استثناء شينكر لقاء باسيل ليس تفصيلاً
جال مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية لشؤون الشرق الأدني ديفيد شنكر على أغلب القيادات اللّبنانية حتى من طالت نوابَه العقوباتُ الأميركية واستثنى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. ليس هذا تفصيلًا في المشهد السياسي الراهن بحيثياته الحكومية وتوقيته.
اختار شينكر أن يبدأ لقاءاته بعد انتهاء الجلسة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان و”اسرائيل”، من الصرح البطريركي. لهذه البداية معانٍ كثيرة لما تلعبه بكركي من دور في تكريس “الحياد الإيجابي” وتسويقه في لبنان والخارج على أنّه خلاص لبنان من الأزمات المتلاحقة التي تصيبه.
إذن، لم تقتصر زيارة شينكر لبنان على المفاوضات، بل رسمت خريطة المشهد السياسي المقبل على البلاد سيّما في الشأن الحكومي.
سعد الحريري مرشحًا طبيعيًا لرئاسة الحكومة، هكذا أراد رئيس تيار المستقبل أن يسوّق لترشيحه. إلّا أنّ ترشيحَه هذه المرّة خلط الأوراق الداخلية حتى بين الحلفاء. فالتيار الوطني الحر بدأ يستشعر بحلف رباعي يقصيه عن الحكومة. تحالف ثنائي الحزب-الحركة مع المستقبل والاشتراكي. ليس تحالفًا يقصي التيّار فحسب، بل يقصي المسيحيين على اعتبار ان القوّات اللّبنانية اختارت الخروج من المشهد والكتائب اللّبنانية اختارت الاستقالة. هكذا يرى التيار المشهد. مقسوم بين مسيحيين ومسلمين باستثناء من يعتبرونهم يهوذا الذي باع الميثاقية للحريري من دون أن يكون ممثلها الحقيقي.
رافق شينكر جوّ دوليّ ضاغط أيضًا على رئيس الجمهورية ميشال عون. فعون سبق أن اختار تأجيل الاستشارات في محاولة لإيجاد مخرج لسوء العلاقة بين الحريري وباسيل. لكن عون، ولو استطاع تقنيًا تأجيل الاستشارات مرّة ثانية، إلّا أنّه سيكون أمام ضغط دولي كبير يثنيه عن ذلك. الاتصالات الفرنسية على خط عون- الحريري- باسيل، لم تعد تسعى لحصول تواصل أو لقاء بين الحريري وباسيل كما كانت في اللّحظات الأولى بعد التأجيل، بل أصبحت محاولاتها تهدف بالحد الأدنى إلى عدم تأجيل الاستشارات وإلى إيجاد مخرج بعد تكليف الحريري يوم الخميس المقبل عبر حصول تواصل ولقاء بين الحريري وباسيل بعد الاستشارات.
لا يرى المستقبل مانعًا في مخرج مماثل على اعتبار أنّ الحريري سيلتقي حتمًا الكتل النيابية في استشاراته لتشكيل الحكومة المقبلة. المسعى الدولي وتحديدًا الفرنسي هذا مصحوب باتصالات داخلية يجريها رجل أعمال مقرّب من الرجلين وصديق لهما وغالبا ما قام ببعض الوساطات بينهما في أكثر من خلاف.
باسيل يرفض تسمية الحريري أو مشاركته الحكومة على اعتباره غير صاحب اختصاص يريد تشكيل حكومة اختصاصيين. موقف باسيل هذا ليس موقفًا متعلقًا بسوء العلاقة مع الحريري بل بمعرفته الجيدة بسوء تموضعه السياسي. فهو المغضوب عليه أميركيًا لكونه من أمن الغطاء المسيحي لحزب الله مع الرئيس عون. في نفس الوقت يرى باسيل حليفه ساعيًا لإيصال الحريري إلى رئاسة الحكومة مهما كان ثمن ذلك، ولو كان الثمن هو إخراج باسيل من الحكومة.
ليس بسيطًا هذا المشهد في وجدان عون وباسيل. فهما مقبلان على الموافقة طوعًا أو لا، على حكومة تحكمها حسابات دولية ليست لمصلحة تموضعهما السياسي.
ماذا يريد شينكر من الحكومة المقبلة؟
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية المساهم الأكبر في صندوق النقد الدولي وبالتالي فإنّ لبنان لم يوقع أي عقد مع صندوق النقد ولن يحصل حتى على عقود مؤتمر سيدر إلّا بتنفيذ مجموعة شروط دولية سبق أن تبلغها المسؤولون اللّبنانيون الذين أصبحوا يدركون جيدًا أن تنفيذها هو المسار الوحيد للانقاذ.
ليست بعيدة الشروط الأميركية عن شروط المبادرة الفرنسية وسلسلة البنود الإصلاحية. لعلّ أبرزها حكومة مصغرة من المختصين المستقلين على أن يرافق عمل الحكومة جهاز خاص يتم انشاؤه لمكافحة الفساد يشترك فيه القضاء مع القوى الأمنية. ومن بين الشروط الأميركية إقرار قانون انتخابي عصري يلبّي طموح اللّبنانيين ويزيد من الثقة الدّولية للبنان، انتخابات نيابية مبكرة، الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” بأسرع وقت ومن دون أي تعطيل. بالإضافة إلى تعزيز سلطة الدولة على كامل الأراضي اللّبنانية في إشارة واضحة وصريحة ومباشرة إلى الجنوب الذي تعبتره الولايات المتحدة الأميركية تحت “هيمنة” حزب الله.
لبنانيًا، تعتبر هذه الشروط ملغمة لما لها من تأثير على موازين القوى في لبنان وحتى موازين قوى المنطقة المتمثلة في لبنان.
يدرك اللّبنانيون أنّ رئيس الحكومة الذي سينفذ هذه الشروط سيكون حليف الأميركي، إلّا أنّ لذلك أثمان في لبنان.
هل سيقبل الحريري أن يكون حليف الأميركي على حساب حزب الله؟ وما هو ثمن ذلك؟
من سبق أن حاول الالتفاف على حزب الله في السابع من أيار وصف الخطوة يومها بالحماس الذي يشبه التهوّر، فهل سنشهد 7 أيار ثانيًا في البلاد.
من جهتهم، يبدو المسيحيون مقسومين وفاقدي الثقة ببعضهم وبالمسلمين. هل سيدفعون ثمن تموضعهم هذا في المقبل من الأيام على حساب وجودهم في الدولة. هي أسئلة كبرى مقبلة على مستقبل البلاد، أسئلة ترافق تموضع جديد للطوائف التي تحاول إنقاذ نفسها. إلّا أنّ الأكيد أنّ خريطة التحالفات ستشهد إعادة رسم لأنّ التطورات المقبلة ستفرض معها خياراتٍ لبنانيةً ودوليةً جديدة على القوى كافة.
جوزفين ديب