منوعات

حرق إطارات مستعملة في النبطية… هواء ملوث وسموم مسرطنة!

من غبار “نيترات الأمونيوم” إلى “الديوكسينات” القاتلة، الموت واحد. من بيروت والضواحي إلى الجنوب ومناطق عدّة في لبنان، تلوّث يتأتَّى من انفجار أو مكبّ، لا فرق طالما النتيجة واحدة، أمراض غير سارية لا تجاري “كورونا المستجد” من حيث عدد الإصابات، لكنّها تقتل بصمت وتفتك دون رحمة، وكأنّ على اللّبنانيين أن يظلّوا محكومين بهواء مسرطن فيما مناطقهم وبلداتهم موبوءة ترتع فيها القوارض والحشرات.

وتطل “الديوكسينات” هذه المرّة ليس من حرق النفايات في مئات المطامر العشوائية فحسب، ولكن من حرق الإطارات المستعملة، وما ينجم عنها من سموم مركزة أشدّ فتكًا وأكثر خطرًا، فيما الدولة غائبة مغيّبة ولا من يرفع الصوت إلّا من اكتوى بنار الإهمال ولم يجد إلّا وسائل التواصل الاجتماعي ليطرح الصوت ويوثق لكوارث لا تنتهي، وهذا حال بعض أبناء بلدة الشرقية في قضاء النبطية، حرق الإطارات مستمرّ في أحد الأودية القريبة، والدخان يتسلّل سخاماً أسود إلى البيوت.

صحيح أنّ بلدية الشرقية تحرّكت وأرغمت المرتكبين على توقيع تعهد بعدم رمي الإطارات وحرقها، إلّا أنّ المشكلة عادت وتجدّدت (بعد الحديث مع رئيس البلدية)، ذلك أنّ ليس ثمة غرامات ومحاسبة، ولا جديّة في المراقبة، ولا قصاص عادل بحق العابثين.

 

شعيب: الحرائق مستمرة

في هذا السياق قالت ريمان علي شعيب من بلدة الشرقية لـ “أحوال”: وصلنا إلى مرحلة لم يعد في مقدورنا أن نتحمّل روائح الإطارات المشتعلة يوميًا”، لافتة إلى أنّ “هذه الإطارات تصل عبر شاحنات إلى البلدة، وتحديدًا في وادٍ مجاور في منطقة تتقاطع مع بلدة الكفور المجاورة”، وأشارت إلى أنّ “هذه الشاحنات تصل يوميًا إلى المنطقة ويقوم بعض الغرباء عن المنطقة بحرقها، فضلا عن حرق أسلاك الكهرباء للحصول على النحاس ومعادن تخلفها هذه المواد بعد حرقها”.

وأَضافت: “في الصيف كنّا نضطر إلى إغلاق أبواب ونوافذ بيوتنا، وكنّا نعتمد على التكييف إن توفّرت الكهرباء، والآن ما تزال المشكلة قائمة مع تغيّر الطقس والوضع لم يعد يحتمل الاستهتار، خصوصا وأنّنا نعاني ولدينا أطفال”، لافتة إلى “أنّنا رفعنا الصوت مراراً وتكراراً وبقي الحال على ما هو عليه”، منتقدة أنّ “أحدًا لم يتحرك إلى الآن، وليس ثمّة من هو مهتم من المسؤولين، ويبدو أنّ صحتنا وبيئتنا ما عادتا تمثلان أولوية بكل أسف ولا يكفي أن تهدر حقوقنا من مختلف النواحي”.

وأكّدت شعيب أنّها اضطرت لـ “عرض الصور والفيديوهات لأنّ ما يحصل هو جريمة بحق البيئة وجريمة تستهدف حياتنا وصحتنا”، منوّهة إلى أنّه “بعد عرضي للصور والفيديوهات علمنا أنّ البلدية تابعت الموضوع واستدعت الفاعلين، إلّا أنّ شيئاً لم يتغيّر، ولا أزال أوثق يوميًا دخول الشاحنات مع هؤلاء الأشخاص إلى الوادي ولا زالت الحرائق مستمرة صباحًا ومساء”.

 

بلدية الشرقية

 

وفي السياق عينه، أشار رئيس بلدية الشرقية علي سامي شعيب لـ “أحوال” إلى أنّه “بعد أن عرفنا الفاعلين قمنا باستدعائهم إلى البلدية وطلبنا منهم توقيع تعهد بعدم تكرار الأمر وهذا ما حصل”، وأكّد على “متابعة الموضوع”، معلنًا رفضه “لهكذا أفعال مضرّة بالبيئة والطبيعة وصحة الناس”، وقال: “قمنا بردم مكان الحرائق ومعالجة الموضوع”.

 

ضـو: مخاطر حرق الإطارات

وعن هذه المشكلة التي تتخطى نطاق بلدة بعينها، قالت الأخصائية في علم السموم التحليلي الحيوي فرح ضو لـ “أحوال”: “يقدّر الإنتاج العالمي من الإطارات بحوالي 1.6 مليار إطار جديد سنوياً، وبالمقابل يتم إنتاج 1 مليار من نفايات الإطارات كل عام”، ورأت أنّ “هذه الأرقام سوف ترتفع عاماً بعد عام في ظل توقعات نمو سوق إطارات السيارات العالمي المدفوع بزيادة إنتاج ومبيعات السيارات حول العالم”.

واعتبرت أن السؤال الحاسم يظل متمثلًا بمعرفة ما مصير الكميات الهائلة من نفايات الإطارات؟”.

وقالت: “على الرغم من الجهود المتظافرة للتقليل من الأثر البيئي لنفايات الإطارات، إلّا أنّه “لا تتمّ معالجة هذا النوع من النفايات بطريقةٍ سليمةٍ في معظم الأحيان، فينتهي بها الأمر في المطامر والمحارق ومكبّات النفايات غير القانونية”.

وأضافت ضو: “قد يكون معظم الناس على بيّنة من مخاطر حرق الإطارات، فالدراسات قد أثبتت أنّ هذا النوع من المعالجة يطلق غازات خطرة مثل أول أكسيد الكربون (Carbon Monixide, CO)، ثاني أكسيد الكبريت (Sulfur Dioxide, SO2)، ثاني أكسيد النيتروجين (Nitrogen Dioxide, NO2)، الهيدروكربونات العطرية المتعددة (Polyaromatic Hydrocarbons, PAHs) والمركبات العضوية المتطايرة (Volatile Organic Compounds, VOC)، بالإضافة إلى معادن مثل الزنك والنحاس.

 

 

إعادة التدوير

وأكّدت أنّ “حرق الإطارات وغيرها من المواد المطاطيّة يمثّل خطراً صحّياً لا يمكن الاستهانة به، لأنّ الغازات الناتجة عنه تؤثر على نظام القلب والأوعية الدموية، الجهاز التنفسي، الجهاز العصبي المركزي، الكلى والكبد”.

ورأت ضو أنّ “طمر نفايات الإطارات لا يشكل الخيار الأفضل بسبب الآثار السلبية على البيئة والصحة العامة والتي يجب تسليط الضوء عليها”، لافتة إلى أنّ “الخطر الأوّل هو تسرّب المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية إلى التربة والمياه الجوفيّة أثناء تفكك هذه الإطارات، والخطر الثاني يتمثّل في كون نفايات الإطارات تشكّل بيئة ملائمة لتراكم البعوض والآفات والقوارض. ومن هنا يمكن التنبّه إلى أنّ طمر نفايات الإطارات يؤثر بشكل مباشر على سلامة جميع الكائنات الحيّة”.

وختمت ضو: “في ظل انتشار مكبّات النفايات، تبقى إدارة النفايات بطرق سليمة للحدّ من تأثيرها البيئي أوليّة، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف دون تعاون البلديات مع أخصائيين بيئيين، لأنّ إعادة التدوير وتحويل الإطارات المستعملة إلى رقائق مطاطيّة متعدّدة الاستعمالات يمكن أن يكون الحل الأمثل”.

 

فاديا جمعة

 

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى