هل يحصد لبنان نتائج التسوية المتوقعة على الخط الأميركي- الإيراني؟
يعتقد لبنانيون، نخبويون وسياسيون، ألاّ حل لعقد التأليف الحكومي قبل تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن زمام المسؤولية في البيت الأبيض. يعرف هؤلاء أنّ لبنان ليس على أجندة الآتي إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. تشير كل المعطيات أنّ الأميركيين يتوارثون مسار التعاطي مع لبنان من دون تمييز يُذكر بين نهج الحزب الديمقراطي الذي يتحضّر للحُكم، وبين طريقة عمل الحزب الجمهوري الذي يستريح بعد خسارة مرشحه دونالد ترامب في تثبيت رئاسته مرة ثانية. لكن الاختلاف في مقاربات ملفات الإقليم، ستطال بطريقة غير مباشرة لبنان.
يعرف الأميركيون أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهتم بالساحة اللّبنانية لاعتبارات تاريخية، اقتصادية لها علاقة بمساحات الغاز والاستثمار الفرنسي الموعود بها، وسياسية نتيجة السباق بين باريس وأنقره على ساحات شرق المتوسط. لذا، سيكون بايدن داعماً لباريس في خطواته اللّبنانية، وهما عبّرا في اتصالهما، عن حُسن وطيب علاقتهما. أساساً، كان عانى ماكرون من توجهات ترامب خلال أربع سنوات مضت. كانت فرنسا تترقب تغريدات ترامب، كما حال الأميركيين في كل المؤسسات ومواقع المسؤوليات، لمعرفة قرارات وسياسات واشنطن إزاء ملفات غربية أو عالمية. الآن، عادت للهيكلية المؤسساتية الأميركية أدوارها، وتنفست الدولة العميقة الصعداء بعد فوز بايدن، واطمأن ماكرون إلى أنّ دور بلاده سيعود فاعلاً في عدد من ملفات العالم، وخصوصاً في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط.
لا يبدو أن الرئيس الأميركي المُنتخب سيعتمد سياسة الرئيس السابق باراك أوباما في الإقليم، لا مع إيران ولا سوريا ولا دول الخليج. تشير كل المعطيات إلى أنّ بايدن ينتهج الوسطية في مقارباته لكل السياسات الأميركية في الخارج. هو سيكرّر بطبيعة الحال سياسة البدء من جديد مع روسيا. هكذا يفعل كل رئيس أميركي فور بداية عهده، فيبدأ بتصفير العلاقة مع موسكو، للبدء معها من جديد بانفتاح. بايدن لن يلغي دور الروس، ولن يكون متساهلاً معهم، في الوقت نفسه. كذلك الأمر ينطبق على الصين. أمّا إيران، فهو لن يستنسخ الاتفاق الذي عقده أوباما معها، بدليل عدم استعانته بأي شخص عمل ضمن فريق أوباما سابقاً. هو إستبعد كل ذاك الفريق الديمقراطي الذي كان صاغ الاتفاق النووي مع طهران منذ سنوات. لكنّه لم يعيّن صقوراً ضمن فريق عمله، بل وسطيين.
تعني كل تلك المعطيات أنّ بايدن سينفتح على كل الإتجاهات، لكن يقلقه حجم شعبية ترامب داخلياً، ممّا يعزز من بقائه في الوسطية السياسية بشكل لا يستفز فيه أي جمهور أميركي لا بشأن ملفات الولايات المتحدة، ولا حول السياسات الخارجية. فإذا أوحى بايدن أنّه كسر قرارات ترامب فور تسلّمه السلطة، فهو لن يسلم من مشاكسة جمهورية وترامبية لتحشيد الجماهير الأميركية ضد توجهاته.
أين لبنان؟ هل ينتظر الالتفاتة الأميركية إليه؟ أم يترقب حصد نتائج التسوية المتوقعة على الخط الأميركي- الإيراني؟ ماذا لو طالت تلك التسوية؟ هل يتحمل لبنان انتظاراً طويلاً يمتد أشهراً؟
لن يتحمل لبنان أبداً الاستمرار في المراوحة، في ظلّ ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة. ممّا يحتّم الاستجابة للمبادرة الفرنسية. لكنّ الضغوط الباريسية لم تثمر في بيروت. بحسب المعلومات، فإنّ الأميركيين لا يدعمون ولا يعرقلون مسار تأليف الحكومة، كذلك تفعل عواصم الخليج بتحييد نفسها عن مجريات الساحة اللّبنانية. مما يؤكّد أنّ الانتظار لا يفيد، وأنّ المطلوب تجاوب لبناني مع مطالب بتّ أمر الحكومة العتيدة. فلا يمكن توقّع حلول البركة ولا السحر لا من واشنطن ولا من باريس. بل إنّ العقدة موجودة حصراً في بيروت، والحلّ يتواجد في هذه العاصمة، لا غير، في حال أراد اللّبنانيون. لا تعوّلوا على بايدن، فإذا أراد التدخل لبنانياً، فلن يكون الأمر إلّا عبر دعم مبادرة ماكرون. وإذا أراد إنجاز تسوية مع إيران فلن تكون قريبة ولا سهلة.
عباس ضاهر