مزاد الخبز اللبناني… A la uno a la due a la tre …مين يزود؟
من كثرة مزاريب الهدر في لبنان وتخطّيها أصابع اليدَين، لدرجة العجز عن عدّها، يحار المرءُ عن أي قطاع أو مرفق يتحدث.
وإذا كان رغيف الخبز في اي دولة من العالم عنواناً ورمزاً للغذاء، وعدم توافره أو ارتفاع سعره مؤشر إلى وجود أزمات اقتصادية واجتماعية، فلا شكّ أن لبنان لا يشذّ عن هذه القاعدة. ولكن، في بلد يخنقه أخطبوط الفساد، قد يصبح الحديث عن وصول أذرعه إلى لقمة المواطن أمراً متوقعاً.
ففي البازار اللبناني، دخل “قوت الفقراء” المزاد الاسبوعي للسّلع وبات يسعّر على قاعدة “مين يزوِّد”.
بين المستورد والمطحنة والفرن يضيع حق الناس
من زراعته (القمح) أو استيراده إلى توزيعه على المطاحن ثمّ الأفران وصولاً إلى بيعه، يمرّ رغيف الخبز بكل مرحلة من هذه المراحل بمزراب الهدر والفساد المتمثّل بالدعم. كيف ولماذا؟
يظهر من خلال دراسة نشرتها الدولية للمعلومات في العام 2012، أن استهلاك لبنان من مادّة القمح يبلغ نحو 400 ألف طن سنوياً. يتم توفير هذه الكمية اما من خلال الاستيراد او من خلال الانتاج المحلي، إلّا أن الاستيراد (يقوم به القطاع الخاص) يؤمن ما نسبته 85% من الحاجة في حين توفّر زراعة القمح محلياً نحو 15% من الحاجة.
يبلغ عدد المطاحن 13، يصل متوسط تسليمها الى نحو 220 ألف طن طحين سنوياً الى الأفران .
وكانت الحكومة قد اعتمدت سياسة دعم أسعار الطحين في فترات سابقة لا سيما من صيف عام 2007 وحتى تشرين الاول 2008 ومن شباط حتى تموز 2011. ودفعت مبلغ 50 دولارا للمطاحن عن كل طن من القمح المستورد بحدود 30 الف طن شهريا أي بكلفة 1,5 مليون دولار شهريا علما ان الكمية المستخدمة في صناعة الخبز العربي لا تزيد على 20 الف طن، مما يعني ان الحكومة تدعم ايضا الحلويات والخبز الافرنجي وسائر ما تنتجه الافران. وبحسب الدولية للمعلومات فإن 3 مطاحن تستأثر بنحو 52% من الكميات المسلمة للأفران وهذا ما يجعلها تستفيد من نفس النسبة من قيمة الدعم.
وتشير دراسة الدّولية للمعلومات إلى أنه رغم الدعم الذي حصلت عليه المطاحن، فان ذلك لم يمنع زيادة سعر ربطة الخبز بطريقة غير مباشرة. فقد استقر سعرها على 1500 ليرة لكن وزنها انخفض من 1,120 غرام الى 1000 غرام وسبق أن كان وزنها 1500 غرام بسعر 1500 ليرة، وبذلك يكون وزن وسعر ربطة الخبز ارتفع بمقدار 1000 ليرة ونسبة 67% خلال الاعوام 1997 حتى 2012.
عام 2021 يكسر ثبات سعر ووزن ربطة الخبز
من هذه اللمحة يظهر أن الهدر في هذا القطاع ليس وليد هذه الأيام، إنما هو فساد متجذّر أدى تراكمه إلى إنفجار قطاع “الخبز والطحين” كما غيره من القطاعات.
ومع دخول البلاد آتون الأزمة المالية والنقدية المتفاقمة، والانهيار الجنوني بسعر صرف اللّيرة مقابل الدولار (تخطى في أحيان كثير حاجز ال16000 ليرة) بدأ سعر ربطة الخبز يدخل عالم المتغيّرات. ونسبة ارتفاع وزن وربطة الخبز بين عامي 1997 و2012، وصلتها بأريحية منذ أواخر 2020 إلى أوائل 2021، إذ وصل سعر ربطة الخبز إلى 3000 ليرة وانخفض وزنها من 1000 غرام الى نحو 900 غرام.
أما التبرير الوحيد لوزارة الاقتصاد وأصحاب الأفران والمطاحن، ارتفاع أسعار القمح عالمياً والارتفاع الجنوني لسعر الدّولار وبالتّالي الكلفة التشغيلية للأفران.
المشكلة الأساس هي في تهريب الطّحين
في الوقت نفسه تستمر الدولة اللبنانية في ” دعم الخبز” من خلال دعم استيراد الطحين والقمح عبر مصرف لبنان بنسبة تصل الى 85% من مجمل تكلفة انتاجه. ما يعني ان على الافران تأمين 15% فقط من الدولارات اللازمة لعملية الأنتاج من خلال السوق السوداء. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه،هل هذه النسبة كفيلة برفع سعر ربطة الخبز 500 ل.ل في كل مرة وعلى فترات متقاربة؟
صحيح ان سعر صرف الدولار وصل في الفترة الاخيرة الى حدود قياسية، إلا أنه عاد وانخفض بشكل ملحوظ، وعقب انخفاضه أطل من بين قضبان وزارة الاقتصاد قرار رفع سعر ربطة الخبز الى 3000 ل ل.
وهنا يصبح من المشروع السؤال، ما هي الالية التي تعتمدها الوزارة في تسعير ربطة الخبز؟ فإن كان بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار فمن المفروض اعادة تخفيض سعرها مع انخفاض دولار السوق السوداء وثبات سعر طن القمح منذ حزيران الماضي!
وفي هذا الإطار يشير الخبير الاقتصادي عماد عكوش إلى أن المشكلة الاساس ليست بدعم الخبز او ربطة الخبز إنما في التهريب الحاصل للطحين.
ويؤكد عكوش أن نسبة كبيرة من الطحين المدعوم (حتى السكّر والخميرة) يتم سحبه من قبل بعض الافران لادخاله اما في صناعة السلع غير المدعومة او لبيعه لافران ومحال صغيرة بسعر غير مدعوم.
ويلفت عكّوش إلى أن وزارة الاقتصاد تلقت عهداً من أصحاب الأفران بعدم استخدام المواد المدعومة الا لإنتاج الخبز الابيض, لكن لا يمكن التأكيد ما اذا كانت الأخيرة تلتزم بهذا العهد في ظلّ غياب الرقابة الفاعلة وعدم وجود آلية للرّقابة.
لا شك ان من حق كل مواطن ان يطرح أسئلة كثيرة لا يجد في الكثير من الاحيان اجابات منطقية عليها حتى باتت اللّاواقعية سمة المرحلة.
قديماً كانت مقولة “بعيش معك عالخبزة والزيتونة” عبرة لمن يرضى بالقليل، أما اليوم ومع وصول سعر ربطة الخبز الى 3000 ل ل وكيلو الزيتون الى 12000 ليرة على الاقل، يمكن القول” نيال مين لاقى كسرة خبزة وحص زيتون”
محمد فرحات