منوعات

من صوفر إلى فلوريدا: ثورة معرفية تطال الزواحف

في تسعينيات القرن الماضي، وخلال مواكبة ميدانية لمشروع “حديقة نباتية” بين صوفر وشارون في الجرد الأعلى (قضاء عاليه)، عثر العمال على سحلية غريبة يتخطى طولها الخمسة عشر سنتيمترا وتجمعوا لقتلها، فسارعنا لمنعهم واستجابوا؛ لكن تهيبنا الإمساك بها، فأحضرنا وعاءً ووضعناها فيه مستعينين بأغصان أشجار، وتوجهنا بها نحو “مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها” Animal Encoutner في مدينة عاليه.

في المركز سلّمنا السحلية إلى الخبير في الحياة البرية الأستاذ المحاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية البروفسور منير أبي سعيد، فأمسك بها، وقال: “هذه سحلية نادرة جداً في لبنان”، واستغرب كيف أنها تعيش في منطقة شارون على ارتفاع 1200 م، فيما تُعتبر من الزواحف التي تعيش في بيئة صحراوية شديدة الحرارة.

وأشار أبي سعيد حينها إلى أنّ السلحية ذكر، ولفته وجود عضوين ذكريين أسفل البطن، عازياً السبب إلى أنّ ثمة خاصية بيولوجية تتيح لهذا النوع فرصاً أكبر للتناسل والتكاثر، وتم حفظ السحلية في مختبرات الجامعية الأميركية. وأكد أبي سعيد يومها، أنّه يوجد في الجامعة واحدة تنتمي لنفس الفصيلة، ولكن لم يقم أحد بإعداد دراسة حول هذا النوع من الزواحف، ولا من أجاب عن كثير من الأسئلة العلمية العالقة إلى اليوم!

من صوفر إلى فلوريدا: ثغرة معرفية

تَذكَّرنا هذه الواقعة بعد تحقيق نشره قبل أيام موقع المجلة العلمية الأميركية نصف الشهرية ScienceNews، عن زواحف تساقطت من أشجار النخيل في جنوب ولاية فلوريدا، وما استوقفنا أنّ العلماء تسابقوا لدراسة هذه “الظاهرة”، فيما “سحلية صوفر” محفوظة ولا من حقَّق ودرس وأماط اللثام عنها: نوعها، خصائصها ودورها في النظم الإيكولوجية في لبنان.

ومن صوفر إلى فلوريدا ثمة ثغرة معرفية، خصوصاً وأنّ عالم الزواحف في لبنان لم يحظَ بدراسات إلا ما في مـا نَدَر، علماً أن دراسة الأنواع لا يمكن اعتباره ترفاً علمياً، لا بل هو حاجة لمعرفة مؤشرات غير منفصلة عن المجالات الحيوية التي نعيش بين ظهرانيها، ومدى تأثير المناخ على الكائنات، وتبعات ذلك على مجمل عناصر الحياة في أي بقعة من العالم.

في فلوريدا، وجد العلماء في ظاهرة تساقط الزواحف من الأشجار فرصة لمعرفة كيفية استجابة بعض الأنواع لظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان. وبدأت الدراسة الجديدة بعد أن تلقّى عالم البيئة التطوري جيمس ستراود صورة لإغوانا يبلغ طولها 60 سم تقريباً ملقية على ظهرها في بلدة Key Biscayne، وهي بلدة جزرية جنوب ميامي، بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى أقل من 4.4 درجة مئوية في الليلة السابقة.

وتناولت الدراسة جملة من الأمور متعلقة بالزواحف والأنواع الغازية منها، ومدى قدرتها على التأقلم في بيئات جديدة، ربطاً بتغير المناخ، وتوصلت دراسة جديدة إلى أنّ بعض السحالي الاستوائية ذات الدم البارد، مثل Basiliscus vittatus، أكثر مقاومة للبرد مما كان يعتقد سابقاً.

خشاب: تغير المناخ والساعة البيولوجية

“في لبنان لا دراسات حول تغير المناخ وتأثيره على الزواحف؛ وإجمالا، فإنّ مجال الزواحف لم ينل دراسات وافية وكافية لجهة الأنواع والأعداد وغيرها”، هذا ما أكده أحد الأعضاء المؤسسين في جمعية Lebanese wildlife والمختص بمجال “علم الزواحف” Herpetology في لبنان رامي خشاب لـ “أحوال”، قائلا: “لا شك بأن التغيّر المناخي يؤثر على هذه الحيوانات، بالإضافة إلى عوامل عدة أخرى، وأهمها وأكثرها تأثيراً التمدد العمراني، والتعديات التي تطاول موائلها، فضلا عن الجفاف وتلوث المياه، واستخدام المبيدات وغيرها”.

وأضاف: “لا شك أنّ تغيّر المناخ يؤثر على الساعة البيولوجية لهذه الكائنات، لكن للأسف محلياً لا دراسات موثوقة حول هذا الموضوع، وهناك تأثير مثلاً لجفاف الأنهر والسواقي والبرك على حية المياه التي تتغذى على الضفادع والأسماك؛ فالمناطق شبه جافة، كما وأنّ نقص كمية الهطولات أدى إلى نقص في مصادر المياه التي تشربها هذه الحيوانات، وليس لدينا إحصاءات لمدى تأثر الأنواع، كما أن هذا الإنخفاض في الهطولات، وطول فترة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وتغيرات درجة الحرارة، أثر على الساعة البيولوجية لهذه الكائنات التي تتأثر بها أكثر من أي حيوانات أخرى، وساهم في تأخر فترة السبات الشتوي، ما قد يؤثر عليها بصورة كبيرة”.

وعن حالات سقوط “الإغوانا” من الأشجار في فلوريدا، قال خشاب: “هي ظاهرة مؤقتة نتيجة تغير درجة الحرارة بصورة كبيرة وبفترة زمنية قصيرة، تأثرت بها هذه الحيوانات والتي تعتبر دخيلة في ولاية فلوريدا، وقد أصبحت غازية ومسموح صيدها لعددها الكبير، وذلك بعد اقتنائها من البعض كحيوانات أليفة”.

فنيانوس: مشاهدات متفرقة

وقال الدكتور جوني فنيانوس وهو مختص بعلم الإدراك البيئي الذي يتناول المواضيع البيئية من الناحية العلمية، ويختص بنقلها الى الجهات المعنية لـ “أحوال”: “هذه السنة شهدنا عدداً كبيراً من الزواحف، ولكن حتى الآن لا يوجد أي دراسة علمية حول تأثير التغير المناخي عليها”، مضيفاً أن “هناك بعض الملاحظات التي تأتي في الإطار الطبيعي حول خروجها قبل أو بعد وقتها المعتاد، أو مشاهدتها على ارتفاعات لم نكن نجدها فيها من قبل، ولكن لا دراسة علمية شاملة حول هذا الموضوع”.

وقال فنيانوس: “لا يمكن اعتبار ما لاحظناه إلا مشاهدات متفرقة، دون أدلة علمية ثابتة يبنى عليها، أيّ تغير مجالات تواجد هذه الزواحف؛ وعلى سبيل المثال، فقد شاهدنا حية الماء والتي تنتشر من الساحل وحتى ارتفاع 1700 أو 1800 مترا على ارتفاع 2300 مترا، وتفسيرنا في هذا المجال، أن هذه الحية تلاحق طريدتها، التي تعيش في محيط المياه. وقد ساهم التمدد العمراني في تقلّص الموائل والأنظمة التي تعيش فيها هذه الحيوانات وغيرها، وخصوصا الأفاعي”، لافتاً إلى أنّ “هناك مناطق حتى في العاصمة تتواجد فيها الأفاعي، وهذه الجيوب الصغيرة في العاصمة هي متنفس للحياة البرية من حشرات وطيور وغيرها، وعلينا العمل للمحافظة عليها”.

وختم فنيانوس: “بعد قيامنا بحملات توعية كثيرة حول أهمية هذا الحيوانات ودورها في الأنظمة الإيكولوجية، فإن المواطنين بدأوا يتصلون بنا عند مشاهدة الأفاعي للسؤال إن كانت سامة أو لا، كما أصبح الطلب للقدوم وإزالتها من المنزل أو المحيط أمراً شائعاً”.

 

أنور عقل ضو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى