“فضفضة” بين الحليفين المتباعدين
شكل خلاف التيار الوطني الحر وحزب الله حول انعقاد حكومة تصريف الأعمال مناسبة لـ”الفضفضة” من قبل الطرفين، بحيث ضجت الغرف المغلقة لدبهما، وأحياناً المشرّعة، ببوح المكنونات التي كانت من النوع الكاتم للصوت، إلى حين الخلاف الاخير.
بهذا المعنى، هناك في التيار من يعتبر أن ما قدمه الجنرال ميشال عون والنائب جبران باسيل لحماية تفاهم مار مخايل لم يكن يستحق من الحزب أن يشارك في جلسة حكومية تخالف الميثاقية والشراكة وتصادر موقع رئيس الجمهورية وصلاحياته وفق التيار، “وليس هكذا يُكافأ الرجلان على تضحياتهما وخياراتهما الشُجاعة”.
ويلفت المتحمسون للتيار إلى أن عون وباسيل تحملا كلفة تغطية حزب الله وسلاحه مسيحياً ورسمياً عبر خطابهما السياسي ورفضهما الخضوع للضغوط التي تعرضا لها لفك تحالفهما معه، فكان الثمن محاصرة عون إقليمياً ودولياً خلال ولايته وإدراج باسيل على لائحة العقوبات الأميركية، إضافة إلى خسارتهما جزءاً من الشعبية في البيئة المسيحية، “الأمر الذي اقتضى ان يكون موضع تقدير لا العكس”.
كذلك يُحمّل هؤلاء الحزب جزءاً من المسؤولية عن إخفاق عهد عون في مكافحة الفساد وبناء الدولة، مشيرين إلى أنه غلّب تحالفاته السياسية الداخلية والاعتبارات المتعلقة بحماية سلاحه على مشروع الإصلاح، “ما سمح للمنظومة بأن تصمد وتعاود الانتعاش من جديد”.
في المقابل، يعتبر القريبون من الحزب أن الإنصاف يقتضي الإقرار بأن الحزب هو الذي ساهم في إخراج التيار من العزلة وليس العكس عندما تحالف معه بعد عودة عون من المنفى فيما واجهته آنذاك كل المكونات السياسية التي كانت مندرجة ضمن 14 آذار ورفضت دخوله إلى الحكومة أو الاعتراف بحجمه الشعبي محاولة عزله والاستفراد به.
ويلفت مؤيدو الحزب في مجالسهم إلى أنه هو الذي ساهم بشكل أساسي في ترميم التوازن واستعادة الحقوق السياسية المسيحية في مؤسسات الدولة عبر وقوفه الدائم إلى جانب التيار في معارك تصحيح التمثيل المسيحي وحرصه على إعطاء التيار ما يستحقه في الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة، “الأمر الذي لم يكن مستساغاً من حلفاء الحزب الآخرين.”
ويشير داعمو الحزب إلى أنه ذهب في احترامه لحيثية التيار إلى درجة الاصرار سنتين ونصف السنة على تأييد ترشيح عون إلى رئاسة الجمهورية كونه الأكثر تمثيلاً للمسيحيين وصاحب المشروعية الأكبر في تولي الرئاسة.
ويضيفون: “لقد تمسك الحزب بهذا الخيار حتى النهاية، ما تسبب في خلاف غير مألوف مع الحليف الاستراتيجي الرئيس نبيه بري الذي رفض التصويت لعون، “فهل هناك صدقية أكثر من ذلك سلوك الحزب واحترامه للتفاهم؟”.
ويلفت أنصار الحزب أيضاً إلى أنه كان له الدور الوازن في الترسيم البحري الذي يُصنف من أهم إنجازات عهد عون، “كذلك كان الحزب حريصاً في الانتخابات النيابية الاخيرة على تعزيز قوة التيار من خلال تصويت قواعده للمرشحين البرتقاليين إلى جانب رعايته لتقاطعات موضعية بين حركة أمل والتيار الحر في بعض الدوائر الانتخاببة”.
هكذا، يتبيّن مما يتسرب عن المجالس الخاصة أن كلا من التيار والحزب أفاد الآخر خلال 16 عاماً من التحالف، وبالتالي فإن تفاهم مار مخايل أدّى غرضه طيلة المرحلة السابقة، وما يحصل حالياً يؤشر إلى أنه بات من الضروري تحديثه وتكييفه مع متطلبات المرحلة الجديدة، علماً أن هناك من يفترض أن مواجهة التحديات الحالية والمقبلة أصبحت تستوجب لقاء مصارحة بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون بغية إجراء مراجعة شاملة والتأسيس لمقاربة مستقبلية توفق بين أولويات كل منهما، “خصوصاً أن ما يجمعهما ويربطهما لا يزال يصلح ان يكون حجر زاوية يبنى عليه”.
عماد مرمل