مجتمع

سيكولوجيا الجماهير: من غيّب القيادة عن ثورة 17 تشرين؟

بقلم سوزان الجوهري
كتاب شيق لعالم النفس الاجتماعي ومؤسس علم نفسية الجماهير الفرنسي “غوستاف لوبون” المولود في منطقة النورماندي سنة 1841، وهو من أشهر كتبه، رغم نشره لما يزيد عن خمسين كتاباً.

عاصر “لوبون” مرحلة خروج فرنسا مكسورة بحربها مع ألمانيا عام 1870، وقبلها الكثير من الثورات وارتداداتها، مما ترك أثرها فيه، وجعلته يبحث في علم النفس الاجتماعي عن تساؤلاته فدرس سلوك المجموعات، وليس الافراد، وما يعرف بالجماهير كالطبقات والأقليات والطوائف والأحزاب إلخ…. وكان كتابه “سيكولوجيا الجماهير” الذي صدر عام 1895.

كما هو معروف بأننا لا نستطيع أن نفصل الانسان عن محيطه، وبيئته التى تربى عليها ، والأقلية من استطاعوا أن يتفردوا، وهم على الأغلب مع أنفسهم أكثر مما هم مع المجموعة.

يتفق فرويد مع غوستاف لوبون على أن أي فرد يدخل في مجموعه تظهر جوانب من شخصيته كانت مخباة حتى عنه، ويغيب عندها ذكاءه وتفرده، وهذه العلاقه بين الفرد والمجتمع تعرف “بعلم النفس الإجتماعي”.
كتب عنه أرسطو، وأفلاطون، وابن خلدون ولاحقاً من تلاهم في عصر النهضة مثل هوبز وجان جاك روسو وفورييه وغيرهم.

إن تحوّل الفرد الى كائن اجتماعي يعتمد على مخزونه الثقافي والديني والسلوكي ودائرة الفرد العاطفية، وكيفية قدرته على التواصل، وفور تحوّل الفرد باتجاه الروح الجماهيرية يتغيّر تلقائياً فيصبح اكثر بدائية وبعداً عن المنطق والعقلانية، وتنتج عنه تصرفات لم يكن يتخيّل للحظة انه مستعّد للقيام بها، كالتخريب والقتل واحياناً تصل الى أعلى درجات الرقي والثورية، وكل ذلك يتم بإيعاز من القائد الذي يستلب عقول الجماهير، ويستخدم عبارات وصور وشعارات حماسية، بعيدة عن المنطق والعقلانية ويحرّك الجمهور، وكأنهم منوّمين مغناطيسياً، فيمتلك طاقتهم باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة.

إلا أن الجماهير وحسب رأيه، رغم لا عقلانيتها إلاّ أنها محافظة وقادرة على إعادة ما غيرته، لأن ماضيها أقوى من حاضرها وتحاسب بقوة من فشل في وصولها لأهدافها المنشودة.

ومن المعروف أن كلا اليمين واليسار قد استفادوا من هذا الكتاب في أعمالهم الدعائية، وطرق مخاطبتهم لجماهيرهم، وتعلموا منه كيفية وضع مسافة وأقنعة للظهور كما يطمحون، لا كما هي حقيقتهم، فيظهرون أقوياء وذوي إرادة صلبه وقادرين على التأثير على روح الجماهير.
وهناك شخصيات قيادية بتركيبتها، ولها هيبة، إستطاعت فرض نفسها والوصول أسرع من غيرها إلى عقول وقلوب الجماهير.

قيل بأن لوبون عنصري، لكنه كان يقول بأن مسار الحضارة دائري، وأثبت التاريخ زوال حضارات، وبروز أخرى، ولا يستبعد ظهور حضارة للزنوج كما للعرب، ولو انها تحتاج الى قفزات، وليس درجة واحدة.

ويقول “هذه هي دورة الحياة الخاصة بشعب ما: أي الانتقال من حالة البربرية الى حالة الحضارة عن طريق ملاحقة حلم ما، ثم الدخول في مرحلة الانحطاط ، والموت ما ان يفقد هذا الحلم قوته.”

ويضيف في مكانٍ آخر بأن “الجماهير تشبه المركب الكيماوي الذي ينتح عن صهر مجموعة من المعادن، ولكن تجمعهم عاطفة مشتركة، بلا أي تمايزات شخصية، لأن مستوى الملكات العقلية والذكاء تخفتان وتصبحان روحاً واحدة، وبأن أنماط التفكير نوعان:

الأولى تستخدم الفكرة المنطقية، التي تقوم على العقل والبراهين.
والثانية تستخدم الصور المجازية وعلى الذاكرة والخيال والتحريض
واكبر اخطاء السياسيين والزعماء عندما يحاولون إقناع الجماهير بالعقلانية والحجج والبراهين المنطقية، لأن الجماهير تحب الصور الإيحائية والشعارات الحماسية فهي تلهب مخيلتها، وتجعلها مأخوذة ومتماهية مع القائد بما يشبه السحر”.

ويقول كذلك بأن “كل الأديان والثورات قد نجحت باستخدامها هذا النمط في القيادة، وكثر من تحاسبوا وسقطوا من قبل الجماهير بعدما رفعتهم “.

حاولت أن أقيس منهجيته على ثورة 17 تشرين، والإصرار على تغييب القادة عنها، وإرتداد اكثريتهم لأنهم محافظين وماضيهم أكثر أمنا من حاضرهم، وعلى كل من استلم قيادة البلاد منذ السبعينيات حتى اليوم، وهل من الصعب الارتداد على كل من يمتلك إمكانية، وقرار التغيير في لبنان؟.

ومن نجح في الاستفادة من وصفة غوستاف لوبون بتنويم الناس مغناطيسياً عبر خطابات لم تحسّن للحظة شروط الحياة الإنسانية في وطننا؟.

بانتظار أن ينبثق من هذا المجتمع قائد فذ قادر على تصويب الدفة بالتركيز على عيش الشعب بكرامته وإنسانيته…

علينا العمل على رفع الوعي الجمعي كي نتقن اختيار من يمثلنا كمواطنين..

حقنا أن نحلم ونحلم ونحلم… بوطن جميل وحرّ بأفراده وأرضه وفضاءه.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى