منوعات

بالأرقام: السعودية مستفيدة اقتصادياً من لبنان!

الخطوات السياسية والاقتصادية التي تتخذها السعودية ودول من مجلس التعاون الخليجي بهدف تركيع لبنان وإخضاعه لإملاءات الرياض، سيكون لها انعكاسٌ على لبنان، ولكن ليس بالحجم الذي تسعى الماكينة الإعلامية المأجورة إلى تظهيره، فالحقائق شيء، وحملات التهويل والتضخيم للنفوذ الاقتصادي الخليجي والسعودي تحديداً شيءٌ آخر.

فوفق تقرير التجارة الخارجية لعام 2020 الصادر عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة والمستند إلى إحصاءات الجمارك اللّبنانية، فقد بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية 217710 ألف دولار أميركي أي ما نسبته 6% فقط من إجمالي الصادرات اللبنانية والتي تصدّرت لائحتها سويسرا مع 1054023 ألف دولار أي ما نسبته 30%. والجدير بالذكر هنا، أنّه وخلال العام الماضي انخفض حجم الاستيراد السعودي من لبنان نظراً إلى القيود التي فرضتها جائحة كورونا، وتلك التي فرضتها الرياض بذريعة مكافحة تهريب المخدرات من بيروت إليها.

وما عمدت معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية إلى تغييبه عندما بدأت حملة الترهيب من نتائج مقاطعة السعودية ومن معها من دول الخليج للبنان اقتصادياً، هو حجم الاستيراد اللّبناني من هذه الدول والذي يفوق صادرات لبنان إليها. فمثلاً لبنان استورد في عام 2020 بقيمة 232406 ألف دولار من الإمارات، وبقيمة 182598 ألف دولار من السعودية، بقيمة 189060 ألف دولار من الكويت. وإذا أردنا حصر المعادلة بالسعودية فقط، وقارنّا بالأرقام قيمة الصادرات اللّبنانية إليها بقيمة صادراتها إلى لبنان بعيداً عن حملات التهويل، فإن الفارق بين ما تشتريه منّا وتبيعه لنا 35112 ألف دولار فقط، أي أنّ بين البلدين علاقات تجارية طبيعية وعادية جداً، والسعودية لم تكن يومًا السوق الوحيد للصادرات اللّبنانية، وليست في موقع تلقّي البضائع من لبنان فقط، بل هي تصرّف إنتاجها في أسواقه أيضاً.

أما ما تظهره المقارنة بين قيمة الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي إلى لبنان والصادرات من لبنان إليها، فتوضح أن لبنان استورد ما مجموعه 11922.69 مليون دولار خلال السنوات العشر الأخيرة حتى شهر آذار من العام الحالي، وصدّر إليها ما مجموعه 8024.51  مليون دولار، أي أنّ ميزان لبنان التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي سجّل خسارةً خلال العقد الماضي بقيمة 3898.18 مليون دولار. وعليه، فإنّ دول مجلس التعاون الخليجي تصرّف منتجاتها في لبنان بنسبة تفوق حجم تصريف لبنان لمنتجاته في الأسواق الخليجية. وأيّ قيودٍ جديدةٍ تُفرض على التبادل التجاري مع لبنان، ستعود بالضرر أيضاً على الشركات المنتجة والمصدّرة في هذه الدول الخليجية.

 

ومن ذهب فيه الحماس إلى حدّ التهويل بطرد اللّبنانيين العاملين في هذه الدول الخليجية، أغفل حقيقةً واضحةً كالشمس، وهي أنّ لبنان يصدّر إلى دول الخليج ومنذ عقودٍ طويلةٍ، يداً عاملةً ماهرةً تأهّلت في لبنان من مهندسين وأطباء وتقنيّين وغيرهم من الاختصاصيين الذين تحتاجهم هذه الدول، وأسهموا بأدمغتهم ومهاراتهم في تطويرها، وترحيلهم أو طردهم سيترك فراغاً كبيراً في الشركات العالمية والخليجية التي تتخذ من دول مجلس التعاون مقراتٍ لفروعها. وهنا يجب ألّا ننسى أن ما يحوّله اللّبنانيون المغتربون في دول الخليج إلى ذويهم في لبنان لا يزيد عن 10% من أموالهم، في حين يُصرف الباقي في دول الاغتراب.

وإذا ما تحدّثنا عن أضرار أخرى لحقت بالاقتصاد اللّبناني نتيجة عدم ضبط العلاقات الاقتصادية مع دول الخليجية، قد نصل إلى خلاصةٍ مفادها أنّ قطع هذه العلاقات قد يكون أكثر فائدة للبنان. فعلى صعيد المثال لا الحصر، معظم الاستثمارات الخليجية في لبنان كانت في القطاع المصرفي، واستفاد من خلالها المستثمرون الخليجيون من ارتفاع الفوائد والسياسات المصرفية اللّبنانية التي خدمت كبار المودعين وحرمت صغارهم أيّ اللّبنانيين منهم تحديداً من أموالهم. وفي قطاع العقارات أيضاً، كم من شابٍ لبنانيٍّ حُرم من شراء شقةٍ سكنيةٍ صغيرةٍ في العاصمة بعد أن باتت معظم شققها كبيرةً وباهظةً تناسب طلبات رجال المال الخليجيين.

في الخلاصة، إذا ما قرّر اللّبنانيون الصمود والمواجهة ووقفوا وقفة عزٍّ في وجه محاولات الإذلال والإملاءات الخليجية، وراجعوا الحقائق والأرقام، لوجدوا أنهم ليسوا بالضعف الذي تريدهم الرياض أن يكونوا فيه، وتأثيرات الخطوات الخليجية ليست بالضرر الذي يوهموننا به. ولربما كانت هذه الأزمة فرصةً.

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى