مجتمع

النازحون السوريون يعانون بعد الموت… نبش قبور ودفن في الخيم

حكايا بعض المعذّبين في الأرض: عندما يُصبح التعامل مع الموت مشكلة أكبر بكثير من الحياة نفسها!

ضاق لبنان بالسوريين أحياء وأموات! إذ لم يعد يجد هؤلاء لموتاهم أرضاً تحتوي جثامينهم. حتى أنّ بعض القرى عمدت بلدياتُها إلى رفع يافطات تُحذّر السوريين وتمنعهم من دفن موتاهم في مقابرها. لذلك صار النازحون السوريون يعمدون إلى دفن موتاهم سرّاً وتحت جنح الظلام.

 

بلاد الأرز التي باتت تضيق حتى على أهلها، لم تعد رحبة لتستقبل وافدين جُدد أو تُغيث ملهوفين أو تحتمل ثقلاً عجزت دول العالم عن احتماله. لبنان الذي انتقل إليه أكثر من مليون نازح سوري جرّاء الأحداث الدائرة في سوريا، انقسم حيال جيرانه السوريين بين مرحبٍ ببقائهم رغم الفاتورة المرتفعة التي تُدفع، وبين مطالبٍ برحيلهم إلى بلادهم أو أي بلادٍ أخرى طالما يرزح المواطن اللّبناني نفسه تحت ثقل أزمة اقتصادية خانقة.

 

في ما يلي قصص لعدد من النازحين الذين اضطروا إلى دفن أبنائهم في الجبال أو داخل الخيم حيث يقطنون.

 

 

نبشوا قبر ابنه ورموا جثّته خارجاً

أحمد القاسم هو أحد النّازحين السوريين الذين يقطنون في بلدة عاصون في الضنية. توفي ولده في لبنان جرّاء مرضٍ ألمّ به، لكنه عجِز عن إيجاد مدفنٍ له. لذلك قرّر أن يودعه سرّاً في قطعة أرض قريبة من البلدة، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان فقد حضر مجموعة من أبناء القرية لينبشوا قبر ابنه الذي دُفن حديثاً ويرموا جثّته خارجاً. وجرّاء هذه الحادثة، انقسم أهل القرية ما خلق حالة تضامنٍ كبيرة معه.

 

لبنانية تحفر قبر ابنها لتدفن معه طفلاً سورياً

مبادرة إحدى السيدات اللّبنانيات كانت مشرّفة، فقد قامت صبحية الميزر، ابنة عشيرة الحروك كبرى العشائر العربية في لبنان، والتي استفزها مشهد نبش قبر أحد موتى السوريين، بلفتة قلّ نظيرها. إذ قرّرت أن تحفر قبر ابنها لتدفن معه طفلاً سورياً توفي حديثاً. وقد دفعت هذه المبادرة أحد الميسورين إلى التبرّع بقطعة أرضٍ لدفن السوريين تحديداً. غير أنّ المقبرة الجديدة لم تلبث أن امتلأت.

 

أبقى جثة والده لمدة أربعة أيام في خيمته

كما وضجّت إحدى البلدات البقاعية بقصّة بلال الواوي، أحد النّازحين السوريين الذي يعمل مدرّساً في إحدى مدارس السوريين، توفيت جدّته، لكنّه اضطر إلى تأخير دفنها لمدة 36 ساعة حيث قام بوضع الثلج على جثتها ريثما تمكّن من العثور على قبرٍ لها. أما القصة الثانية فهي حكاية محمد رسلان النازح من مدينة حمص السورية الذي بقيت جثة والده لمدة أربعة أيام في خيمته في ظلّ ظروف صعبة حتى تمكّن من إيجاد قبر له مقابل عدة مئات من الدولارت تمكن من جمعها لدفعها ثمناً للقبر.

 

هذا غيض من فيضِ الحكايا المؤلمة التي رُويت عن منع أهالي قرى وبلدات لبنانية للسوريين من دفن موتاهم في محيطها، حتى أصبح تّعامل النازحين مع الموت مشكلة لديهم أكبر بكثير من الحياة نفسها.

 

ورغم أنّ الأمر في المدن الكبرى مختلف نوعاً ما عن القرى، لكن النتيجة في المحصلة واحدة تقريباً حيث يشترط دفع ثمن القبر الذي يصل في أحيان كثيرة إلى 5 آلاف دولار. وهو مبلغٌ لا يستطيع الغالب الأعظم من النازحين توفيره. لذلك قام بعض الأشخاص بدفن موتى السوريين بنفس القبر الذي دفنوا فيه أمواتهم اللّبنانيين كبادرة إنسانية ولكن هؤلاء قلّة. وحاولت بعض الجمعيات الأهليّة والخيريّة شراء أراضي تُخصّص لدفن السوريين إلّا أنّها بقيت عاجزة بكل حال عن استيعاب العدد الكبير من وفيات اللّاجئين الذين فاق عدد الأحياء منهم الذين يبلغون مليون ونصف نسمة في لبنان. كذلك حاولت دار الفتوى الرسميّة الدّفع باتجاه تخصيص أراض لهذه الغاية، لكنّ الأزمة تتفاقم وتبدو أكبر من محاولات تفاديها بقطعة أرض هنا أو هناك، في الوقت الذي لا تبدو السلطات اللبنانيّة – أقلّه في المدى المنظور – بوارد اجتراح حلول لهذه الكارثة الحقيقية التي يعاني منها بشر ضاقت بهم الأرض بما رحبت.

 

محسن شعبان

محسن شعبان

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى