بالأرقام: الأزمة الاقتصاديّة ترفع نسب الطلاق في لبنان
32 عاماً معدّل سن الزواج لدى المرأة ونسبة الإناث والذكر متساوية في لبنان
أدّت الأزمة الاقتصاديّة الماليّة والمعيشيّة التي يمرّ بها لبنان منذ أعوام، وتفاقمت في عامي 2019 و2020، الى مشكلات اجتماعية كبيرة جداً لم نكن نشهدها في الأعوام الماضية، أبرزها تراجع نسب الزواج مقابل ارتفاع في نسب الطلاق، حيث تظهر الأرقام الرسمية، أنّ عقود الطلاق في لبنان شهدت ارتفاعاً في سنة 2020 الجارية مقارنةً بعام 2019 بنسبة 25 في المئة.
ويوضح الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”أحوال” مسار الارتفاع في نسب الطلاق خلال الأعوام الماضية.
يقول: “في عام 2009 سُجّل 40 ألف و565 عقد زواج مقابل 5 آلاف و957 عقد طلاق
وفي عام 2015، ارتفعت عقود الزواج الى 41 ألف و417 مقابل ارتفاع عقود الطلاق الى 7 آلاف و505 عقد
أمّا في عام 2019 فانخفضت عقود الزواج الى 34 ألف و67 وارتفعت عقود الطلاق الى 7 آلاف و646”.
أرقام رسمية
ويشير الى أنّه “بالمقارنة بين هذه النسب منذ عام 2009 الى عام 2019، تبيّن أنّ عقود الزواج ارتفعت بنسبة 16 في المئة بينما ارتفعت عقود الطلاق بنسبة 28 في المئة. ومنذ بداية السنة الحالية حتى أيلول منها بلغت عقود الزواج 22 ألف بينما بلغت عقود الطلاق 8 آلاف و100، ما يُظهر ارتفاع كبير بنسبة الطلاق وتراجع في عقود الزواج”، بحسب شمس الدين الذي يضيف: “في التدقيق في هذه العقود، يتبيّن أنّ 65 في المئة من عقود الطلاق تعود الى ثلاثة أعوام أو أقل، أي أنّها عقود جديدة وليست قديمة”. وبالتالي هذه ظاهرة لافتة وفق شمس الدين، ويُفترض من الباحثين في القضايا الاجتماعية أن يتنبّهوا لها، بحيث يُمكن أن نشهد تراجعاً في تكوين الأسر اللبنانية، فضلاً عن تداعيات الطلاق على الأولاد ما يؤدي الى مشكلات اجتماعية كبيرة.
أمّا المقارنة بين عام 1999 الى عام 2019، تظهر أنّه خلال الأعوام العشرين الماضية ارتفعت معدلات الزواج بنسبة 22 في المئة بينما عقود الطلاق ارتفعت بنسبة 137 في المئة. ويقول شمس الدين: “كنا نشهد في الماضي 5 آلاف و500 حالة طلاق في العام فيما باتت حالات الطلاق 8 آلاف و500، كارتفاع متوسط خلال العقود الماضية، وهذه نسبة مرتفعة جداً. كذلك ارتفعت نسبة الطلاق في سنة 2020 الجارية حتى أيلول مقارنةً بعام 2019 بـ25 في المئة. وقد تكون نسبة الطلاق أكبر ولم نعلم بحالات طلاق عدة، لأنّ هناك من يسجّلون طلاقهم جرّاء الحجر أو لأنّهم لم ينجبوا أولاداً”.
بحسب شمس الدين “هذه الأرقام الرسمية تشمل جميع اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق. وإنّ نسبة الطلاق لدى المسلمين أكبر من تلك لدى المسيحيين، نظراً الى طبيعة الأحوال الشخصية لدى المسلمين التي تسمح بالطلاق فيما أنّ أمام الطلاق لدى المسيحييين صعوبات وعقبات متعدّدة”.
أسباب ارتفاع نسبة الطلاق
وإذ يؤكد شمس الدين، أنّ “للأزمة الاقتصادية – المعيشية تأثير مباشر وكبير في تراجع عقود الزواج وارتفاع عقود الطلاق”، يشير الى “أنّنا لم نتمكّن من لمس تأثير الحجر الصحي على هذه النسب حتى الآن، إذ إنّ هذه المشكلة بدأت قبل بروز فيروس “كورونا”، وذلك منذ عامي 2018 و2019”.
ويتخوّف في حال استمرّت الأزمة، من أن “يحصل ارتفاع أكبر في نسب الطلاق، فهناك نمط اجتماعي معيّن لدى اللبنانيين في عقود الزواج، وإنّ الأزمة الاقتصادية تجعلهم يتخلون عن كثير من هذه الأمور، ما يدفع كثير من الأشخاص الى أن يفضلوا التخلي عن فكرة الزواج من أساسها على أن يتخلوا عن بعض الأمور المرافقة للزواج من احتفالات وغيرها”. لذلك، يرى شمس الدين، “أنّنا أمام تحدٍ اجتماعي كبير جداً سيؤدي الى تبدُّل في المفاهيم والأولويات لدى اللبنانيين”.
كذلك، إنّ توقف دعم القروض السكنيّة من مصرف لبنان كان له أثر كبير على نسب الزواج، وفق شمس الدين، حيث بات هناك صعوبة في توفير مسكن. ويشير الى أنّ ” كثر من اللبنانيين كانوا في الماضي يسكنون في السنوات الأولى من الزواج لدى الأهل، ولاحقاً يوفرون مسكناً خاصاً، أمّا الآن فهناك صعوبة لدى اللبنانيين واللبنانيات في أن يتقبلوا هذه الفكرة. لذلك، إذا استمرت الأزمة سنشهد تراجعاً في الزواج وارتفاعاً في الطلاق، وبالتالي تراجع في تكوين الأسر، وهنا قد نشهد تراجع في نمو السكان الذي إذا أضيف الى عامل الهجرة قد تنحو الهيكلية الديموغرافية للشعب اللبناني نحو ارتفاع في معدلات الأعمار وتراجع أعداد الشباب”.
ويعتبر شمس الدين، أنّ “هذا مؤشر خطير، لأنّ الشباب هو المنتج في المجتمع. ويجب رصد هذا الأمر منذ الآن، وعلى مدى عشر سنوات يبدأ تأثيره في الظهور، ولا يمكن إدراك هذا الأمر في غضون سنة أو سنتين، لكن في حال استمر هذا الوضع لسنوات مقبلة سيتظهّر بالتأكيد، بحيث هناك هجرة وتراجع في الزواج وتراجع في معدلات الولادات وبالتالي تراجع في الفئات الشابة وارتفاع في نسبة من هم في أعمار مرتفعة، ما يؤدي الى مشكلات اجتماعية واقتصادية خطيرة، وبالتأكيد إنّ لبنان لا يمكنه أن يصبح مثل أوروبا وأن يستورد يد عاملة مهاجرة، وهذا مؤشر الى تراجع حيوية الشعب اللبناني”.
ويتوقع “ارتفاع نسب الطلاق في السنوات المقبلة بسبب الأزمة الاقتصادية، وقد يكون الحجر الصحي بسبب “كورونا” عاملاً مؤثراً لارتفاع هذه النسب أيضاً، وإنّ استمرار هذا الوضع في الأشهر المقبلة قد يؤدي الى ارتفاع معدلات الطلاق وإحجام الناس عن الزواج”.
أعداد الذكور والإناث متساوية
بالنسبة الى تأخر سن الزواج، إنّ تطور الحياة الاجتماعية والمشكلات الاقتصادية وحرية المرأة الى حدٍ ما، أدت الى ارتفاع سن الزواج، حيث كان سن الزواج المتوسط للمرأة في العقود الماضية 24 عاماً فيما بات الآن 32 عام، بحسب شمس الدين، وذلك نتيجة التحرر الاجتماعي والظروف الاقتصادية وانخراط المرأة في سوق العمل.
أمّا الحديث عن أنّ أعداد النساء تفوق أعداد الرجال في لبنان وأنّه مقابل كلّ ذكر هناك 4 إناث، فهو كلام غير علمي ولا يتفق مع الأرقام الرسمية الفعلية، وفق شمس الدين، إذ إنّ نسبة الولادات السنوية من الذكور أكبر من ولادات الإناث، لكن وفيات الذكور نتيجة العمل وعوامل أخرى هي أكثر من وفيات الإناث، وبالتالي نصل الى عدد متساوٍ بين الذكور والإناث.
وعلى سبيل المثال، في عام 2019، بلغت ولادات الذكور 44 ألف و374 فيما بلغت ولادات الإناث 42 ألف و210، في المقابل بلغت وفيات الذكور 14 ألف و80 وبلغت وفيات الإناث 12 ألف و264، ما يؤدّي الى أعداد متساوية بين الذكور والإناث. ويُشير شمس الدين الى أنّ هذه النسب لا تتغير كثيراً في الأعوام كلّها.