شروط سياسية ومالية يُخفيها الاتفاق مع “صندوق النقد” ستزيد فقر اللبنانيين
خبير: لبنان لن يفي بالتزاماته ومخاوف من "صفقة" بيع أصول الدولة بثمنٍ بخس
ماذا بعد توقيع الاتفاق مع “الصندوق”؟ هل يستطيع لبنان الإيفاء بالتزاماته التي قطعها للبعثة؟ وماذا لو لم يستطع؟ هل سينفض “الصندوق” يده من المفاوضات و”يلحس” وعوده بمنح ثلاث مليارات دولار للبنان لتمويل مشاريع استثمارية على 4 سنوات؟ هل سيعود الوفد لاستكمال المفاوضات وتوقيع الاتفاق التنفيذي؟ والسؤال الأهم هل أن مليارات الصندوق الثلاث تكفي لإنقاذ البلد من أزماته واستعادة عملية النهوض الاقتصادي؟
يُشبّه مصدر متابع للوضع الداخلي، الاتفاق الموقع بين الحكومة والصندوق، بنية الزواج بين شخصين من دون “زواج فعلي”، أي لا وجود لأي مترتبات ومفاعيل قانونية مالية واقتصادية. ما يعني أن اتفاق لفظي غير مكتوب ومُدمغ.
يتحدث الاتفاق عن تمويل الدعم بشروط ميسّرة للغاية من “شركاء لبنان الدوليين”.. فمن هم هؤلاء الشركاء؟
الجواب واضح هم الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيون ودول الخليج.. ما يعني إبقاء لبنان رهن رضى هذه الدول التي تستمر بسياسات الحصار والعقوبات المفروضة على لبنان منذ عامين ونصف، للضغط على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية حتى الخضوع للشروط السياسية المعروفة.
فهل ستقرر هذه الدول دفع هذه الأموال من دون أثمان سياسية مقابلة؟ وأبرز دليل أن استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا لم ينفذ حتى الساعة؟
رغم إيحاء المسؤولين اللبنانيين تلقفهم الاتفاق مع الصندوق، عبر تحريك عجلة إقرار القوانين الإصلاحية، إلا أن السلطة اللبنانية، بحسب مطلعين على الملف، لن تستطيع إنجاز ما تعهدت به لبعثة الصندوق، في ظل الخلاف السياسي على الكثير من البنود الواردة في الاتفاق المبدئي، لا سيما إصلاح قطاع الكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، في ظل خلاف ظهر في جلسة الحكومة الأخيرة على معمل سلعاتا والهيئة الناظمة.
أما بند “المحاسبة والمساءلة”، فلن يتحقق في ظل صعوبة مقاضاة وزير أو مسؤول في الدولة بسبب النظام الطائفي القائم.
يتضمن الاتفاق تحديد “الخسائر المالية وضرورة اعتراف السلطة بها وتوزيعها على الجهات المسؤولة عن الخسائر مع حماية صغار المودعين”، لكن لِمَ يحدد كيفية ذلك ومصير كبار المودعين؟ وكيف سيتم ذلك ومعظم أموال المصارف تم تحويلها الى الخارج؟ وهل هناك اتفاق بين المصارف ومصرف لبنان على بند “إعادة هيكلة المصارف”؟
يلحظ الاتفاق إعادة هيكلة القطاع العام، ما يعني “تشحيل” ثُلث الموظفين على الأقل بحسب الخبراء، ما سيخلق أزمة اجتماعية كبيرة، كما تضمن فرض أنواع ضرائب جديدة سترهق المواطنين الذين تدنت رواتبهم الى حدٍ كبير.
ويقول الخبراء في هذا السياق، إن نصف مداخيل المواطنين ستذهب لتسديد الضرائب لمدة ثلاث سنوات فور دخول الاتفاق التنفيذي حيّز التنفيذ، كما يكشف الخبراء عن توجه الدولة لتسديد ديونها من مصادر متعددة: الودائع وجباية الضرائب الجديدة والمزيد من الديون الخارجية، في ظل تمنّع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن دعم إنفاق الدولة العام وعجزها المالي من “المصرف المركزي” إلا بعقد “استقراض” جديد، وهذا أحد البنود الواردة في الاتفاق مع الصندوق “سيتم تمويل عجز الميزانية من الخارج، وسيتم إلغاء الممارسات التمويلية للبنك المركزي”، وهذا يعني رفع الدعم الكامل عن السلع والمواد الغذائية الأساسية.
إلا أن خبراء يشيرون الى أن “تحقيق ذلك يحتاج الى تعديل قانون النقد والتسليف المادة 91 التي تستطيع من خلالها الدولة فرض “الاستقراض” على المركزي.. فهل تستطيع الدولة تمويل نفسها من دون اللجوء الى “البنك المركزي”؟
ويُميز الخبراء بين التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وبين طلب الصندوق في أحد بنوده التدقيق بحسابات مصرف لبنان لمعرفة الوضعية الخاصة للمصرف من العملات الصعبة لكي يساهم بدعم خطة التعافي لكونه سيضطلع بدور هام في هذا السياق.
وكشفت جهات مطلعة لـ”أحوال” أن “صندوق النقد كلف شركتين إحداهما فرنسية للتدقيق في حسابات المركزي للثلاث سنوات الماضية، وأنجزت الشركتين المهمة وباتت المعلومات في عهدة إدارة الصندوق”.
لكن السؤال لماذا لم يعلن الصندوق هذا الأمر ولم يكشف حجم الخسارة أو الاحتياطات المتبقية في “المركزي”؟
ينص أحد البنود عن ضرورة “تحقيق عجز أولي في الموازنة بمعدل 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مدعوماً بتغيير في قيمة الواردات الجمركية”.. هل تستطيع الحكومة تخفيض العجز الى هذه النسبة في ظل ارتفاع حجم الانفاق العام وتقلص حجم الواردات العامة وتعدد سعر صرف الدولار وتأخر إقرار الموازنة؟
“إعادة الرسملة في النظام المصرفي كبير جداً، وكذلك يجب أن تكون الخسائر معترفاً بها مسبقاً ومغطاة”، كيف سيطبق هذا البند الإصلاحي في ظل الخلاف المستمر على توزيع الخسائر بين مصرف لبنان والمصارف والدولة؟
ويشترط الاتفاق أن يوافق “مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة المصارف وحماية صغار المودعين والحدّ من اللجوء إلى الموارد العامة”. هذا يعني أن اللجوء إلى خيار بيع أملاك وأصول الدولة وربما الذهب خيار وارد وغير مستبعد، ويصبح أكثر جدية إذا ما تم ربطه بحديث نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان والمصارف وتوضيح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عبر التمييز بين “السيولة” و”الملاءة” وبكلام “الحاكم المركزي” اليوم عن قيمة احتياط الذهب؟
فهل يجري تمهيد المسرح لتسييل الذهب أو رهنه؟
يشير الخبراء في هذا الصدد الى أن القوانين اللبنانية تمنع المس بالذهب.. لكن كمّ من خط أحمر سقط خلال السنوات الماضية؟ ألم يقال إن احتياط المركزي بالعملات الصعبة والليرة وودائع اللبنانيين خطوط حمر أيضاً؟ فكيف سقطت جميعها بضربة واحدة؟
لكن ما يتخوف منه الخبراء هو “صفقة” تقوم بها الدولة ببيع أصولها وأملاكها لشركات وأفراد مرتبطة بشخصيات السلطة السياسية والمالية في لبنان وبأسعار بخسة وبطريقة غير مباشرة عبر التحايل على القانون، أو ما يسمى بصاحب الحق الاقتصادي المستفيد الفعلي. ويكشف الخبراء أن أملاك وأصول ومرافق الدولة تقدر بحوالي 60 مليار دولار وقد تقدم السلطة على سد خسائرها وديونها البالغة 104 مليار دولار عبر هذه الطريقة.
فهل تأكل الدولة لحمها و”جنينها” عبر التفريط بـ”الثروات السيادية” لكي تبقى على قيد الحياة؟
محمد حمية