“الأزولّا”.. “ثورةٌ خضراء” وبديل أعلاف مستدام في لبنان!
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وما رافق ذلك من تبعات اجتماعية خطيرة تهدّد المواطنين في لقمة عيشهم ودوائهم ومقوّمات حياتهم، فضلًا عن جائحة كورونا وما فرضته من قيود استهدفت كافة القطاعات، قام أفراد من المجتمع المدني بمبادرة جديدة كمحاولة منهم لاستنباط حلول لمواجهة الواقع الصعب الذي يمرّ به البلد، لاسيما من ناحية التركيز على الإنتاج المحلّي بعيدًا من الإعتماد على الدولار الأميركي، خصوصًا أن الأمور باتت محكومة بمزيد من القيود المالية.
وانطلاقًا من ذلك، توجّه عدد من الأشخاص نحو “استزراع” نبتة الـ”أزولا Azolla” التي من الممكن أن تشكّل “ثورة خضراء”، وتكون بديلًا متاحًا لإنتاج علف مستدام وسط الارتفاع المطرد بكلفة الأعلاف في الكثير من البلدان المتقدّمة والنامية وخصوصًا في لبنان، لا سيّما وأن هذه النبتة تُزرع مرّة واحدة وتستمرّ مدى الحياة، وتؤمّن الإستدامة وفق مفهوم الأمن الغذائي.
عبد الباقي: الناس توّاقة لحلول بديلة
أحد الأشخاص الذين أقدموا على زراعة نبتة “الأزولا” كان الأستاذ في مادة الرياضيات، عمر عبد الباقي، الذي قال في حديث لـ “أحوال”: “كون الطبيعة تجود علينا بخيراتها، دفعني الفضول للبحث عن حلول مستدامة للمشاكل التي يواجهها القطاع الزراعي. وعند تعرّفي على نبتة “الأزولا”، قررت أن أبدأ مشروعًا تجريبيًا بمفهوم Closed Cycle أي دائرة مقفلة، ما يعني منتجًا محليًا 100 بالمئة، في محاولة للتخلّص من تأثير الدولار على القطاع الزراعي، إضافة إلى كلفة العلف الكبيرة، فرأيت أنّه لا بد من أن تتكامل العناصر المطلوبة بحيث تكون مستدامة وغير مكلفة في آن معًا، في وقت يعاني هذا القطاع من مشاكل عدّة، سواء من ناحية الإنتاج، أي الزراعة والثروة الحيوانية، أو مشاكل التصريف والتسويق”.
وحول الأزولا، شرح عبدالباقي أنه نبات “سرخسي مائي”، يتعايش مع نوع من البكتيريا تُسمّى Cyanobacteria، وينتمي إلى عائلة الخنشار Salviniaceae، وهناك عدة أنواع منه، ولكن عدد كبير من المزارعين يُفضّلون استخدام النوع الذي يتميّز بالتكاثر بصورة سريعة، وهو الـ Azolla pinnata ، لأن حجم الأخيرة يتضاعف خلال 3-8 أيام.
في المقابل، أشار عبدالباقي إلى أن الفكرة الأولية كانت تربية أسماك تتغذّى على النبات الذي ينمو على سطح الماء، أي نظام مغلق ومتكامل ومستدام، إلّا أن التكاليف العالية جعلتهم يتّجهون نحو إنتاج النبات واستخدامه في تركيبات العلف، مضيفًا: “حاليا نختبر حوالي 15 خلطة للأعلاف لأنواع الماشية والدواجن وفي مناطق عدة من لبنان، على أمل أن نؤمّن الدعم والتمويل الكافي لتناول مجالات أوسع لهذا المشروع”.
من جهة أخرى، لفت عبدالباقي إلى أنه أرسل عيّنة من نبات “الأزولا” إلى مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت، فتبين أن محتوى البروتين في هذه النبتة بلغ حوالي 34 بالمئة، وهي نسبة تقارب محتوى الصويا من البروتين التي تصل إلى 36 بالمئة، في حين أن الفحص الثاني الذي أُجري في مختبر آخر، أظهر أن نسبة البروتين وصلت إلى 40 بالمئة، وهي نسبة كبيرة نظرًا للتكلفة القليلة”.
وانطلاقًا من ذلك، قال عبدالباقي لموقعنا: “أنتج حاليًا بين 90 و130 كيلو من “الأزولا” الجافة يوميًا، وذلك وفقا لمساحة الأرض، حيث أن إنتاج الألف متر مثلًا، يعطي ما بين 300 إلى 400 كيلو من طحالب الأزولا الجافة يوميًا، بينما عند تجفيف “الأزولا” لفترة 3 إلى 7 أيام على الأقل، فالـ3 كيلو منها ينتج حوالي كيلو بروتين جاف”.
أما عن عملية زراعة نبتة “الأزولا”، لفت عبد الباقي إلى أنها أحواض بعمق 25 إلى 30 سنتمترًا، توضع في الظلّ حيث تصلها الشمس بصورة غير مباشرة، ليتم إضافة سماد من نوع NPK إلى الماء والذي يساعد بدوره في نمو النبتة وزيادة الانتاج.
وفي الختام، أشار عبدالباقي في حديثه لموقعنا إلى أن الناس توّاقة لحلول بديلة، وهناك الكثير من الأفكار المكمّلة لهذا المشروع، منها إبدال الشعير بنباتات أخرى ذات جدوى اقتصادية وإنتاج وافر وغذاء أفضل للحيوانات، أي بمعنى آخر “تركيبة علف لبنانية مئة بالمئة، وحرّة من أي تأثير للدولار في المستقبل”.
تجارب من مصر
هناك تجارب في مجال “الأزولا” في بلدان عربية مجاورة، بينها سوريا وقطاع غزة، إلا أن التجربة الأغنى تتركّز في مصر. وفي هذا الخصوص، قال الاختصاصي في الطب البيطري، الدكتور المصري عمرو عطا لـ “أحوال” إن التجارب الأولى لإنتاج “الأزولا” في مصر بدأت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مشدّدًا في حديثه على أن النسب المستخدمة يجب أن تكون مدروسة بدقة، كون العلف سلاح ذو حدّين، واستخدامه بطريقة غير صحيحة قد يؤثّر على إنتاجية القطاع الحيواني.
من هنا، لفت د. عطا إلى أن استخدام العلف في مصر، في مجال الدواجن لإنتاج اللحوم والبيض، لا يزال محدودًا للغاية، رغم أن الأعلاف تزيد من إنتاج البيض إلى حدّ ما، إلا أنه وفي ما يتعلّق بالحيوانات الكبيرة كالأبقار والأغنام، وُجِد أن إنتاج الحليب يرتفع بين 20 و24 بالمئة، مشيرًا بالمقابل إلى أن التجارب الأغنى كانت في مزارع الجيش المصري، حيث تُستخدم “الأزولا” في تربية الأسماك كونها اقتصادية للغاية، وبالتالي ومع ارتفاع تكلفة الأعلاف في البلاد، نجحت هذه النبتة بصورة كبيرة، ومن المتوقع أن يزداد استعمالها في المستقبل.
وعن موضوع إنتاج البيض، وسبب عدم استخدام “الأزولا” فيه، أوضح د. عطا أن هناك برنامجًا معينًا لتغذية الدواجن البيّاض، ووفقًا للسلالة المستخدمة، تُستخدم الأعلاف ضمن نظام دقيق، لإنتاج أكبر عدد من البيض، مضيفًا: “لدى الدجاج (الفرخة) عنقود بيض فيه بين 280 و300 بيضة، ومن المتوقع أن تنتج حتى 90 بالمئة من هذا البيض، فأقصى ما نتوقعه من زيادة هو 4 بالمئة”.
من هنا، أكد د. عطا أن الفكرة هي إبدال العلف المستخدم بعلف يحتوي على “الأزولا”، علمًا أنه قد يوفّر من الجهة الإقتصادية، لكنه لن يؤثر إلى حدّ كبير في زيادة إنتاج البيض”، مشيرًا إلى أن “كمية إنتاج الأزولا واستخدامها في قطاع الثروة الحيوانية إلى ازدياد، وهي فرصة هامة للتوفير في أثمان الأعلاف، شرط دراسة النسبة، كما أنها توفّر فرص عمل للشباب”.
التركيبة الغذائية للأزولا
يعمل نبات “الأزولا” على تثبيت الأزوت (النيتروجين) الجوي، ولذلك يحتوي على نسبة عالية من البروتين تتراوح بين 25 و35 بالمئة من الوزن الجاف، أما غناه بالبروتينات فيشمل احتواء هذه النبتة على أحماض “أمينية” أساسية لتغذية الحيوانات. ومن المكونات الأخرى الهامة، فضلًا عن الفيتامينات (Vitamin A، و 12 Vitamin B وبيتا كاروتين) ومحفّزات النمو، فهو يحتوي على المعادن بما في ذلك الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم والحديد والنحاس والمغنيسيوم، والمواد النشطة بيولوجيًا، في حين أن محتوى “الأزولا” من الكربوهيدرات والزيوت منخفض للغاية.
استعمالات أخرى
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية لنبتة “الأزولا” كـ”علف”، تشير الأبحاث العلمية إلى أن “الأزولا” من النباتات الصديقة للبيئة، كونها تمتصّ الملوّثات البيئية كالمعادن الثقيلة والمركبات الهيدروكربونية، وينظر لها عالميًا كخيار واعد لتنظيف مياه الصرف الصحّي، كما أن هناك اتجاه لاستخدامها كسماد حيوي Biofertilizer بسبب قدرة هذا النبات على تثبيت النيتروجين في الجو.
ومن الإستخدامات الأخرى، إنتاج وقود الهيدروجين والغاز الحيوي كأحد مصادر الطاقة المتجددة الحيوية، ومكافحة البعوض وتقليل تطاير “الأمونيا” الذي يصاحب استخدام الأسمدة النيتروجينية الكيميائية.
سوزان أبوسعيد ضو