مهندسون عبر “أحوال”: احموا منازل بيروت التراثية
تهافت المتطوعون في الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لمساعدة إخوانهم في الوطن، الذين فقدوا منازلهم وأرزاقهم جرّاء إنفجار مرفأ بيروت المشؤوم. تلقّى هؤلاء بشكل مباشر، المساعدات الإنسانية والتبرّعات المالية والعينية من أجل إتمام مهمّتهم الإستغاثية، وذلك بسبب إنعدام ثقة الواهبين بالدولة والجهات الرسمية اللبنانية. ولكن هل لا تزال هذه الجهات غير الرسمية هي المخوّلة بإدارة عملية إعادة الإعمار؟ وما هي حقيقة المشاكل التي تعرقل أعمال الترميم؟ نطرح هذا الموضوع بعد تخوّف كثيرين من فقدان العاصمة بيروت هويّتها وطابعها التراثي، وبعد صدور القانون ١٩٤ القاضي بتجميد عمليّات بيع وشراء العقارات في كافة المناطق المتضرّرة.
أصحاب الأبنية التراثية يرفضون التدعيم
خلال الإجتماع الدوري للّجنة الأبنية التراثية الأخير، أحال وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عباس مرتضى، أصحاب الأملاك المتمنّعين عن السماح لمديرية الآثار بتدعيم الأبنية التراثية، إلى الجهات المعنية لاتّخاذ الإجراءات المناسبة لحمايتها ممّا لا تُحمد عقباه. وفي هذا السياق، تفيد مصادر وزارة الثقافة لموقع “أحوال”، بأنّ بعض أصحاب المنازل التراثية، كانت لديهم نيّة الهدم لأهداف مختلفة، منذ ما قبل حدوث الإنفجار. وهم اليوم يحاولون إستغلال الظرف، ويقومون بالتخريب المفتعل وبتخفيف التدعيم، ولا يقبلون بمساعدة أي جهة تسعى لحماية أملاكهم من الإنهيار.
من هنا، دخل عدد من المواقع التراثية المهددة بالإنهيار في سباق مع الزمن. فبحسب مديريّة الآثار، بلغ عدد المباني الأكثر تضرّرًا المئة، ٨٥٪ منها ستبقى صامدة، إذ تمّ تدعيمها وتغطية أسقفها.
طرق وأساليب السماسرة
إنطلاقًا من عملها الميداني مع الأهالي المنكوبين، تكشف المهندسة المعمارية المُرمّمة غريس ريحان لموقع “أحوال”، عن الطرق والأساليب التي يعتمدها السماسرة الذين يحاولون شراء منازل بيروت التراثية. قبل صدور القانون ١٩٤، كان يتوجّه البعض إلى منزل تراثي معيّن ويضع عليه إشارة. وبعد مرور أيّام قليلة، يعود آخرون ليوهموا صاحب الملك بأنّ هذه الإشارة تعني بأنّ المنزل سيُدمّر، ويحاولون إقناعه بالبيع على أساس أنّه أوّلًا وأخيرًا لن يستفيد من رزقه.
لقد حدّ القانون ١٩٤من سمسرات البعض، ولكنّ هؤلاء لم يستسلموا. هم أوجدوا أطراً أخرى ليتاجروا بمصائب الناس، فإن لم يكن البيع بالجملة فليكن بالمفرّق.
هناك من يتوجّه اليوم إلى ما تبقى من منازل تراثية متضرّرة، ويعرض على أصحابها بيع الأثاثات والمواد المعمارية، من خشبيّات وقرميد ودرابزين الشرفات وغيرها. وتشدّد المهندسة غريس ريحان، على ضرورة توعية الأشخاص المعنيين، على أنّ هذه المواد أساسية في أعمال الترميم، وهي التي ستسمح بالمحافطة على شكل الهندسة المعمارية الأصليّة للمنزل.
المنظمات غير الحكومية
تكوّنت خليّة مؤلّفة من ٤٠ مهندساً معمارياً مُرمّماً، بادروا بأعمال المسح والتدعيم بعد إنفجار بيروت، وأطلقوا على تجمّعهم تسمية ” مبادرة بيروت لإنقاذ التراث العمراني ٢٠٢٠. هم اليوم مستشارون معتمدون من قبل مديرية الآثار، ويسعون إلى توجيه المنظمات غير الشرعية الناشطة على الأرض في عمليّة إعادة الإعمار. بالنسبة للتجمّع، المهم هو العمل ضمن الأصول الترميميّة التي تحافظ على الواجهة المعمارية الأصليّة بشكل عام، والتراثية بشكل خاص. فالمنظمات والجمعيّات الناشطة على الأرض، غير متخصّصة ولا تملك الخبرات اللازمة في هذا المجال. لذا، تشكر المهندسة المرمّمة غريس ريحان جهودهم عبر موقع “أحوال”، وتطلب منهم التجاوب والإلتزام بالتوجيهات والتوصيات، تجنّبًا لإنشاء “صيفي” ثانٍ.
وجه بيروت الحضاري والثقافي
يحزن عشّاق بيروت بتاريخها الحضاري ووجهها الثقافي، لتضاؤل حضور المعالم والملامح التراثية فيها، ويتطلّعون إلى أن تتكبّد عاصمتهم الحبيبة أقلّ الخسائر الممكنة بعد ما طالها الدمار مرّة جديدة في ٤ آب ٢٠٢٠. فقد عمدت جهات مختلفة بتفكيك هذا الإرث على مرّ الزمن، تارةً باسم التقدّم والتطوير، وطورًا بإسم توسيع الطرقات. تمامًا كما حصل قبل الحرب اللبنانية، في منطقة العكاوي وعين المريسة على سبيل المثال لا الحصر. أمّا بعد الحرب فالأمثلة كثيرة، ولا زلنا حتّى اليوم نسير على سكّة الهدم ذاتها.
بعد أن أصبح عدد المباني التراثية زهيدًا، يتمنّى المهندس المعماري فرنسوا عيد عبر موقع “أحوال”، بأن تتم عملية ترميم بيروت بمعايير واضحة، ومن خلال التنسيق والتعاون مع أصحاب الإختصاص. كما يجب أن نقف سدًّا منيعًا بوجه كل من يريد إستغلال ما حصل؛ من خلال هدم المنازل المصنّفة، لبناء أبنية لا هوية لها ولا تاريخ، أو من خلال إضافة طوابق عليها أو أيّة اقسام لا تمدّ بصلة لهندستها الأصلية.
مميزات البيت البيروتي
ارتكزت الهندسة التي كانت معتمدة في القرن التاسع عشر، على الطابع العثماني الذي كان سائدا آنذاك، والذي تأثّر بشكل مبسّط بالعمار الباروكي. مثالًا على ذلك، السراي الكبير الذي لا زال قائمًا في بيروت، والسراي الصغير الذي هُدم سنة الـ ٥٠ من القرن الماضي. أمّا البيوت فكانت متأثّرة في هندستها، بمدينة البندقية الإيطالية، لا سيما عنصر القناطر الثلاثة أمام شرفة صغيرة مع درابزين، الذي طبع شكل البيت اللبناني التقليدي، وبات موجودًا في معظم البيوت اللبنانية. ويؤكّد المهندس فرنسوا عيد، أنّ عددًا من هذه المنازال تحدّت الوقت ولا زالت صامدة حتّى تاريخنا هذا. لهذه الأسباب ولغيرها، لا يُمكن إعفاء أحد من مسؤولية حماية إرثنا الحضاري.
ناريمان شلالا