سياسة

هل تفتح الإصلاحات باب الاتفاق مع “الصندوق” والانفراج الاقتصادي؟

الخارج سيمّول لبنان بدل "المركزي" وحتى الرغيف... ما مصير الودائع؟

لم يكن محضُ صدفة إقرار مجلس النواب موازنة 2022 بعد أيام على زيارة بعثة صندوق النقد الدولي الى لبنان والاجتماعات المكثفة التي عقدتها مع المسؤولين، لكن الاتفاق بين الحكومة وصندوق النقد لايزال بعيد المنال، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كإقرار الموازنة ورفع الدولار الجمركي وتوحيد سعر الصرف على 15 الف ليرة وتوجه المجلس الى تعديل قانون السرية المصرفية الذي رفض رئيس الجمهورية اقراره، وكذلك إحالة قانون “الكابيتال كونترول” وإعادة هيكلة المصارف وخطة التعافي المالي الى مجلس النواب لطرحها في الهيئة العام قريباً وفق معلومات “أحوال”.

أما الحلول لأزمة الودائع فمرتبطة بخطة التعافي والاتفاق مع الصندوق.

فهل يفتح إقرار هذه القوانين والإجراءات الإصلاحية باب الاتفاق مع الصندوق وبالتالي نافذة الانفراج الاقتصادي؟ وهل هناك اتفاق بين الجهات المسؤولة عن الانهيار على خارطة طريق واحدة للحل وتلافي الانفجار الاقتصادي؟.

الأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا شماس يشير في حديث لـ”أحوال” الى أن الهيئات قدمت خطة متكاملة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية لا سيما أزمة الودائع لاستعادة النهوض الاقتصادي والثقة لكن لم يتم الأخذ بها حتى الساعة رغم الاجتماعات المستمرة مع الحكومة والمصارف وصندوق النقد الدولي.

وقال شماس: “طلبنا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من عشرة أشهر رفع الدولار الجمركي لكن كون القدرة الشرائية معدومة بسبب ارتفاع سعر الصرف والتضخم الذي بلغ 1000 في المئة وأزمة المداخيل، عرضنا رفعه الى 8 أو 10 آلاف ليرة ولو وافقت الحكومة آنذاك لما كنا وصلنا الى هذا الوضع”.

ويشرح شماس مجموعة عوامل داخلية وخارجية دفعت بالأوضاع الى التدهور بسرعة: “زاد الاستيراد بظل الأزمة العالمية، 400 مليون دولار محروقات شهرياً، صعوبة بالتوريد بعد حرب أوكرانيا وإجراءات كورونا بالصين، تضاعف أسعار الشحن البحري 5 أضعاف وزيادة فاتورة الاستيراد وزاد الاستهلاك في لبنان”.

ويوضح شماس أن تمويل الانفاق اللبناني وبنود الموازنة هو خارجي لعدة أسباب:

*لا ضرائب في ظل تراجع النشاط الاقتصادي
*عدم قدرة المصارف على تمويل الدولة
*لم يعد باستطاعة مصرف لبنان تمويل الدولة بعدما حظر صندوق النقد ذلك بسب الفساد، كاشفاً أن “المادة 91 من قانون النقد والتسليف التي تسمح للمصرف المركزي بتمويل الدولة بشروط معينة، ستلغى وقريبا سيحال مشروع قانون الى مجلس النواب”.

ويضيف: “ما قال ميقاتي كان صحيحاً بأن كل أبواب التمويل الداخلي مقطوعة، وهذا ما سمعته من صندوق النقد أن كل عام سيتمول لبنان من الأسرة الدولية بين 5 و7 في المئة من الناتج المحلي، إذا كان الناتج 20 مليار دولار سيكون التمويل مليار ونصف لتمويل الموازنة، وحتى الرغيف اللبناني سيمول من الخارج، فلا إمكانات لإطلاق عجلة النمو، وتكاد تخلو الموازنة من كلمة النمو”.

خبراء اقتصاديون يحذرون عبر “أحوال” من أن “البنود التي أقرت بالموازنة ستنفخ الكتلة النقدية بالليرة بسوق التداول، وكلما انخفضت الكتلة النقدية بالدولار بمصرف لبنان سيرفع سعر الصرف الآيل نحو الارتفاع في ظل غموض المشهد السياسي.

وترفض الهيئات الاقتصادية وفق شماس خطة التعافي المالي التي أقرتها حكومة الرئيس حسان دياب والتي تشطب جزءاً كبيراً من الودائع وتحجم القطاع المصرفي وتستبدله بخمسة مصارف برأسمال 20 مليون دولار لكل منها، وهذا جهل كامل بالواقع المصرفي والاقتصادي والاجتماعي، لذلك “نعول على الحكومة الخروج من عقلية شركة لازار، بموضوع شطب الودائع والقطاع المصرفي، ولدينا كهيئات اقتصادية خطة بديلة وعرضناها على الرؤساء الثلاثة، تتقارب مع خطة الحكومة وحتى مع صندوق النقد، ويجب توزيع المسؤوليات بطريقة تراتبية: الدولة والمصرف المركزي ثم المصارف التجارية”.

ويبين رئيس الهيئات الاقتصادية بأن “الفجوة المالية بلغت 78 مليار دولار، ووفق خطة الحكومة نحمل الدولة مليارين والمصرف المركزي 5 مليار والمصارف والمودعين 65 مليار وهذا غير عادل، نحن والحكومة يجب أن نضمن الودائع من 100 الف دولار وما دون كلياً، لكن بخطتنا علاج للحسابات ما فوق المئة ألف دولار ايضاً، وهنا الخلاف الأبرز مع الصندوق الذي اعتبر أن عدد الحسابات فوق المئة ألف هو ضئيل، لكنه يبلغ 174 ألف حساب من جامعات ومنظمات وجمعيات ونقابات مهنية وشركات تجارية وصناعية، وإذا تستعيد أموالها فسنكون أمام كارثة بالبلد، والخطة التي وضعناها تهدف الى استعادة الجزء الاكبر من الودائع أي 74 بالمئة منها على أساس أن تتحمل الدولة المسؤولية الأكبر، لأن الدولة ليست مفلسة ولديها أصول وقطاعات”.

ويضيف: “طرحنا 5 قطاعات ومؤسسات (المرفأ والسوق الحرة والكازينو والكهرباء والاتصالات، وإذا أحسن إدارتهم من القطاع الخاص يدخلوا الى الخزينة 3 مليار دولار بالسنة، هذا عدا عن قطاع النفط والغاز”.

ويلمس شماس تصلباً في موقف صندوق النقد في الزيارة الأخيرة الى لبنان، وأبلغناه خلال اجتماعنا معه كهيئات أن تعثر إقرار خطة التعافي يعود الى أزمة الودائع وتردد النواب من التصويت على شطب القسم الأكبر من الودائع، وأن والعنف المصرفي يعود الى خوف المودعين على ودائعهم، ويضيف أن قانون “الكايتال كونترول” لا علاقة له بالودائع بل بتنظيم السحوبات المصرفية والتحويلات المالية.

لكن شماس يؤيد ما قاله نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بأننا “لسنا مقفلين على استخدام أصول الدولة بشروط تنفيذ خطة التعافي وعدم ارتفاع الدين بشكل كبير وإن بقيت المساعدات الاجتماعية قائمة”، ويشير شماس الى “بيان صندوق النقد الأخير عدم ممانعة الصندوق استخدام أصول الدولة بشكلٍ محدود”، ما يفتح كوة لاسترداد الودائع”.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى