منوعات

في “دروس شهرزاد”لعايدة الجوهري تعود الينا شهرزاد بثوب امراة عصرية حرة

تزخر الثقافة العربية بخيال الحكاية والرواية، وهي في سياقاتها تضع كل هذا التاريخ والثقافة والبيئة ضمن إطاره العام، وتقولب حاجات المجتمع وصيرورته بما تحتاجه كي ترسّخ مفاهيم وعادات محددة.

هذا في الشكل العام، ولكن بتخصّص أكثر يمكن ملاحظة الفرق مع استثناءات خاصةً مثال حكايا شهرزاد. هي النموذج الذي نسبت إليه عدد من الروايات وحكايا الدّالة على ثقافة عربية عامة، وإذ تُمثّل شهرزاد نموذجاً نسوياً، لا ينهض على الخطابات، والبيانات، والإعلانات، والدعوات، والنداءات، والحركات الاعتراضية فحسب، بل أيضاً على وعي المرأة بذاتها، وشعورها بالمسؤولية عن تاريخها اليومي، ومصيرها، والإمساك بزمام أمورها، مقابل توفير المجتمع لها أدوات المعرفة والتأهيل للانخراط في الثقافة الاجتماعية الفعلية.

هذا ما عملت عليه الباحثة والأستاذة الجامعية الدكتورة عايدة الجوهري، وهي المجلّة دوماً في مجال المباحث الاجتماعية المتعلقة بالمرأة والجندر وكل ما يتعلق في البحث عن العدالة الاجتماعية ولو بحدّها الأدنى.

في هذا الكتاب – البحث، قراءة مغايرة للصورة النمطية عن شهرزاد كشخصية رمزية تختصر صورة المرأة العربية الضعيفة، الخانعة، الخاضعة لإرادة الرجل وسلطويته المهيمنة في المجتمعات العربية والشرقية منذ عصور. تعمد الكاتبة إلى قراءة سوسيولوجية جندرية لشخصية شهرزاد تبرز قدرة المرأة العربية، إن أرادت، على مواجهة مظالم المجتمع الأبوي والثقافة الذكورية عليها، وتوضح أنّ التمييز ضد المرأة لا يستند إلى فوارق ومميزات طبيعية ثابتة، بل هو مسألة ثقافية ترتبط بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية السائدة في أي مجتمع.

وفي ثنائية الذكورة والأنوثة، مثّلت شهرزاد نموذجاً مضاداً للأنثى التي اصطنعها المجتمع الذكوري، التابعة، الصاغرة، المطيعة، المتردّدة، المشلولة اللّسان والخفيضة الصوت، السريعة الانفعال، الباذلة ذاتها من أجل الآخرين من دون حساب، والمغوية، والفاتنة، القادرة على إشباع رغبات الرجل الفائرة.

تخطّت شهرزاد الجسد التقليدي الذي صنعته الثقافة التقليدية الجندرية، إلى جسد ناطق وعاقل، ومثقّف، وواعٍ بذات ساكنته، ومستطيع، وفاعل، ومسؤول، فقلبت المفاهيم الجندرية رأساً على عقب.

 

في نهاية المطاف، سفّهت شهرزاد القوانين الجندرية، المبنيّة على التلازم بين شرط الكائن البشري البيولوجي وشرطه الاجتماعي والثقافي، وتجاوزتها، ورفضت أن تكون مطابقةً لجندرها، كما شاء لها المجتمع، فانتصرت على نفسها، وعلى الحصار المفروض عليها، بسبب قانون القوة لا قانون الحق.

 

ورغم أن حكايات “ألف ليلة وليلة” وإطارها العام قد احتلت مكانة واسعة في الثقافة الشعبية العربية، وتداخلت قصصها الخرافية، التي لا تخلو برمزيتها من بعض العبر المستخلصة من تجارب حياتية، ولا من بعض المواقف التي تعكس الثقافة والقيم والمعايير السائدة في المجتمعات العربية في القرون الوسطى، مع الأدب الشعبي الشفهي والحكايات الشعبية الخرافية في حضارات شرقية مختلفة، وبخاصة الهندية والفارسية والعربية، التي تشابهت في سيطرة المجتمع الأبوي والثقافة الذكورية التي تغلّب مكانة الرجل على مكانة المرأة في المجتمع. وهذا ما أعطى انطباعاً نمطياً طالما رافق الحديث عن شهرزاد، الشخصية المحورية في “ألف ليلة وليلة”.

ونختم بقول الكاتبة الجوهري عن الكتاب “عزّزت هذه ‏الحوارات شغفي في التوغُّل في عوالم شهرزاد وشهريار، وقناعتي بأنّ إعادة قراءة التراث الأدبي ‏من منظور أدوار وصور النساء فيه، يُعدّ هدفًا معرفيًّا، وسياسيًّا، مؤدّاه إحداث تغيير في التمثّلات ‏الاجتماعية حول أدوار النساء والرجال، والصراع الدائر بينهما”.‏

“دروس شهرزاد” للدكتورة عايدة الجوهري صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.

 

عامر ملاعب

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى