جميع المواد الأولية لصناعة الحلويات إبتداء من السكر والحليب وصولاً إلى المازوت فهي تأتينا بأسعار الدولار. ولذلك فإن أكبر متضرر من هذه الأزمة هم العمال الذين إذا كان أحدهم يتقاضى شهرياً ألف دولار في السابق، فاليوم بات معاشه لا يتعدى المئة دولار. مع التذكير أننا لا نستطيع أن نضع اسعارنا بالدولار نظراً للأوضاع المعيشية للمواطنين لذلك عمدنا إلى الموازنة في تحديد الأسعار بشكل لا “يموت الذئب ولا يفنى الغنم”.
وعن حركة البيع والشراء لفت إلى أن هناك تراجعاً ملحوظً يصل إلى حدود الثلثين، وهناك وجوهاً كنا نراها مرتين أو ثلاث في الأسبوع وبتنا لا نراها الاّ مرة في الشهر، وعسى أن لا تصل إلى مرة في السنة!
مرسال الترس