الاستحقاق الرئاسي: رفع أسعار قبل المساومة!
على رغم اننا أصبحنا في قلب المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية والتي تمتد من 1 أيلول حتى 31 تشرين الأول المقبل، الا ان التعاطي مع هذا الاستحقاق لا يزال باردا، ولم يرتق بعد الى مستوى الجدية المطلوبة.
وباستثناء مبادرة “ملء الوقت” للنواب التغييريين، فإن الساحة السياسية تخلو من اي دينامية حقيقية ل”هندسة” جلسة انتخاب تجمع بين توافر نصاب الثلثين والقدرة على انتخاب رئيس، وكأن القوى الاساسية سلّمت بحتمية الفراغ في قصر بعبدا وبانه قضاء وقدر سياسي لا يُرد.
واذا كانت الدعوات الخارجية الى إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري آخذة في التزايد مع مرور الوقت و”قضم” المهلة الدستورية، وهذا ما عكسه البيان الأميركي – الفرنسي – السعودي، غير ان حسابات الدول “الناخبة”، دوليا واقليميا، هي بالتأكيد أكثر تعقيدا من “براءة” المطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، إذ ان لدى كل من تلك الدول “بروفايل” للرئيس المفضل الذي يتقاطع مع مصالحها، وبالتالي فإن كل عاصمة مؤثرة ستحاول في البداية ايصال من يناسبها الى قصر بعبدا.
لكن، وبما ان موازين القوى لا تمنح اي من الأطراف القدرة على فرض إسم، فلا بد من الذهاب لاحقا نحو “مقاصة” سياسية للتوافق على رئيس مقبول من قبل اللاعبين الأساسيين، بعدما يكون الفراغ قد فعل فعله.
اما طرح لبننة الاستحقاق الرئاسي بالكامل، فهو جميل لكنه مثالي، عندما يكون الأمر متعلقا بانتخاب رئيس بلد يقع في إحداثيات الجغرافيا السياسية على خط تماس إقليمي – دولي يزنره من الجهات الاربع. ولذلك فإن الخارج هو على الاقل “شريك” في اختيار اسم ساكن قصر بعبدا للولاية المقبلة إن لم يكن دوره اكبر من ذلك.
وضمن هذا السياق، يعتبر البعض ان هوية الرئيس المقبل مرتبطة بنتيجة مفاوضات الترسيم من جهة وبمسار المفاوضات حول النووي الإيراني من جهة، فإذا حصلت التسوية هنا وهناك يسهل انتخاب الرئيس واذا لم تتم يصبح الأمر اكثر تعقيدا.
وترجح اوساط سياسية مطلعة ان القوى الاساسية المعنية بالانتخابات الرئاسية، محليا وخارجيا، ستلجا في المرحلة التمهيدية الى رفع سعرها لتحسين شروطها التفاوضية في مرحلة “التصفيات النهائية”، عندما تبدأ المساومة التي ستفضي الى التفاهم على اسم يشكل تقاطعا عابرا للفيتوات.
وتلفت الاوساط الى ان معادلة “لا غالب ولا مغلوب” ستظل هي الحاكمة في لبنان حتى إشعار آخر، ولا مفر منها في الاستحقاق الرئاسي كما في غيره من الاستحقاقات، حتى لو كانت هذه المعادلة الاضطرارية ترمز الى المشكلة والحل معا.
وتشير الاوساط الى ان ما يزيد الأمور غموضا هو الطابع المركّب والفسيفسائي للمجلس النيابي المشتت الذي يحتاج إلى التوافق الإلزامي لإقرار حتى قانون “طرش دهان”، فكيف برئيس الجمهورية.
ووفق تقدبرات الاوساط فان الناخب الداخلي الأهم، اي حزب الله، لن يبدأ بالانخراط جديا في المعركة الرئاسية الا بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وتعتبر الاوساط ان الاصرار على تشكيل حكومة أصيلة على مسافة أسابيع من 31 تشرين الأول يثبت ان الشغور الرئاسي محسوم وان لا رئيس للجمهورية حتى إشعار آخر.