منوعات

“أحوال” في سجن رومية… هنا مقبرة الأحياء

كالتائه ليلًا عند رؤيته ضوءًا يتراءى من بعيد، تُلوِّحُ بقوّة عشرات الأيادي الخارجة من بين القضبان لكلِّ زائرٍ قادمٍ من الخارج. يتنسّم النزلاء عبر الزوّار هواء الحرية في سجن بات يضيق بقاطنيه وسجّانيه على حدٍّ سواء. هنا يعيش من باتوا يُعرفون بسجناء رومية، أحد أكبر سجون لبنان. يعيش هؤلاء أيّامهم ولياليهم على أملٍ بإقرار العفو العام في الجلسة النيابية التي كانت مقرّرة الثلاثاء، قبل أن تُرجأ لعدم اكتمال النصاب.

لم يكد يُعلن خبر عدم انعقاد الجلسة التشريعية حتى تحوّل أمل السجناء بإقرار العفو العام إلى سراب. ترقّب الدقائق والثواني بفارغ الصبر على إيقاع تسريبات السياسيين والصحافيين علّها تحمل أملاً بتحقق حلم إقرار العفو العام، ذهب أدراج الرياح. عادوا إلى المربّع الأوّل. أعصاب مشدودة وتهديد ووعيد بأنّ الآتي سيكون أعظم. إذ إنّ معظم السجناء الذين تحدّثوا لـ”أحوال” شدّدوا على الإحباط الذي يلفّ السجن، على الرغم من أن تصريح نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي قبل أيام كان واضحاً بأن العفو الذي يُطالبون به ساقطٌ حكماً. هذا الإحباط يتراكم لدى السجناء. إذ إنّ هذا البند الذي أُدرج على جدول أعمال الجلستين التشريعيتين السابقتين، سرعان ما كان يُسحب عن طاولة البحث في كلّ مرة. وقبلها كانت تُطيح به خلافات أهل السياسة.

ففي بلد الطوائف، هناك فرزٌ طائفي للجرائم حتى. إذ إنّ جرائم الإرهاب سُجِّلت من حصّة الطائفة السنية على اعتبار أنّ معظم موقوفي هذه الطائفة متهمون بارتكاب جرائم إرهاب. أما جرائم المخدرات والسطو المسلّح فسُجِّلت في قيد الطائفة الشيعية. وبين الشيعة والسنة، طالب المسيحيون بالعفو عن العملاء الفارّين إلى إسرائيل التي اصطُلِح على تسميتها بقضية المبعدين إلى إسرائيل وهؤلاء غالبيتهم من المسيحيين. غير أنّ الفيتو التي تمتلكه كل طائفة كان يُستخدم لرفض الصفح عن سجناء الطائفة الأخرى ليُطيح بأي اتفاق.

أمّا اليوم، في زمن الكورونا، الفايروس الذي دفع عدداً من الدول إلى إطلاق سراح آلاف السجناء، وفي زمن تقاعس القضاة وتأخير المحاكمات، لا تزال تُصرّ الدولة على رفض إقرار العفو جملة وتفصيلاً بينما يعاني نزلاء سجونها من تقاعس أجهزتها. يقول السجين الشيخ خالد حُبلص لـ “أحوال”: نعاني الإهمال في كل شيء. تعجز الدولة أحياناً عن تأمين أدوية الأمراض المزمنة اللّازمة لنا، فكيف تتخايل أنّها مستعدة لمواجهة الفيروس المتفشي، يقول حبلص: هناك معاناة نمرّ بها قبل أن يسمح لأهالينا بتأمينها شخصياً بعد الحصول على إذن مسبق.

سجينٌ آخر يتحدث عن استغلال السجناء. السجين الموقوف منذ خمس سنوات من دون صدور حكم بحقه يقول لـ “أحوال” في المبنى دال: “جاء نقيب المحامين إلى السجن ووعد بمساعدتنا. وذرف عدد من المحامين الذين رافقوه الدموع علينا، ثمّ غادروا كأنّ شيئاً ام يكن”. ويُضيف السجين نفسه: “قبل كورونا الوضع في السجون لا يُحتمل.. فما بالك مع كورونا؟ معظم الأدوية في الصيدليات غير متوفرة.. نحن نموت ببطء”.

سجينٌ ثالث من مبنى ذوي الخصوصية الأمنية يقول لـ”أحوال” إنّ “المصاب بكورونا يوضع في زنزانة انفرادية تحت الأرض. وهناك الأكل لا يؤكل ولا يُعطى المريض إلّا حبتين أدول”. السجين نفسه الذي أصيب بكورونا قبل أن يتعافى ذكر أن العناصر الأمنية ضربوه في أحد المرات عندما احتج وبدأ بالصراخ طالباً استبدال الطعام وإحضار دواء آخر.

في موازاة ادعاءات السجناء، تحضر رواية قوى الأمن التي تُنكر كل مزاعم الإهمال. يكشف مصدر أمني لـ”أحوال” أنّ إصابات كورونا بين السجناء لم تتجاوز ٣٦٠ إصابة في الحد الأقصى، مشيراً إلى أنّ هناك إصابات بين العناصر الأمنية التي بقيت متماسكة رغم الظروف الصعبة للسجن. إذ إنّ الاكتظاظ في سجن رومية المركزي يُعدّ الأكثر كثافة على اعتبار أنّ السجن المخصص لألف وخمسين سجين يحوي أكثر من ثلاثة آلاف سجين ما يجعل المهمّة الملقاة على عاتق العناصر الأمنية كبيرة جدا.

وسط أخذٍ وردّ، ومهما حاولت القوى الأمنية تجميل الحال في سجون، يبقى العفو العام، برأي السجناء، حبل الخلاص الوحيد الذي سيُخلّصهم من معاناتهم ويُعيدهم إلى عائلاتهم.

 

محسن شعبان

محسن شعبان

كاتب وصحافي لبناني.

جواد مرتضى

مصوّر لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى