ميديا وفنون

فيلم Against the Ice: أحداث حقيقية في صراع للبقاء على قيد الحياة تحرّكه دوافع الهيمنة السياسية الأميركية

ما الأسباب التي تدفع بإنسان سويّ أن يخاطر ويناضل في معركة مجهولة المصير، يتحدى بها الظروف الطبيعية القاسية من أجل البقاء على قيد الحياة؟ ماذا لو تطلب الأمر مواجهة الثلوج والدببة والجوع؟

يُعطي فيلم Against the Ice الذي يعرض على منصة نتفليكس نظرة ممزوجة بين الدراما المشوقة والتوثيق، على مهمة تأمين مطالبة الدنمارك بجزيرة غرينلاند، من خلال معالجة تحكي قصة شخصين يكافحان لأجل البقاء على قيد الحياة. تدور قصة العمل بناء على قصة حقيقية، رحلة المستكشف إيجنار ميكلسن، من إخراج بيتر فلينث، وسيناريو نيكولاي كوستر والداو وجو دريك استنادًا إلى مذكرات ميكلسن.

تبدأ الحبكة بعودة أحد المستكشفين إلى معسكرهم “أبالما” من رحلة استكشافية فاشلة وقد أصيبت قدماه بالصقيع الشديد والانتفاخ، وما كان أمامهم إلا أن يقرروا قطع أصابع قدمه المتورمة، وقام بهذا صديقه ميكلسن (نيكولاي كوستر فالداو)، ورغم ذلك يرفض ميكلسن الاستسلام وإعلان فشله في وجود علامات الجزيرة، ولاءً لوطنه ورسالته، ولكنه لم يجد أحدًا من أعضاء البعثة متحمسًا لاستكمال البحث أو الانضمام إليه، باستثناء إيفر إيفرسن (جو كول) الذي يعمل في مجال الميكانيك، ولكنه يحب ميكلسن لذلك يقرر التطوع معه، رغم عدم علمه الكافي بتفاصيل الاستكشاف.

دوافع الحبّ وقسوة البعد والوحدة

لا شك أن الحبّ هو الدافع الأكبر والمحرك للشخصيات في العمل، والولاء هو ما دفعهم لكثير من التضحيات، وإن بدا غير ذلك. الأول هو ميكلسن ذاته، الذي يبدو في البداية صارمًا ونزع من قلبه الرحمة، ولكنه على العكس نكتشف مع الأحداث أنه يقوم بكل ذلك ويخاطر بحياته لأجل وطنه الذي يحبه كثيرًا واسترداد أراضيه، ووفاءً لذكرى صديقه الذي وجده متجمدًا تحت تراكم من الثلوج الثقيل. لذلك يقطع آلاف الأميال ويُعرّض حياته لكثير من المخاطر ويكاد يفقد حياته ثم يكاد أن يفقد عقله ويصاب بالجنون بسبب الوحدة وفقدان الأمل في نهاية الأحداث، ولكن الحبّ، حبّ حبيبته التي تنتظره في أرض الوطن، يجعله يحاول ويصمد ويحاول أن يشعر بها، يتخيلها ويلمسها ويقترب منها في خياله، ويدفئ روحه بروحها حتى وإن كان كل ذلك خيالًا.

أما الشخص الآخر الذي دفعه الحبّ والعاطفة، إيفرسون، شاب صغير وقع في إعجاب المستكشف الشهير ميكلسن والحكايات التي تروى عنه، ورغم قلة خبرته في العمل الاستكشافي، ومعرفته بالمخاطر الشديدة التي قد تحيط به بسبب مغامرته مع ميكلسن إلا أنه قرر بكل شجاعة ألا يخذل المستكشف الحزين ويساعده على إتمام عمله، وعندما يعودا سويًا ويكتشفا مغادرة أعضاء البعثة لا يلوم ميكلسن أو يحاول التعدي عليه بل يكون له عونًا وسندًا في مدة زمنية تجاوزت العام في القطب الشمالي.

والشخصية الثالثة هي حبيبة ميكلسن، والتي تحملت سنوات من البعد والعذاب بعيدًا عن حبيبها، بعد سفره إلى القطب الشمالي وشغفه تجاه عمله، لذلك انتظرته رغم وجود احتمال أنه مات بالفعل إذ حاولت البعثة التواصل معه ولكنه لم يجدوا أحدًا في الكوخ -أبالما- ولكنها كانت أول المنتظرين له عند عودته إلى بلاده ومعه دلائل استكشافه ونجاحه.

صعوبة الاختيار.. وفقدان الأمل

في أحد خطوط السرد الدرامية الأفضل على مستوى السرد في العمل ككل، الخط الذي تناول حالة التخبط الذي يعيشها ميكلسن بعد فقدانه الأمل في كل شيء، وأن تأتي البعثة مرة أخرى، بعدما اكتمل تجمد الماء وأصبح جليدًا.

لحظات من العذاب يعيشها البطل بين الوهم والحقيقة، وعشرات الأسئلة التي تتدفق على العقل وتسحقه، هل كان القرار صائبًا عندما قرر استكمال البحث؟ هل كان صحيحًا العودة مرة أخرى للتأكد من سلامة العلامات التي وضعها أول مرة لإثبات ملكية الجزيرة؟ هل كان صوابًا أنه اصطحب هذا الشاب عديم التجربة في هذا العمل معه؟ وغيرها من الأسئلة كانت تحيط به، وأهمها ما يتعلق بحبيبته، هل كان صوابًا المغادرة وتركها بمفردها، ولم يترك صناع العمل هذه الأسئلة تنساب على لسان ميكلسن بل خلقها داخل عقله وجعلنا نراها تخرج على لسان حبيبته التي يتخيلها وتوجه له اللوم.

بعد مرحلة الأسئلة تبدأ الخيالات والأوهام تطارده حتى تقوده إلى حافة الجنون. خلق المخرج صورة بصرية معبرة عن هذه الحالة، التي وصل لها المستكشف ذو التركيز العالي، عبر تقديمه عددًا من المشاهد التي تعبّر عن حالة التيه والتخبط الذي يعيشه، ومشاهد تجمعه مع حبيبته في خياله، وهو يحتضنها ويقبلها، رغم أننا نراه واقفًا بمفرده ويحتضن الهواء، حالة من التناقض تعبر عن شعور البطل بالحزن وفقدان الأمل في العودة لحبيبته.

السياسة الأميركية على هامش الأحداث وفي قلب القصة

قد تعتقد أن الفيلم غير متعلق بالسياسة، ولكنها في صميم تفاصيله وإن لم تكن مباشرة فقد تحرّك الأحداث، فهذه البعثة وغيرها من البعثات العديدة التي أرسلت كان هدفها الأساسي الحفاظ على هذه الأرض من السيطرة الأمريكية، يكرر البطل هذا الكلام أكثر من مرة في حديثه.

عام 1909، انطلق المستكشف القطبي الدنماركي إجنار ميكلسن في مهمة لاستعادة الخرائط والمجلات المفقودة لبعثة استكشافية في القطب الشمالي محكوم عليها بالفشل إلى الساحل الشمالي الشرقي لغرينلاند.

وقبله في عام 1891، حدد المستكشف روبرت إي. بيري الخطوط العريضة للساحل الشرقي لغرينلاند ورسم خريطة لقناة تفصل ما يعتقد أنها جزيرة سماها جزيرة بيري لاند عن البر الرئيسي، مما يسمح لأمريكا بالمطالبة بالجزيرة، أدى ذلك إلى قيام البحارة الدنماركيين العازمين في رحلة خطرة للاعتراض على هذا الادعاء في عام 1907.

لكن في أغسطس 1909، تعلق سفينة ميكلسن في جليد القطب الشمالي على بعد حوالي 200 ميل من المكان الذي كان يعتقد أن أسلافه قد ماتوا فيه، ووفقًا لسيرته الذاتية Two Against the Ice، بدأ ميكلسن الرحلة مع ستة رجال للكشف عن المكان، ولكن يتركه الرجال ويذهب متطوع آخر لاستكمال البحث، ليجد نفسه مجبرًا على تحمّل شتاءين في القطب الشمالي، مع مواد غذائية تركها الرجال له قبل أن يغادروا.

بعد فشل إحدى الرحلات الاستكشافية طالب ميكلسن، الذي عرفه عنه تمتعه بوطنية وحب شديد لوطنه، بتمويل الرحلة بأموال دنماركية، وافقت حكومته على تمويل نصف التكلفة والسماح للجمهور بجمع الباقي، واختار ميكلسن طاقمًا مكونًا من ستة رجال ومركبة شراعية ضخمة “ألاباما” وغادرت كوبنهاجن في 20 يونيو 1909.

في عيد ميلاد إجنار ميكلسن التسعين في عام 1970، تم تكريمه على المستوى الوطني من قبل الحكومة الدنماركية. توفي بعد أشهر قليلة، في الأول من مايو عام 1971، ومع تسمية سفينة دورية دنماركية وسلسلة جبال غرينلاند باسمه.

 

 

 

 

 

 

 

 

يحيى الطقش

طالب لبناني يدرس الصحافة في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى