صحة

لبنان يدخل «نادي الجدل» حول عقار «إيفرمكتين»: مؤامرة أم تلاعب بالبيانات؟

يجتذب عقار «إيفرمكتين» المضاد للطفيليات اهتمام العديد من الباحثين بوصفه علاجًا محتملًا لمرض «كوفيد-19». بيد أن الوسط البحثي العلمي يرج كفة عدم نجاح العقار في علاج المرض، بفعل ما يرشح من معلومات مقلقة عن مَواطن خللٍ صادمة وهائلة، في بيانات عدة دراسة أولية، بينها دراسة لباحثين لبنانيين من ضمنهم وزير الصحة السابق حمد حسن، أشارت إلى أن العقار يُقلِّل بشدة حالات الوفاة الناجمة عن مرض «كوفيد-19». وقد أدى ذلك إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الدراسات التي تُجرى حول فعالية العقاقير في أثناء الجوائح.
وتناقلت حسابات عدد من الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي خبر سحب دراسة أجراها أطباء وباحثون لبنانيون
من عدة جامعات في لبنان عن فعالية عقار «إيفرمكتين» في علاج كورونا، وذلك بعد أن تم الكشف بأن «مجموعة البيانات الأصلية تم التلاعب بها أو تخريبها أو إدخالها من طريق الخطأ في الملف».
الباحثون هم: حمد حسن (وزير الصحة السابق)، علي سماحة، حسين معاوية، ميرنا فواز، علي سلامة، علي بزال، حميد بوصعب، محمد الوكيل، احمد الصعبي، محمد شومان، محمد الموسوي، حسن أيوب، علي رعد، علا حجة، علي عيد، وحسام رعد.
في اتصال لـ «أحوال» مع الوزير السابق حمد حسن للوقوف عند رأيه، أحالنا إلى أحد الباحث حسام رعد، «كونه الباحث الأساسي المعني بالتفاصيل».

رعد: سنعيد نشر الدراسة

بدوره أكد رعد في اتصال مع «أحوال»، ان فريق البحث هو من بادر إلى التواصل مع مجلة Viruses العلمية لسحب الدراسة بسبب وجود خطأ في الداتا الإلكترونية، لافتا أنه سيعاد نشرها قريبا بعد إجراء التعديلات اللازمة. وأشار أن هذه الأخطاء تحصل في عالم الأبحاث سواء تعلق البحث بعقار «إيفرمكتين» او غيره، لكن موضوع «إيفرمكتين» حساس جدا بسبب مافيات الأدوية التي لا ترغب بنجاحه. مشيرا انه قد طلب منه عدم التطرق إلى هذا الدواء.
وأضاف، اذا أقرت منظمة الصحة العالمية فعالية هذا العقار سيؤدي إلى تأثر عدد كبير من شركات الأدوية وتكبيدهم خسائر بملايين الدولارات وأولهم شركة “ميرك.
لافتا أن عقار «ديكساميثازون» جرب على 800 مريض وتمت إجازته من قبل منظمة الصحة العالمية، ولكن هناك كم من الملايين تناولوا عقار «إيفرمكتين» ولم تقره المنظمة إلى الآن.
وخضع عقار «ديكساميثازون» للاختبار على المرضى المصابين بـ «كوفيد-19» في المستشفيات في إطار تجربة «التعافي» السريرية الوطنية وثبتت فوائده بالنسبة إلى المرضى المصابين بحالات حرجة. وهو أحد الكورتيكوستيرويدات ومُستخدم في طيف واسع من الحالات المرضية لآثاره المضادة للالتهاب والكابتة للمناعة.
وبحسب رعد «لسنا فقط نحن من نتحارب هناك ايضا ابحاث من البرازيل وإيطاليا وأستراليا، وآخرهم مجموعة الـ FLCCC من الولايات المتحدة الأميركية، بقيادة بيير كوري كبير أطباء المجموعة وتوماس بورودي من استراليا، واندرو هيل جميعهم تعرضوا جميعهم للتهديد وبدأوا بتغيير آرائهم».
وختم رعد: «إنها مسألة وقت فقط قبل أن يعاد نشر الدراسة رغما عن أنفهم ورغم أننا سنتعرض للكثير من المضايقات، لافتا إلى أن الوزير حمد حسن كان مساعدا لوجستيا ولكن الحرب عليه وعلينا، والمشكلة أنه يتم تشويه سمعتنا عن قصد من قبل أشخاص يحاربون الدواء وهم قد اتهموا بقبض أموال من شركات ومافيا الدواء».

لا يوجد «مؤامر»
من جهتها تقول ندى محمد وهي باحثة في علوم الأحياء في جامعة اكسفورد البريطانية، في حديث لـ «أحوال» ان كلام الصادر عن رعد مجرد محاولة تشتيت الانتباه عن حقيقة أنهم أخطأوا عبر لَوم الآخرين بحجج ضعيفة.
واضافت: «كان الأجدى أن يكون لديه جرأة وموضوعية العالم ليقول نعم أخطأنا ونحاول إصلاح الخطأ وضمان عدم تكراره». أما الاتهامات بمؤامرة «عالميّة» يكاد يشير أنها «شخصيّة» على بضعة باحثين من لبنان وعلى دواء! فهذا لا دليل عليه لا من قريب ولا من بعيد بل استخفاف بالعقل وشركة ميرك الذي اتهمها الدكتور بالتآمر على عقار «إيفرمكتين» هي نفسها تبيعه تحت اسم Stromectol.
وتتابع محمد «يعتمد العلم على الدليل وليس نظريات المؤامرة العشوائية وإن وُجد البرهان من عدة مصادر لا يعود للإنكار مكاناً، ولكن حتى الآن لا دليل علمي قوي على فعالية خاصة للعقار المذكور. وبالمناسبة مجموعة FLCCC المذكورة تم رفض مراجعة لهم أيضاً عن الموضوع منذ أشهر قليلة بسبب ادعاءات غير مدعومة بأدلة كافية.
وتناولت الدراسة اللبنانية تأثيرات استعمال الـ «إيفرمكتين» في النتائج السريرية على عدد من مرضى «كوفيد- 19»، ونشرت في ايار الماضي في مجلة Viruses العلمية. وادعت الدراسة فعالية إيجابية لعقار «إيفرمكتين» في علاج عدد من المصابين بفيروس «كوفيد- 19» في لبنان.
واعلن موقع مجلة Viruses، إنها تحقيقاً قد فتح بعد تواصل القيمين على الدراسة بمكتب التحرير بخصوص خطأ بين الملفات المستخدمة للتحليل الإحصائي وتشكيل البيانات. التحقيق الذي أجري على ضوء ذلك أكد الخطأ الذي أبلغ عنه المؤلفون، ليتم سحب الدراسة من النشر من دون تحديد تفاصيل ما حصل. ولكن بحسب تقرير لـ «بي بي سي» فإن الدراسة اللبنانية سحبت بسبب تلاعب في المعطيات بحيث أن تفاصيل 11 مريضاً، تم نسخها ولصقها مراراً، ما يشير إلى أن عدداً من المرضى المذكورين في الدراسة لا وجود لهم في الأصل بل تم اختلاق معطياتهم. كما نقلت «بي بي سي» تصريحاً عن لسان القيمين على الدراسة يقول «إن مجموعة البيانات الأصلية تم التلاعب بها أو تخريبها أو إدخالها من طريق الخطأ في الملف».
ويقول الباحث المشارك في الدراسة علي سماحة، بأن الخطأ قد تم اكتشافه بعد مراجعة مسودة البيانات ليتبين أن أحد الملفات التي كانت مخصصة لتدريب مساعد باحث، أُرسل من طريق الخطأ للتحليل. وان الدراسة سحبت بناءاً على طلب من الباحثين أنفسهم من باب الشفافية.

ليست المرة الأولى
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التراجع عن نشر دراسات حول عقار «إيفرمكتين»، وأبرز التحذيرات أوردتها مجلة «نايشتر». حول دراسة في كولومبيا سحبت لأسباب شبيهة متعلقة بتهم تلاعب في المعطيات وتلفيق أدلة.
هذه الدراسة تم التراجع عنها وسحبها من النشر بعد طلب من الناشرين ليتبين أنها تحمل ملفات خاطئة لا بل مفبركة بحسب تصريحات نسبت إلى المؤلفين.
حول ذلك، يقول إدواردو لوبيز مدينا، اختصاصي طب الأطفال من مركز دراسة حالات العدوى بين الأطفال في مدينة كالي الكولومبية، الذي شارك في الدراسة، وبَحَثَ ما إذا كان عقار «إيفرمكتين» يُسهم في تحسين أعراض «كوفيد-19»، أم لا: “صُدمْتُ، شأني في ذلك شأن جميع أفراد المجتمع العلمي على الأرجح”. وأضاف قائلًا: “كانت هذه من أولى الدراسات التي دفعت الجميع إلى الاعتقاد بأن عقار «إيفرمكتين» أثبت نُجُوعه [في التجارب الإكلينيكية]”.
أوجزت الدراسة نتائج تجربة إكلينيكية أظهرت – على ما يبدو – أن عقار «إيفرمكتين» يمكن أن يُقلل معدلات الوفاة الناجمة عن مرض «كوفيد-19» بنسبة تزيد على 90%؛ وهي من بين كبرى الدراسات التي تناولت قدرة العقار على علاج مرض «كوفيد-19» حتى الآن، إلا أنه في الرابع عشر من تموز الماضي، قررت الجهات المعنية بمنصة “ريسيرش سكوير” Research Square – خادم المسودات البحثية – سَحْب الدراسة المشار إليها، بسبب «إشكاليات أخلاقية»، وذلك بعدما أعربت جهات تحقيق مختصة بالنشر عبر الإنترنت عن مخاوف ذات صلة بارتكاب سرقاتٍ فكرية في الدراسة، وحدوث تلاعب ببياناتها.
وجدير بالذكر أنه في وقتٍ مبكر من الجائحة كان عددٌ من العلماء قد ساق في دراسات مختبرية براهين على أن عقار «إيفرمكتين» يمكن أن يُثبِّط نشاط فيروس كورونا «سارس-كوف-2»، إلا أن البيانات المتعلقة بفعالية العقار في علاج مرض «كوفيد-19» لا تزال شحيحةً، وثمة تعارُضٌ كبير بين نتائج الدراسة، وهو ما جعل سَحْب المسودة البحثية لنتائج تجربة كبيرة كهذه باعثاً على قدر كبير من الاهتمام.
ومع أن منظمة الصحة العالمية نصحت بعدم استخدام عقار «إيفرمكتين» كعلاجٍ لمرض «كوفيد-19» خارج إطار التجارب الإكلينيكية، شاع استخدام هذا العقار، الذي يُعطى دون وصفة طبية لهذا الغرض في بعض المناطق حول العالم. فبعض البقاع يَعُدّه بديلًا مؤقتًا إلى حين إتاحة اللقاحات به، رغم أن فعاليته لم تثبُت بعد. ويخشى العلماء أن يُنظَر إلى العقار على أنه بديل للقاحات التي تمتاز بدرجة عالية من الفعالية.

نوال غندور

نوال الغندور

صحافية لبنانية. تحمل شهادة الإجازة في الإعلام من الجامعة العربية في بيروت. عملت في العديد من الصحف والقنوات التلفزيونية والمواقع الاخبارية اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى