سياسة

حين اكتشف اللبنانيون نفق الناقورة المحتل!

لا يقتصر اعتداء الاحتلال الصهيوني على الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وليس جديده فقط سرقة ثروات لبنان النفطية.
إذ أنه يحتل تحت الأرض نفق الناقورة ويُقيم داخله جداراً من الأسمنت على بعد مئات الأمتار داخل الأراضي اللبنانية.
نعم هناك نفق لسكة حديد يمتد لمئات الأمتار داخل الأراضي اللبنانية يبلغ طوله 695 متراً والأرض المحيطة به 1800 متر مربع، ويمكن الاستثمار فيه.

هذا ما كشف عنه بالأمس وزير الأشغال والنقل علي حمية خلال جولة له في الناقورة، معلناً عن معادلة ثلاثية تؤكد على استعادة حدودنا البرية والبحرية والقسم المحتل من نفق رأس الناقورة.
الوزير حمية من أمام الجدار الفاصل بين مدخل نفق سكة الحديد بين لبنان وفلسطين “نحنا بدنا حدود وزارة الأشغال العامة والنقل وأملاكنا لآخر شبر.. هيدا النفق طوله 695 متراً نحنا بدنا ياه هيدا لبناني”.

المعادلة الجديدة التي أزاح الستار عنها وزير الأشغال وانشغل بها اللبنانيون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ليست بجديدة فعلياً بل هي منسية بفعل الإهمال أم بكامل الإرادة أم لقصور في النظر كما أثبتت كل الحكومات اللبنانية في آدائها الذي قاد لبنان إلى الانهيار الشامل حتى اليوم.

أي من وزراء الأشغال الذين تعاقبوا على الوزارة منذ التسعينات حتى اليوم، لم يُثر هذه القضية حتى في مرحلة ما بعد تحرير الجنوب اللبناني، بدءاً من نجيب ميقاتي الذي تولّاها منذ العام 1998 حتى العام 2004، مروراً بياسين جابر، عادل حمية، محمد الصفدي، غازي العريضي، غازي زعيتر، يوسف فنيانوس وميشال نجار

لماذا اليوم؟ لتفصيل بديهي بسيط هو أن وزير الأشغال الذي لا يهدأ رغم الصعوبات المالية والاقتصادية، علي حمية، عكف على العمل الجاد في الوزارة،.
حمية الذي استُدعي لتولي حقيبة الأشغال “الشاقة” في ظل الشحّ المالي، يُصر على أن يقوم بالإمكانيات الدنيا المتوفرة لإنجاز ما يمكن أن يسهّل حياة اللبنانيين ويُنشط الدورة الاقتصادية.

في نظر اللبنانيين، الذين اعتادوا انعدام المسؤولية والاهمال والفساد، يبدو حمية “عجيبة” هذه الحكومة، نشاطه مفرّط وطاقته موزّعة بين الشمال والجنوب وبيروت والبقاع دون ملل.
حتى الآن وبعد ما يقارب العام على حكومة نجيب ميقاتي الثالثة، المعينة في أيلول 2021، يحظى حمية بإعجاب اللبنانيين وحتى المسؤولين الغربيين الذين يلتقونه لسِعة فهمه وحيويته واطلاعه على الملفات المتعلقة بوزارته.
من المطار حتى المرفأ والنقل والطرقات، لا يترك، ابن البقاع، ملفاً إلا ويطّلع على تفاصيله على ما أنجز منه وما بقي عالقاً وعلى مشاريع مستقبلية يحتاجها لبنان وهي كثيرة.
لا يرد حمية على الثناء بالافتخار، بل بفعل الواجب والمسؤولية، ويعتبر أن مهماته الوزارية أولوية للإنجاز حيث يستطيع.
دراسته للملفات الكثيرة والشائقة في وزارته قادته إلى سكة الحديد في الناقورة التي تمتلكها عقارياً وزارة الأشغال، وهكذا نقّب عن الحق اللبناني الاستراتيجي المُغيّب على لائحة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان

التفتيش عن تاريخ نفق رأس الناقورة جنوب لبنان ليس صعباً، وسكة حديد حيفا وبيروت وطرابلس، ماثلة في تاريخ اللبنانيين وذكريات الجنوبيين.
امتاز لبنان بامتلاكه خطوطاً استراتيجية مهمة تربط دول الشام وفلسطين وقد اهتم الاستعمار الفرنسي والبريطاني بهذه السكك الحديدية نظراً لأهميتها اللوجستية. وكان خط حيفا الناقورة صيدا بيروت جبيل طرابلس وصولاً إلى داخل الأراضي السورية من أهم الخطوط الذي استخدم لغايات عسكرية واقتصادية من قبل القوات الفرنسية والبريطانية.

إنه من بقايا الخط الرئيسي الذي شيّدته بريطانيا من حيفا إلى بيروت وطرابلس في لبنان (افتتح عام 1942 وأغلق عام 1945) في عام 1959، تمّ اقتراح هذا الطريق المهم الذي يخترق قاعدة الجرف الأبيض كخط سكة حديد بعد الحرب العالمية الثانية بين إفريقيا وأوروبا، لكنها في النهاية تم التخلي عنها في أعقاب المشاكل السياسية في الشرق الأوسط.

قام البريطانيون بمساعدة آلاف العمال من استراليا ونيوزلندا وجنوب أفريقيا فضلاً عن عمال آخرين من لبنان وفلسطين لمد هذا الخط من بيروت ومن ثم الى طرابلس، ومن خلال الجهد استطاع العمال من حفر الأنفاق في صخور رأس الناقورة حيث أقاموا 15 جسراً على طول طريق سكة الحديد لصدر الأمواج البحرية وبنوا جدراناً للدعم، وتمتد السكة بين البياضة والناقورة حيث يخترق النفق الجبل الصخري الابيض وهو من أكبر الأنفاق في لبنان وأجملها.

وكان القطار الذي حمل رمز “ن.ب.ط” أي “الناقورة، بيروت، طرابلس”، أنشأ بموجب القرارين 159 و 160 الصادرين عن المفوض السامي الفرنسي، من دون حفظ حقوق أصحاب الأملاك والعقارات التي مرّت السكة في أراضيهم إلّا ان احتلال فلسطين بعد سنوات قليلة من تدشينه وإقفال الحدود عطّل حركة القطار، بين البلدين.

في العصور القديمة، راس الناقورة كانت أساسية على طول طريق التجارة بين الحضارات في شمال لبنان وسوريا والجنوبية منها في فلسطين ومصر وشمال أفريقيا. المكان الذي كان يعرف آنذاك باسم “السلالم للصور”.

وقد كانت بوابة دخول وخروج من فلسطين منذ العصور القديمة. وأهم عبور عبر التاريخ كان في سنة 333 قبل الميلاد حين دخل الاسكندر الأكبر فلسطين من خلال منطقة راس الناقورة.
هل يُعيد التاريخ نفسه ويكون نفق الناقورة معبر الاستثمار اللبناني في الجنوب وبوابة العبور إلى فلسطين؟

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى