حصاد 2020: الضمان الاجتماعي يدقّ ناقوس الخطر
يبدو أنّ صندوق الضّمان الاجتماعي في لبنان على “غير ما يرام”، كغيره من القطاعات يشهد تعثّراً في الفترة الأخيرة، حتّى أصبح مهدداً بالتّوقف عن تقديم خدماته الصّحيّة نهاية العام، في ظلّ ضعف إيراداته وتراكم العجز في تغطية النّفقات، ما ينذر بكارثة وشيكة؛ خصوصاً وأنّ خدمات الضّمان تغطّي ثلث الشّعب اللّبناني الذي قد لا يتمكّن من تغطية نفقات خدمة الطّبابة والاستشفاء.
هذا الواقع المخيف يترافق مع تخلّف الدّولة عن تسديد إلتزاماتها للضّمان التي تجاوزت الـ 4500 مليار ليرة، وصعوبة في كشف مستحقّات الضّمان على الجهات الخاصّة، وتهرّب بعض المؤسّسات من التّصريح بعدد ورواتب موظّفيها.
ما يجعل الضّمان، خصوصاً فرع المرض والأمومة، في موقع حرج. فهل يتوقّف الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي عن تقديم خدماته الاستشفائيّة نهاية 2020؟
يقول مدير عام الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي محمد كركي، لـ “أحوال”: من المحتمل أن يوقف صندوق الضّمان التّقديمات الصّحيّة لكل المستفدين نهاية عام 2020، ما لم يتم سداد جزء من المستحقات الماليّة، سواء من الدّولة اللّبنانيّة أو القطاع الخاصّ.
أموال المضمونين محفوظة
يشير مدير عام الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي إلى ثلاثة فروع في الضّمان الاجتماعي هي: تعويضات نهاية الخدمة، التّعويضات العائليّة، وفرع المرض والأمومة. ويتابع، لا نواجه أي مشاكل ماليّة فيما يتعلّق بالفرعين الأولين وحقوق المضمونين وأموالهم محفوظة ولا خطر عليها.
تصريح كركي جاء رغم الحديث عن أنّ تعويضات نهاية خدمة الموظّفين التي يديرها الصّندوق باتت معرّضة لخطر جدّي ربطاً بأزمة “سندات الخزينة”، بعد أن بلغت أصول الصّندوق حوالى 14 تريليون ليرة لبنانية، تم استثمار نحو 11 تريليوناً منها في سندات خزينة الدولة التي تستحق خلال 12 و24 و36 شهراً (بحسب أرقام الـ2018).
وبعد زيادة طلبات سحب استحقاقات “نهاية الخدمة”، سواء بسبب تسريح عدد كبير من الموظفين من أعمالهم نتيجة الأزمة الاقتصادية والنّقدية في البلاد، أو نتيجة خشية الموظفين (ممن تراكم لديهم نحو 20 عاماً من الاشتراكات) من أن يخسروا مدّخراتهم تحت وطأة اشتداد الأزمة. إلى هذا، يؤكّد كركي أن لا مخاطر على أموال المودعين والمضمونين. ويتابع، أما بالنّسبة لفرع المرض والأمومة؛ ففي حال رُفع الدّعم عن الأدوية والمستلزمات الطّبية، هنا تكمن الكارثة.
ويردف، على الدّولة تجاه الضّمان 4500 مليار ليرة، وعلينا تجاه فرع نهاية الخدمة 4000 مليار ليرة، استدنا سابقاً من الفرع للتّعويض عن النّقص الحاصل.أمّا اليوم فهدفنا الأساسي عدم المساس بتعويضات نهاية الخدمة.
ويلفت إلى أنّ الدّولة منذ شهرين حتى اليوم قامت بتسديد 100 مليار ليرة للضمان، ووعدتنا بدفع 25 مليار ليرة إضافية قريباً، رغم الإيجابيّة التي أبدتها وزارة المال، لكن المبلغ لا يمكنه حلّ المشكلة.
انطلاقة بسند خزينة
ويتابع كركي، طموحنا أكبر ونسعى للحصول على سند خزينة من الدّولة اللّبنانية بقيمة 300 مليار ليرة للإنطلاق في العام 2021 دون مشاكل.
إن لم نحصل على السّند الى جانب الـ 125 مليار ليرة فسنكون أمام 3 سيناريوهات: إما وقف التّقديمات مطلع عام 2021، أو تغطية المؤسّسات التي تدفع الاشتراكات عن موظفيها، أو الإتجاه نحو الضّمان الاختياري. ويلفت إلى أنّ الخيارات الثّلاثة صعبة على المواطن وقد تشكل كارثة اجتماعيّة.
حماية تعويضات نهاية الخدمة
يفيد إحصاء للصّندوق الوطني للضمان الاجتماعي بخروج 50 ألف أجيراً تقريباً من سوق العمل، في حين تباطأت حركة التوظيف في العام 2020 بنسبة 71%.
كما وتفيد الأرقام الصادرة، بأن 37.5% من الأجراء المصرّح بهم للضّمان يعملون بأقل من مليون ليرة (حوالي 661 دولاراً)، أي أقل من خط الفقر الأعلى المحدد بنحو 1.5 مليون ليرة (نحو 991 دولارً)، في حين يعمل 86% بأقلّ من 3 ملايين ليرة (1983 دولاراً).
ومع انهيار سعر صرف العملة الوطنيّة، خسرت الرّواتب أكثر من 80% من قيمتها، ما دفع كركي إلى تقديم مبادرة إلى حاكم مصرف لبنان لتخفيف وطأة الانهيار والمحافظة على القدرة الشّرائيّة لتعويضات نهاية الخدمة للمضمونين.
ويقول كركي، على أثر الأزمة الاقتصاديّة، بدأ الضمان بتحويل قسم من أموال نهاية الخدمة إلى الدّولار، ولكن بسبب شحّ الدّولار لم نستطع تحويل أكثر من 5% منها، أي ما لا يتخطّى مبلغ الـ 400 مليون دولار.
ويلفت إلى أنّ المؤسّسة ليست مسؤولة عن انهيار العملة، لكن هدفها السّامي ورسالتها الاجتماعيّة والانسانيّة دفعتها إلى تقديم كتاب إلى حاكم مصرف لبنان لإيجاد صيغة مناسبة للمحافظة على القيمة الشّرائية لتعويضات نهاية الخدمة.
وبحسب ما سُرّب إلينا من معلومات، فإنّ الحلّ الممكن هو الاستناد إلى التّعميم 148 الصّادرعن مصرف لبنان لإنصاف أصحاب الودائع الصغيرة، بحيث يصدر عن الصّندوق شيك بالعملة الوطنيّة باسم المتقدّم بطلب تعويض نهاية الخدمة، حيث يودع هذا الأخير الشيك في مصرف لبنان حيث يتمّ تحويله إلى الدّولار على أساس سعر الصّرف الرسمي أي 1515 ليرة للدّولار الواحد، من ثمّ يعاد صرفه بالعملة الوطنيّة وفق سعر المنصّة الالكترونية للسّحوبات أي 3900 ليرة ويتمّ قبضه فوراً، هنا تكون قيمة التّعويض قد زادت بضعف 2.6. هذا الإجراء الذي لا يحتاج إلى قانون من مجلس النوّاب، في حال اتُّخذ، من الممكن أن يشمل المتقاعدين الذين سبق لهم قبض تعويضاتهم قبل تاريخ صدوره، وذلك منذ مطلع هذا العام أي بتاريخ 01/01/2020.
ويتابع، هذه المبادرة إن تمت سيكون لديها انعاكاسات إيجابية، اجتماعية، إنسانية واقتصادية على لبنان.
تأجيل العمليات “الباردة”
ويبقى الضمان الاجتماعي عنصراً أساسياً في الاستقرار الاجتماعي، إذ يدفع سنوياً حوالى 100 مليار ليرة لتعويضات نهاية الخدمة، وحوالى 1200 مليار ليرة لفرع المرض والأمومة، ووحوالى 400 مليار للتّعويضات العائليّة.
هذا، ومنح صندوق الضّمان القطاع الاستشفائي (مستشفيات وأطباء) سلفة ماليّة بحوالى 58 مليار ل.ل عن شهر تشرين الثاني 2020، على أن تلتزم هذه المستشفيات استقبال جميع المضمونين دون تمييز (عادي واختياري) وأن تتقاضى بدلاتها وفق تعرفات الضمان من دون تحميلهم أيّ أعباء إضافيّة.
إلى ذلك، يفيد أحد الأطباء بأنّ الضّمان لم يعد يعطي الموافقة على العمليات الجراحيّة التي يمكن تأجيلها، إن لم تكن العمليّة قضية حياة أو موت. فالمضمون لن يأخذ موافقة الضّمان على العمل الاستشفائي، ويجبر على تسديد المبلغ على نفقته.
ويشرح، للضّمان دين على الدّولة، والمستشفيات أيضاً لديها دين على الضّمان وعلى الدّولة. لذلك يدفع المواطن المضمون ضريبة العجز الحاصل في الصّندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
فيما يشكو بعض المضمونين، إلى جانب صعوبة الحصول على الموافقات لاجراء العمليّات الاستشفائية، من ظاهرة تغطية الفرق الذي تخطى الـ 20%، بسبب عجز المستشفيات عن تأمين بعض الأدوية والمعدات الطبية.
“العمّالي العام”: حلول في الأفق
وبما أنّ تداعيات أزمة الضّمان ترتدّ على العامل أولاً، فما موقف الاتّحاد العمّالي العام من الأزمة؟ وهل من تصعيد يلوح في الأفق؟
يوضح رئيس الاتّحاد العمّالي العام بشارة الأسمر أن لا تصعيد في الوقت الراهن، لأنّ الدّولة اللّبنانية بدأت تسديد ديونها للضّمان الاجتماعي، حيث دفعت 100 مليار ليرة حتى اليوم وخلال الأيام القليلة المقبلة وعدنا وزير المال بتسديد 25 مليار ليرة إضافيّة.
حالياً، لا نيّة للتوقّف عن تقديمات الضّمان إلّا في حال رفع الدّعم والذي سيؤدي بدوره إلى رفع فاتورة الضّمان 3 مرات عمّا هي عليه اليوم، ما يؤدي إلى انهيار منظومة الضّمان، وكل المنظومات الطّبية والأدوية العسكرية، وتعاونية موظفي الدّولة والجهات الضّامنة وغيرهم.
ويقول، نحن كاتحاد عمّالي عام شركاء في الضّمان، نُصرّ على الاستمرار بتقديم الخدمات للمواطنين، كما ونطالب أصحاب العمل والمؤسسات والدّولة بالوفاء بتسديد إلتزاماتهم تجاه الضّمان كي يتمكّن من الاستمرار بأداء مهامه.
ناديا الحلاق