سياسة

الانتخابات الأميركية: لبنان معلّق بين الحمار الديموقراطي والفيل الجمهوري

السبلاني: سواء وصل الجمهوري أم الديموقراطي إلى البيت الأبيض، فإن الغاية الأميركية واحدة لا تتبدل

 

 

مع اقتراب موعد حسم هوية ساكن البيت الأبيض للسنوات الأربع القادمة وتبيان لون الرئيس الأميركي الجديد أحمراً (دونالد ترامب) أم أزرقاً (جو بايدن)، فإن الشرق الأوسط المخضب بالدماء والفوضى والملوّع على اللااستقرار ينظر إلى واشنطن بعين القَلِق، ويتنبأ بتغييرات يقرأها كل طرف حسب هواه. ولبنان العالق داخل زوبعة التأليف الحكومي ولائحة مريرة من الأزمات يتشبث بوهم انتظار يوم الحسم الأميركي في 3 تشرين الثاني لتبيان طبيعة الحكم للمرحلة المقبلة.

برغم أهمية الانتخابات الأميركية بالنسبة إلى العالم أجمع، فإنّ تقدير حسابات الغنائم والخسائر في محصلة الانتخابات الأميركية عربياً بشكل عام ولبنانياً بشكل خاص يبدو سوريالياً في جوهر العلوم السياسية والقوانين الدبلوماسية، وتتسم هذه التقديرات بالسطحية والكسل من جانب الحكام والسياسيين الذين يعلّقون إخفاقاتهم وهواجسهم على مئزر الرجل الذي سيسكن البيت الأبيض.

لطالما تحكمت الحسابات الإقليمية بالأوضاع في لبنان بسبب الصراع العربي الإسرائيلي أولاً ومع تصاعد الحضور الإيراني في المنطقة كما تدفق اللّاجئين إليه ثانياً. واليوم وربطاً بالاتفاق النووي الإيراني واستخدام الإدارة الأميركية سياسة العصا والجزرة في زمن الديموقراطيين والترهيب في زمن الجمهوريين، يتطلع بعض اللّبنانيين إلى ما ستفرزه الانتخابات الأميركية من مسار جديد للمنطقة لينطلقوا منها إلى حلّ مشاكلهم.

سواء وصل الجمهوري أم الديموقراطي الى السدّة الرئاسية في الولايات المتحدة، فإنّ الغاية الأميركية واحدة لا تتبدل، واشنطن ستبقى على نهجها التقليدي في السياسة الخارجية مع فارق بسيط في أسلوب التعامل مع الملفات تتصل بالمصالح الاستراتيجية لـ”إسرائيل”. فيما يخص لبنان، يستهجن رئيس تحرير صحيفة “صدى الوطن” الأميركية الصحافي أسامة السبلاني الركون إلى فكرة أن الوضع اللّبناني يأتي في صلب الاهتمام الأميركي ويقول “أميركا لا يهمها لبنان بقدر اهتمامها بأمن إسرائيل وسلامتها، ولبنان يأتي على هامش هذا الاهتمام فينظر إليه من ناحية تهديد حزب الله للأمن والأمان الإسرائيليين فقط لا غير”.

ويوضح السبلاني في دردشة مع “أحوال” أن ثمّة ملفات للدول في البيت الأبيض تتولاها فرق من المساعدين للرئيس ولبنان موجود في ملف يشمل عدداً من الدول الأخرى مثل الأردن وسوريا وفلسطين ومصر ليس أكثر من ذلك. ويقول “من التفاهة اعتبار أنّ الانتخابات الأميركية ستحدّد ما يجري في العالم، وخاصة في لبنان، نحن مجرد ورقة في ملف الشرق الأوسط وإن كان الاهتمام ينصب على لبنان من حين إلى آخر فهو بسبب قوّة حزب الله ووجوده المقلق لإسرائيل وغير ذلك هو أمر لا يشكل هاجساً للإدارة الأميركية، لذا من الأفضل للّبنانيين الالتفات لمشاكلهم وحلّها”. ولم يستبعد السبلاني استمرار الضغوط على حزب الله بالعقوبات وبدعم المنافسين لتقليص نفوذه في المرحلة المقبلة.

ملف السياسة الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط، يقوم على مصالح إسرائيل ومن هذه النافذة الإدارة الأميركية سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية لها جدول أعمال ثابت تجاه المنطقة وربما يتبدّل الأسلوب، يقول السبلاني في هذا الشأن “ترامب له أسلوب فظ لكنّه يكره الحروب ويستخدم الدولار لتحقيق أهدافه، بينما إدارة أوباما الديموقراطية استخدمت السلاح والدولار معاً وأشعلت المنطقة تحت عنوان “الربيع العربي” ولا تزال تداعياته قائمة في سوريا واليمن وليبيا”.

المخاض الأميركي هذه المرة قد يبدو عسيراً ولكنّه لا يتجاوز القواعد الدستورية الأميركية، برأي السبلاني، فرغم الشحن والتوتر الذي رافق الحملات الانتخابية فلن تتحوّل الأمور إلى عنف أو حرب شوارع. ويلفت السبلاني إلى أنّ الأمن ممسوك جيداً في أميركا بوجود القوة الأمنية والجيوش ولا يمكن أن تنفلت الأوضاع أمنياً، إنّما قد نشهد أعمال شغب محدودة في بعض الولايات في حال خسر ترامب لأنّه سيرفض النتائج”. وأما بالنسبة إلى التوقعات على بعد ساعات من اليوم الانتخابي فيقول السبلاني “إنّ العملية المعقدة للقانون الانتخابي تجعل من الصعب التكهن بشكل قاطع من هو الرئيس المقبل لأميركا، فبعد التصويت الشعبي الكلمة الآن للمجمع الانتخابي”.

 

ترامب الشوفيني وبايدن الظل

بين الحمار (الديموقراطي) والفيل (الجمهوري) ثمّة عبث ومناكفات منذ وجد الحزبين وآراء ونظريات لا تعني فعلياً سوى الشعب الأميركي الذي يصبّ كل اهتمامه اليوم على مواجهة كورونا، ومعالجة تراجع الآداء الاقتصادي والبطالة والنظام الصحي وغيرها من الشؤون الداخلية لأي بلد. لكن نجم الانتخابات الحالية هو الرئيس الأميركي شخصياً، رجل الأعمال والتاجر الذي وجد فرصة الدخول إلى البيت الأبيض وأدخل معه طموحاته الشخصية في البروز والبقاء تحت الأضواء وعقد الصفقات الرابحة مادياً وهو لهذه الأهداف طوّع سياسته وفق ميزان الربح والخسارة وجلب الأموال.

عمل ترامب خلال سنواته الرئاسية الأربع كأفضل مغرد على وسائل التواصل الاجتماعي واتقن فن التأثير على الرأي العام من خلال تغريدات تحمل الشعارات والعبارات الحادة والمباشرة وبكلمات بسيطة قد تكون مستغربة من رئيس دولة عظمى، لكنها ارتكزت على تدمير إرث الرئيس السابق باراك أوباما وخصومه الديموقراطيين لا سيما بـ “اتفاق باريس للمناخ” والاتفاق النووي لعام 2015، ونظام “أوباما كير”، وتجاوز الدبلوماسية بتوجهه للدول والرؤساء بتغريدات لا تخلو من العدائية والسطحية والسوقية في بعض الأحيان.

الرئيس الشوفيني المعجب بنفسه، لا ينفك من إغداق الوعود للشعب الأميركي ولا عن مهاجمة الاعلام الذي ينتقده. ولم يتردد في توجيه سهامه الجارحة نحو منافسه الديموقراطي في الانتخابات جو بايدن، وأغدقه بأوصاف كــ” المجنون” و”الفاسد” و”النائم” و”الضعيف” و”المخدر”. في المجمل ترامب أساء لصورة أميركا الديموقراطية وتأثير سياساته الداخلية جلبت أزمات داخلية، بحسب السبلاني “لقد شكك بالعملية الديموقراطية وبطبيعة الانتخابات وفي حال خسر السباق فسيشكل أزمة كبيرة قد تنسحب على الشارع، لكن تبقى الكلمة الفصل للقانون الأميركي وللمؤسسات الدستورية”. وتابع ” أميركا دولة مؤسسات، ولا يوجد أي دليل على أن الرئيس ترامب لن يقبل بنتائج الانتخابات، وقد أعلن المرشحان أنهما لن يوافقا على النتائج في حال حدوث تزوير، وسيعملان على استنفاد كل الأمور القانونية من أجل الاعتراف بالنتائج النهائية للانتخابات”.

بخلاف حضور ترامب الصارخ بقي جو بايدن ظلاً للرئيس السابق باراك أوباما، فمن عادى أوباما عاداه ومن أيد أوباما أيده، وبالرغم من تصدره الاستطلاعات، بحسب الإعلام الأميركي، بقي نائب الرئيس السابق على صورته الهشة بسبب لطفه الزائد واستنساخه برنامج داعمه ورئيسه. أما سياسة بايدن الخارجية، فيمكن استكشافها بالعودة إلى سياسات أوباما ونسخها دون تبديل. وهو في حال وصوله سينقلب على انقلاب ترامب خلال السنوات الأربع المنصرمة، وسيحيي الاتفاق النووي والمفاوضات لما يعتبره فك اشتباك في المنطقة.

عشرات الساعات تفصل عن مخاض أميركا الأخير في ظل استقطاب سياسي حاد وظهور جماعات مسلّحة، وتحصّينات في عدة مدن أميركية منها نيويورك وواشنطن العاصمة، خشية فوضى وأعمال شغب ترافق صدور النتائج. وعين العالم ولبنان أيضاً على البيت الأبيض، فأي عالم جديد سيولد مع ساكن البيت الأبيض الجديد؟.

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى