مرفأ بيروت في خضم حرب مرافىء الشرق الأوسط
يُتوقع أن يُشعل غاز الشرق الأوسط حرباً سياسيةً ومخابراتيةً عنيفة، قد تؤدي الى حربٍ عسكريةٍ إقليمية، وبما أنّ كل السياسة فعلياً عنوانها الحقيقي هو الاقتصاد، يبدو أنَّ هناك اتجاهٌ في الإقليم نحو التطبيع مع العدو الصهيوني الذي هو لاعبٌ أساسيٌ في حرب غاز المتوسط، تحت عناوين فضفاضةٍ مثل “السلام”. وللبنان موقع جغرافي استراتيجي مميز في هذه الحرب، يجعله مطمع دول عديدة مثل تركيا والكيان الإسرائيلي، وذلك تحديداً بسبب مرفأ بيروت، الذي صابه انفجارٌ في الرابع من أب الماضي ، ليعقبه حريق كبير في العاشر من أيلول في أحد الهنغارات؛ وكان سبقه حريقٌ صغير في الثامن من الشهرنفسه، ليعود ويذّكر اللبنانيين بالمأساة مجدداً. الحريق الكبير دعى الكثيرين إلى الاعتقاد بوجود أيادٍ خفيةٍ تعبث بالمرفأ.
فهل يوجد علاقة بين هذه الحرائق والانفجار وحرب غاز المتوسط والموجة التطبيعية الجديدة؟
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية د. وليد عربيد في حديثٍ لـ “أحوال” يرى “أنَّ البرق لا يضرب نفس المكان مرتين”، فالحريق الكبير الثاني في مرفأ بيروت يدعو إلى التفكر إن كان ما يحصل هو عملاً تخريبياً وليس صدفة؛ وتابع، فالانفجار والحريقان اللذين تلوه يأتون في وقت يشتد فيه الصراع في الشرق الأوسط، وإن كان عملاً تخريبياً، هذا يعني أنّ هناك من دق ناقوس إعلان حرب المرافئ في شرق المتوسط. ويردف عربيد أنّ ما يميّز مرفأ بيروت هو عمقه 300 متراً حيث تستطيع القطع البحرية والغوّاصات الدخول إليه بسهولة وتحتمي داخله.
وتجدر الإشارة أنّ مرفأ حيفا لا يستطيع منافسة مرفأ بيروت فعلياً كون عمقه لا يتخطى ال 150 متراً فقط. وجهة نظر عربيد تتطابق مع ما قاله الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين، في حديثٍ لـ “أحوال”، حيث يلفت أنَّ إسرائيل تعتبر الكيان اللبناني كله واستقراره خطرٌ عليها وليس فقط مرفأ بيروت، فموقع لبنان استراتيجيٌ بامتياز، وهو صلة وصلٍ بين الشرق والغرب، ومدخلٌ الى أفريقيا وله دورٌ كبير باستكشاف الغاز في المنطقة، وله الدور الأكبر في إعادة إعمار سوريا والعراق. ويلفت ناصر الدين أنَّ مرفأ بيروت يتعامل مع حوالي 300 مرفأ حول العالم وأنّ مرافىء العدو الإسرائيلي لا تستطيع منافسته فعلياً، لا حيفا ولا أشدود، وتقدر الحركة التجارية لمرفأ بيروت في الأوضاع الطبيعية بين 14 إلى 16 مليار دولارٍ سنوياً .
ويردف ناصر الدين أنّه يجب وضع سكة الحديد التي يخطط لها الكيان الغاصب بعين الاعتبار، والتي متوقع أن تمتد من حيفا إلى الأردن إلى السعودية والدول الخليجية، وهدفها تنشيط المرافئ البحرية الاسرائيلية تحديداً مرفأ حيفا.
كل هذه المعطيات تدعو الى تحليلات أنًّ حرب المرافئ قد بدأت في المنطقة، وفق عربيد، عداعن أهمية الممرات البحرية (مضيق باب المندب، قناة السويس، مضيق البوسفور والدردنيل، مضيق الهرمز ومضيق جبل طارق). ومن جهة أخرى يرى عربيد أنَه يجب أن نضع الصراع الفرنسي – التركي في مجرى كل ما يحدث، “فإذا لم تكن إسرائيل، قد يكون لتركيا دورٌ في التخريب، التي عرضت عبر نائب رئيس جمهوريتها على لبنان إعادة بناء مرفأ بيروت، وهي تستفيد من تعثّر المبادرة الفرنسة التي يبدو أنّها تتخطى لبنان كما أشار ماكرون بزيارته بغداد بعد بيروت”. كل هذه استنتاجات بانتظار انتهاء التحقيق الرسمي كما يقول عربيد، في وقتٍ يواجه لبنان أزمةً اقتصاديةً خانقة وينتظر شعبه قيام الجمهورية الثاثة … دولة المواطنة.
في الخلاصة يبدو أنّ لبنان ما زال ملعباً لدول الإقليم. ممنوعٌ علينا أن ننهض وممنوع أن نستثمر ثرواتنا، ممنوع أن نستفيد من تميز موقعنا الجغرافي، إلا كما يناسب مصالحهم، وبدل أن نتحد لنواجه المخاطر من الإقليم وأولها الخطر الإسرائيلي، ننقسم بما بيننا ونختلف على “جنس الملائكة”.
محمد شمس الدين