سعر صرف الدولار يرتفع ومعه ترتفع ألسنة النيران في الشوارع، أسعار السلع تحترق ومعها الدواليب على الطرقات… عدّاد ارتفاع الدولار اليوم عاد وأشعل هذه التحرّكات الشعبية التي كانت قد انطلقت في 17 تشرين الأول من العام 2019. ولكن ما من آذان صاغية، فالحكّام منشغلون في المحاصصات وتوزيع الحقائب الوزارية.
في حين أن المواطن يتخبّط في أمواج غلاء الأسعار من جهة، والفقر المحدق به من جهة أخرى. كثيرون خسروا وظائفهم، أو أقفلت مصالحهم، عديدون ما زالوا يتقاضون أجورهم وبالكاد تكفيهم في ظلّ جنون الأسعار التي تتبدّل بين لحظة وأخرى.
الجميع ينتظر الحلّ! فما الذي يجب فعله لإنقاذ ما تبقّى من الاقتصاد اللبناني؟ ما الحل لوقف هذا الانهيار لليرة اللبنانية؟ كل هذه الأسئلة، نقلها موقع “أحوال” إلى الخبراء للوقوف عند آرائهم في هذا الموضوع.
3 خطوات أساسية للحلّ
يختصر الباحث الاقتصادي، البروفسور جاسم عجّاقة، الحل بثلاث نقاط أساسية لا بديل لها؛ وهي تشكيل حكومة، إجراء الإصلاحات الضرورية والسير في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ويشرح في حديث مع موقع “أحوال”، أن الدستور أعطى حصرية القرار الاقتصادي للحكومة، على غرار فرض الضرائب، محاربة الاحتكار، تشجيع المستثمرين للاستثمار في لبنان، وتطبيق القوانين… وأشار إلى أن هذه الحصرية تعيق إمكانية اللجوء إلى حلول جذرية للأزمة الاقتصادية الحاصلة اليوم من دون اللجوء إلى الحكومة.
ولكنّه لفت من جهة أخرى، إلى أنه بإمكان حكومة تصريف الأعمال الحالية أن تقوم ببعض الإجراءات التخفيفية التي تساعد على التخفيف من ثقل هذه الأزمة، وأبرزها وقف التهريب.
ولفت عجاقة في هذا الإطار إلى غياب دور الأجهزة الرقابية، التي وصفها بالمقيّدة، خصوصاً في ظلّ التعيينات المبنية على المحاصصة وهذا ما يؤثر على أداء مهامها بالشكل المطلوب.
واعتبر أن خروج البضائع المدعومة من لبنان إلى الدول الأخرى، نتج عن غياب هذا الدور للأجهزة الرقابية. ورأى أن البضائع انتقلت بطريقتين:
الأولى، هذه البضائع وصلت من المصدر إلى لبنان، وانتقلت منه إلى الدول الأخرى. والطريقة الثانية انتقال البضائع مباشرة من المصدر إلى الدول الأخرى، في حين تمّ إنجاز المعاملات في لبنان.
الأسعار ترتفع وما من حسيب ولا رقيب
على رفوف السوبرماركات أسعار تتنافس في ما بينها “مَن الأعلى؟” في المحال التجارية بضائع يغيب عنها السعر، وعند سؤال البائع “كم السعر؟” يجيب “حسب سعر صرف الدولار اليوم”. هذا الوضع بات شبه يوميّ، ونتيجة التقلّبات المتسارعة في أسعار صرف الدولار، قرّرت بعض المحال والسوبرماركت اقفال أبوابها. فهل هذا الأمر قانوني؟ هل يساعد على التخفيف من ارتفاع سعر الصرف في ظلّ عدم بيع البضائع وشرائها؟
يؤكّد البروفسور عجّاقة أن ما يحصل اليوم على صعيد تسعير البضائع هو مخالف للمرسوم الاشتراعي 73/83، الذي ينصّ على أن تحمل البضائع المعروضة في المحال سعرها بالليرة اللبنانية.
وأشار إلى أن ما يعتمده التجّار من تبرير حول كلفة الاسترداد أو ما يعرف باللغة الانجليزية بالـReplacement Cost، بأنه يؤثر على رأسمالهم، لذا يقومون بتحميله للمستهلكين، هو أيضاً مخالف للقانون. وأوضح أن القانون يحاسب المخالفين إلى حدّ الحكم عليهم بالسجن، متأسفاً لغياب الرقابة أيضاً في هذا الإطار.
وحول تأثير هذا الأمر على الواقع اليوم، أشار عجّاقة إلى أنه يؤدي إلى تداعيات اقتصادية كبيرة تعرف بالخسائر الفادحة وأبرزها الاحتكار. بالإضافة إلى الخسائر الاجتماعية كالفقر وعدم القدرة على شراء المواد الغذائية.
فماذا عن تسعير البضائع بالعملة الخضراء؟ أجاب عجّاقة أنه “مخالف أيضاً للقانون. وفي حال قرّرت السلطة السماح للتجّار بالتسعير بالدولار، فذلك سيتطلّب تعديلاً في المرسوم الاشتراعي 73/83 الذي يحصر التسعير بالليرة اللبنانية”.
ترشيد الدعم أم رفع تدريجيّ للدعم
تتحدّث الدولة باستمرار عن ترشيد الدعم لتظهر بموقف المسيطر على زمام الأمور، لا سيّما الأوضاع الاقتصادية والمادية، ولكن عجّاقة يرى أن ما تقوم به فعلاً السلطات هو رفع تدريجيّ للدعم وليس ترشيده.
فمن وجهة نظر اقتصادية، ترشيد الدعم هو تحديد السلع الضرورية لدعمها في حين يسقط الدعم عن السلع غير الأساسية. ويوضح عجّاقة أن ترشيد الدعم هو كل شيء ولا شيء، شارحاً أنه في حال التطبيق الصحيح لترشيد الدعم، لن يكون لبنان بحاجة لأكثر من 300 مليون دولار شهرياً لسدّ احتياجاته من البضائع المستوردة، والتي يمكن تغطيتها من خلال التحويلات الوافدة إليه.
ولكن في ظلّ التهريب المستمرّ، يشير عجّاقة إلى أن ترشيد الدعم لا يمكن أن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة. ويشدّد على أن المطلوب اليوم هو قرار سياسي واضح لوقف التهريب.
الواقع على الأرض مؤلم… والسلطة تصمّ آذانها
على وقع الانهيار الكبير لليرة اللبنانية وتزايد الأسعار بسرعة جنونية، لم يبقَ أمام اللبناني سوى النزول إلى الشارع، علّ من اختارهم لينوبوا عنه ويبنوا دولته يصغون إليه، ولكن هل هذا هو الحلّ بعد حوالى سنة ونصف على اندلاع التحرّكات الشعبية على الأرض؟
الصحافي أسعد بشارة اعتبر في حديث إلى “أحوال”، أنّ الشعب اللبناني يعيش اليوم مرحلة انتقالية هي الأصعب في تاريخ لبنان، على مختلف المستويات، ولا تلوح خواتيمها في المستقبل القريب، معتقداً أن هذه الأزمة ستطول سواء اقتصادياً أم سياسياً.
وأشار إلى أنه منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، كان الشعب يركّز على المطالب المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن اليوم أدرك الجميع أن هذه المطالب لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تغيير المنظومة الحاكمة الآن. واعتبر أنه لا يصحّ الانطلاق من معالجات اقتصادية بحتة، لأن المشكلة في لبنان ليست فقط في الفساد، إنما في غياب قراره المستقلّ.
وعمّا يحصل في الشارع اليوم من تحرّكات شعبية، لفت بشارة إلى أنها تحرّكات اعتراضية. فالخلاف اليوم فعلاً هو بين من نهبوا البلاد وبين من سيعانون من هذا النهب لعشرات السنين. واعتبر أن التحدّي الكبير اليوم أمام هذا الحراك الشعبي هو إيجاد بديل عن المنظومة الحاكمة، والبحث عن قيادات قادرة على أن تبلور مشروعاً وطنياً ذات عناوين وثوابت لا تحتمل التأويل. وشدّد على ان هذا المشروع يجب أن يؤمن بسيادة لبنان ومكافحة الفساد والفاسدين، وأن يكون واثقاً من نفسه على أنه قادر على تولّي زمام المسؤولية متى حانت الساعة.
ولفت في السياق عينه، إلى أنه في ظلّ الانهيار الاقتصادي الكبير الذي تشهده البلاد، ستعيد شريحة كبيرة من اللبنانيين النظر في ولاءاتهم ويسألون أنفسهم “إن كانوا سيبقون أسرى لهذه المنظومة ويتفرّجون على البلاد تنهار، والجوع يهدّدهم، وأولادهم يهاجرون والمستقبل يضيع”. والإجابة عن هذه التساؤلات ستكشفها الأسابيع المقبلة، وفق تعبير بشارة.
ما سيحمله المستقبل للبنان ما زال خفياً، والهوّة تزداد اتساعاً بين المواطن والمسؤولين، فهل سيلتقون على نقاط جامعة للنهوض بلبنان من جديد؟
ماري الحصري