كلفة الدولار الذي يدفعه موظفو الـ NGOs
68% من العالين لديهم أعراض مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب
إعداد ياسمين زين الدين وميرا الظريف (متخصصتان في علم الصحة العامة –الصحة المهنية والبيئية)
في الوضع الاقتصادي الراهن في لبنان بقيت جمعيات المساعدة الإنسانية مواكبة لمتطلبات الحياة فهي توفر الدولار لموظفيها ولكن ما كلفة ذلك على صحة العاملين فيها؟ تظهر عند حوالى 1/3 من عاملي جمعيات المساعدة الإنسانية عوارض انخفاض في مستوى صحتهم عندما يكونون في مهمات العمل ويتعرض 40% منهم لضغط نفسي أكثر مما يتوقعون ضمن المهمات المنوطة بهم.
يقوم العاملون في الجمعيات الإنسانية بتكريس عملهم لسد ثغرة في المجتمع وتأمين بدائل عن دور الدولة عبر تقييم احتياجات المجتمع وتقديم الخدمات التي تتوافق معها. فتكون هذه الخدمات إما صحية أو مادية أو اجتماعية أو تعليمية أو نفسية أو أخرى من سبل الدعم التي يستطيعون توفيرها. أحيانا يتطلب هذا العمل تواجد العاملين في هذه الجمعيات في الأحياء الفقيرة والمخيمات المكتظة والأماكن غير الآمنة إجمالاً.
وقد أكدت الأبحاث أن أكثر من 50% من عاملي الجمعيات الإنسانية تعرضوا لخمسة أنواع أو أكثر من الأحداث الصادمة. إضافة إلى ذلك، 68% منهم بلغوا أعراض مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بالاكتئاب، 53% بأعراض مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بالقلق و26% بأعراض مرتبطة بارتفاع خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
وقد أثبتت الدراسات أن بين 25% و50% من مقدمي الخدمات الإنسانية يتعرضون للاحتراق الوظيفيفيصبحون مرهقين عاطفياً، جسدياً وفكرياً بسبب الضغط الكبير والمطوّل.
وبقيت الآثار النفسية من قلق واكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة وارهاق عاطفي تستهدف النساء في هذا المجال بشكل أكبر مقارنة بالرجال العاملين في المجال نفسه.
ولكن لم يسلم الرجال من الآثار بل كانوا عرضة أكبر لآثار انخفاض القدرة على الإدارة وعلى فهم المهام بعد المواقف التي تؤثر عليهم فكرياً ونفسياً. بيّنت الدراسات أيضاً أن الرجال معرضون بنسبة 27% للإرهاق العاطفي الكبير بسبب العمل الإنساني أما النساء فيتعرضن بنسبة أكبر إلى الإرهاق النفسي تصل إلى36%.
وقد حدّدت الأبحاث أن الضغوطات تقع تحت 4 عناوين عريضة:
إضافة إلى ذلك أثر انعدام الأمن الوظيفي داخل المنظمات ولا سيّما طبيعة العمل المتعلقة بالتمويل الخارجي ووجود المشاريع إلى خلق ضغط أكبر على الموظفين.
وبسبب كل هذه المؤثرات الصحية والنفسية والفكرية التي تترك تغيّراً في أفكار وتصرفات الأشخاص تبيّن أن العديد من العاملين في المجال الإنساني يلجؤون إلى السلوكيات الخطرة للتخفيف عن أنفسهم. 10% من العمال الرجال يلجؤون إلى الشرب الخطر للكحول كما و18% من النساء. وتأثر بهذه العادة كل العمال إن كانوا مواطنين أو أجانب فكان الأثر ذاته على الجميع على اختلاف جنسياتهم.
إضافة إلى ذلك تبين أن عمال القطاع الإنساني يلجؤون للأكل غير الصحي أو الأكل العاطفي كطريقة لمواجهة ضغوطات العمل الميداني التي يتعرضون لها. أيضاً، شهدت الوظائف ارتفاعاً بنسبة الذين يعتمدون على الاستراتيجيات القائمة على العمل للتأقلم مع الضغوطات وذلك بالعمل لفترات أكبر ودون أخذ استراحة رغم حاجتهمإليها.
ومع أن موظفي المجال الإنساني كان لديهم الفرصة للجوء إلى شبكات دعم مختلفة وهي الأسرة والأصدقاء المقربين خارج القطاع وزملاء العمل والمدراء والمستشارين الداخليين ومقدمي خدمات الصحة النفسية الخارجيين إلا أنهم لم يحبذوا اللجوء إلا لزملائهم في القطاع نفسه لاعتقادهم أنهم موضع ثقة وسيتفهمون المواقف والمشاعر التي ترافق الأحداث.
ولكن أظهرت بيئات العمل ضمن المؤسسات الإنسانية وجود وصمة عار متعلقة بالصحة النفسية والعقليةالأمر الذي يشكل حاجزاً أمام طلب المساعدة.
لذا على المنظمات المعنية بالعمل الإنساني أن تؤمن أولا بيئة وظيفية تدعم صحة العاملين فيها النفسية ولا سيّما عبر تقديم دعم الزملاء عند الحاجة.
إضافةً إلى ذلك، على أصحاب العمل والمدراء أن يضعوا خطة استراتيجية تتناسب مع قدرات الموظفين وتساهم بالمحافظة على صحتهم على أن يعوا ماهية مصادر الضغط وما دورهم تجاهها. كما أن على العمال أن يقوموا بدور فعال عبر تثقيف أنفسهم عن الصحة النفسية، توعية من حولهم وطلب المساعدة عند الحاجة.
زد على ذلك الحاجة إلى تعلم استراتيجيات تأقلم صحية وفعالة تساهم بتخفيف الضغط ولعب دور الدعم النفسي الأولي وصولاً إلى تلقي المساعدة من اختصاصيين عند الحاجة إلى ذلك.
فظهر أن كلفة الدولار الذي يتلقاه عاملو جمعيات المساعدة الإنسانية تساوي صحتهم النفسية والعقلية أولاً كما الجسدية. فعلى أفراد الفريق الواحد التكاتف للحفاظ على صحة جميع من فيه وتأمين بيئة حاضنة وداعمة للموظفين وعلى المنظمات ذات هدف المساعدة الإنسانية أن تبدأ أولا من الداخل عبر مساعدة الأناس العاملين فيها.