بين شيحا وثنائيّة الميثاق الوطني… ذنبٌ لا يُغتفر
أكثر من أساء إلى النظام اللّبناني، عن قصد أو غير قصد، كان ميشال شيحا. ليس فقط بأفكاره التقسيمية الطائفية إنّما أيضا بترجمتها تطبيقيًا بدستور عام 1926، برعاية ودعم فرنسيين.
يرى شيحا في كتاباته لبنانَ ملجأً للأقليات التي تتالت للعيش في هذه الأرض، شكّلت مع مرور الزمن توازنًا فيما بينها. بناء على هذه الحجة، نظّر وجاهر ونصّ لما اعتبره توازنًا يحفظ الجميع.
يكتب شيحا أنّ في لبنان مجتمعات طائفية ثابتة ويعتبرها أمرًا واقعًا غير قابل للتبديل. لم يقع شيحا في الخطأ فقط بل ارتكب الخطيئة.
يكمن خطأه في اعتبار هذه الانقسامات ثابتة ومُنزلة، وفي واقع الأمر هي ليست كذلك أبدًا. ويمكن إثبات العكس بسهولة وكان على شيحا ألّا يقع بخطأ مبرّر فقط لمن لا يملك الإطّلاع الكافي.
فمثلاً عاش الدروز والمسيحيون في جبل لبنان بوئام قبل أوائل القرن التاسع عشر. كان الضريبة واحدة يدفعها الفلاح، درزيًا كان أم مسيحيًا، إلى الإقطاعي نفسه. وكان التقسيم طبقي في المجتمع بين الوجهاء والعامة، ليس بين مسيحيين ودروز.
لكن تبدّلت الحال عندما وقعت معركة بقعاته/السمقانية بين الأمير بشير الشهابي الثاني والشيخ بشير جنبلاط. في حين استعمل الأوّل المسيحيين جُندا في صفوفه، استعان الآخر بالدروز.
بدأ في هذه الحادثة تكوّن ضغينة متبادلة كان يمكن تخطيها لولا الغزو المصري لجبل لبنان عام (1831-1840)، التدخل الأوروبي الذي تلاه معززًا شرخًا يخدم مصالحه ويساعده على بسط نفوذه.
أيضا وتأكيدًا على ما سبق، أحداث 1841 1860 لم تكن خلافًا فقهيًا أو دينيًا بل كان سبب الأولى عصفوراً والثانية حماراً.
بدأ اشتباك عام 1841 عندما كان مسيحيًا من دير لقمر يصطاد في بعقلين واشتعلت شرارة الثاني بسبب أفضلية مرور بين حمار يمتطيه طفل درزي وآخر يمتطيه مسيحي في قرية بيت مري.
امتدت الاشتباكات وأخذت طابعًا مذهبيًا بيد أنّ ذلك تبسيطًا لتلك الأحداث.
فُرضت بعد ذلك التقسيمات الإدارية الطائفية على جبل لبنان: القائمقامية والمتصرفية؛ وكرّست بذلك الانقسام القائم وقوننته. كلّ ذلك بعهد الحكم العثماني، مطعّمًا بتدخل أوروبي.
ولكن الكارثة الأكبر هي أن بدل أن ينسف رجل مثل شيحا ما كان حينها مئة عام فقط من الانقسام، ارتكب الخطيئة، فثبّت “الانقسامات المُتخيّلة” مرّة أخرى بالتنظير لها ورعى نصّها بدستور عام 1926.
وأتى بعد ذلك صهره، الرّئيس بشارة الخوري، ورئيس حكومته الأول رياض الصّلح، ليطلِقوا رصاصة الرحمة على نظام ما قبل الانقسامات المذهبية حين أجمعوا على الميثاق الوطني.
إذن بين ميشال شيحا وثنائية الميثاق الوطني، ذنب لا يُغتفر وإثم لا زلنا ندفع ثمنه حتّى يومنا هذا.
هادي وهاب