“التنمية والعولمة المستبدة”: لماذا لا يسمي كامل مهنا الأحزاب بديلاً؟
شكّلت مؤسسة “عامل” ومديرها كامل مهنا علامة فارقة في العمل المدني والاجتماعي اللّبناني خلال أكثر من ثلاثة عقود. عمل المؤسسة طرح عدد من الإشكاليات التقنية والعلمية والسياسية وفكرة البديل عن الدولة، رغم أنّها قد ساهمت في رفع بعض الظلم والجوْر من سياسات الاقتصاد اللّبناني المتعثّر والمتدهور دوماً، ويبقى السؤال هل هذه هي الطريق للحلّ الشافي والخلاص من الفقر؟.
كتاب “أبعاد التنمية والعولمة المستبدّة، مؤسسة عامل الدولية والقطاع المدني في لبنان” الصادر عن المؤسسة ودار الفارابي، بقلم مدير عام المؤسسة كامل مهنا.
يطرح مهنا جملة من العناوين والملفات ويلخص بنفسه فحوى الموضوع – الاشكالية بأنّه قد اعتمد “أسلوب التفكير الإيجابي، والتفاؤل المستمر، والتغاضي عن الجوانب السلبية، والتلاقي على قاعدة العقلانية والحوار، هذا الأسلوب سعيت له، وناضلت في سبيله، خلال السنين الطويلة، وقد يكون ذلك من أسباب استمرار “مؤسسة عامل”، كمؤسسة مدنية قضيّتها الدائمة الإنسان وإنسانيته، بعيداً عن الارتهان أو الابتزاز”.
ويضيف مهنا “بعد انعكاسات مشاريع التنمية والعولمة على شعوب الدول النامية، تهميشاً لفئات واسعة من المجتمع، وتراجعاً لدور الدولة الاجتماعي، أرى أنّ منظمات المجتمع المدني لها دور أساسي في بناء المواطن – الإنسان ورفض تنفيذ أجندات لمصلحة الخارج، وهي مطالبة بالمشاركة في مواجهة واقعنا المرير، والتفاعل مع ما يجري داخل الوطن العربي وخارجه خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والمساهمة في تكوين المواطن المشارك بفعالية في المجتمع، لا المحتمي بمتاريس الطوائف”.
من حيث المبدأ لا بدّ من إعطاء الأولوية لحل المشكلات الاجتماعية الكبيرة، لاسيّما مسألة التفاوت الطبقي والمناطقي والجندري، فقراء وأغنياء، المدينة والريف، الرجل والمرأة، معالجة مشكلات الشباب، وكل ذلك ضمن خطّة متكاملة يشارك فيها ممثلو المجتمع المدني مع الحكومة والقطاع الخاص، ومواءمة عملية التحرّر الوطني مع الكرامة الإنسانية، على قاعدة مشاركة الجميع في إدارة العملية التنموية، وتمكين الناس من التمتع بحقوقهم، عبر عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع، وعولمة النضالات الاجتماعية في مواجهة العولمة الاقتصادية المستبدة.
إذن وفي هذا الكتاب – الدراسة، يُوَصف د. كامل مهنا لبؤس العولمة عبر تفصيل مشاريع التنمية في العالم وانعكاساتها على القطاع المدني، وعلاقة “مؤسسة عامل” التي يرأسها بكلّ ذلك وعلاقة كلّ ذلك بالعولمة، وهو إذ يهدف لفتح النقاش على الأفكار والمعالجات، وتقديم الحوافز وإثارة الاهتمام أكثر بالعمل التطوّعي، وتنشيط محّركات تطوير العمل أكان داخل مؤسسته أو في أوساط الجمعيات الأهلية اللّبنانية الأخرى، لتلبّي حاجات الناس.
ويعتبر، في كتابه هذا “أنّنا نعيش في حالة طوارئ اجتماعية، لا بدّ من التعامل معها بتيقظ واستنفار دائم، ومن خلال التجارب والتدليل الحسّي يؤشر إلى أنّ ظاهرة العولمة في طريقها إلى الانهيار، خاصةً بعدما انعكست سلباً على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والصحية في العالم وأدّت إلى كوارث انسانية في العديد من المناطق، ويؤكد على ذلك من خلال مواقف وأحداث في المشهد العالمي، وما يحدث من تغيّرات خلال العقدين الأوّلين من القرن الحادي والعشرين، وما برز في المؤتمرات العالمية المتوالية التي عقدتها منظمة الأمم المتحدة، لا سيّما الترويج العالمي لقيم جديدة، بمعنى عولمة قضايا الحريّات والديموقراطية وحقوق الإنسان.
ويتحدث عن القطاع الأهلي أو القطاع الثالث أو القطاع المدني، لتفعيل دوره في عملية التنمية، باعتباره الشريك الثالث للدولة والقطاع الخاص، وما يرتبط بهذا الدور من تهيئة البيئة التشريعية والسياسية، في اتجاه تقوية هذا القطاع وتوسيع حضوره، من خلال ما عرف بمواثيق الشرف الأخلاقية.
كما يتطرق إلى المشاركة الفاعلة للجمعيات والمؤسسات الأهلية العربية، في كلّ هذه المحافل العالمية، إلى جانب تنظيم عشرات المؤتمرات في المنطقة العربية، التي عبّر عنها البعض بأنّها “صحوة القطاع المدني العربي”، وترافق معها تغيّر لغة الخطاب السياسي في اتجاه دعم الشراكات، لتفعيل دور القطاع الأهلي في عملية التنمية.
ويرى أنّ الألفية الثالثة بدأت بالكثير من التفاؤل في مستقبل القطاع المدني، خصوصاً مع عشرات الشبكات الأهلية العالمية والإقليمية والعربية، لكن كلّ ذلك تبخر مع انفجار الثورات العربية من عقدٍ من الزمن وطارت أحلام التغيير من خلال هذا المسار.
الكتاب يلقي الضوء على أهمية التنمية والدور السلبي الذي تلعبه العولمة “المستبدة”، ولكن ذلك لا ينسينا ضرورة وأهمية قيام أحزاب عامة وشاملة أشمل من الجمعيات والمؤسسات الأهلية تُخضِع كل المفاهيم والأطر لقاعدة أيديولوجية من أجل تطور وتقدم الإنسان في كل مكان وخاصةً في البلاد العربية ولبنان من ضمنها.
عامر ملاعب