منوعات

اتفاق ترسيم الحدود ليس تطبيعاً أو اعترافاً بإسرائيل

الوزير عدنان منصور لـ "أحوال": إسرائيل تحاول إدخال لبنان في ستاتيكو

تتميّز مسألة رسم إطار للتفاوض حول ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة بخاصية قانونية دولية ذات طبيعة خاصة؛ بحيث لا تؤدّي الى اعتراف لبنان بكيان العدو، أو قيام أي علاقات تطبيع معه. وينحصر الغرض منها في ضمان لبنان لحقوقه من خلال التنقيب عن ثرواته الطبيعية في أرضه ومياهه بحرية تامة.

النقطة 23… هنا الخلاف مع العدو

فيما تشير معلومات أنّ الولايات المتحدة تسعى لتعزيز حصة إسرائيل على حساب لبنان، يلفت وزير خارجية لبنان السابق السفير عدنان منصور لـ “أحوال” أنّ لبنان وضع ملف الترسيم الخاص بالمنطقة الإقتصادية التابعة له في العام 2012، استناداً الى قانون البحار والقانون الدولي وخط الهدنة المعمول به منذ العام 1949، لتحديد حدود لبنان مع فلسطين المحتلة. ويوضح منصور أنّ المشكلة تكمن في أنّ العدو الإسرائيلي لا يريد الاعتراف بالنقطة 23، التي تمثّل المنطقة الاقتصادية الحصرية بلبنان، وهو يطالب بما بعد هذه النقطة باتجاه الشمال، وذلك استناداً الى الترسيم الذي وضعه خبراء من قبله، وبذلك يتسنّى له اقتطاع مساحة 860 كلم متر من المنطقة العائدة للبنان، وهنا تكمن نقطة الخلاف مع العدو.

ويضيف منصور: “مع وصول الأمر الى هذا المستوى من التعقيدات دخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط، وقامت بتعيين وسيط من قبلها لحل النزاع بين لبنان والعدو الإسرائيلي هو “فريدريك هوف”. وبعد تكليفه بهذه المهمة من قبل حكومته قام “هوف” بزيارة لبنان عدة مرات حيث أجرى مباحثات مع مسؤولين لبنانيين حول هذا الموضوع، وهو لم يسمع في كل المحادثات التي أجراها مع المسؤولين اللبنانيين إلاّ إصراراً واضحاً على تمسّك لبنان بحقوقه تمسكاً غير قابل للمساومة”. ويتابع، من أجل حل المشكلة اقترح الوسيط الأميركي تقسيم المنطقة المتنازع عليها الى قسمين؛ بحيث تكون حصة لبنان هي 540 كليومتراً فيما يحصل العدو على 320 كليو متراً، وهذا يعني أنّ الأميركي يريد ترسيماً على حساب حقوق لبنان، ذلك أنّ الحصة التي يريد الأميركي إعطاءها للعدو تدخل ضمن الحقوق المشروعة للبنان.

إلى ذلك، يقول الوزير منصور، “المسألة بالنسبة للبنان لا تقاس بعدد الكيلومترات بل تقاس بمبدأ الحقوق الثابته”، الذي يكشف أنّ الهدف الأميركي الحقيقي من هذا الإقتراح هو تمكين إسرائيل من وضع أنبوب على حدود المنطقة الخاصة بلبنان تتمكّن من خلاله من سرقة كمية الغاز الموجودة في المنطقة الخاصة به.”

قوة لبنان في مقاومته

بعكس مايراه البعض أنّ لبنان يعجز عن مواجهة الضغوط الاميركية، يري منصور أنّ لبنان يذهب الى هذه المفاوضات مستنداً في موقفه إلى قوة المقاومة وقدرتها على حمايته من أي محاولة إسرائيلية للإستيلاء على ثرواته الطبيعية. ويضيف الوزير السابق، “تدرك إسرائيل جيداً أن أيّ محاولة منها للإعتداء على حقوق لبنان ستكون لها أثاراً سلبية على منشآتها النفطية والغازية الموجودة في عرض البحر؛ لذلك سارعت الولايات المتحدة إلى اقتراح إجراء مفاوضات بين لبنان والعدو الإسرائيلي من أجل التوصّل الى حل. وبحسب الوزير، فإنّ إسرائيل اقترحت في بداية الأمر أن يتم الترسيم في البحر، ولكن لبنان أصرّ على أن يكون الترسيم في البر والبحر في نفس الوقت، لأنّ الترسيم في البر سيؤثر حكماً على المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان.

 لا علاقة للترسيم بالتطبيع

ما إن تم إعلان التوصل لإطار مفاوضات لترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة حتى سارع البعض إلى اتهام لبنان بأنّه يقوم بتطبيع علاقاته مع العدو من خلال هذه المفاوضات. ينفي عدنان منصور أن يكون للتطبيع أي مكان في هذه المفاوضات ويقول: “لبنان متمسك بحقوقه، وهو يصرّ على أن تكون المفاوضات غير مباشرة”. فالمفاوضات المباشرة تعني الاعتراف بدولة إسرائيل. ويضيف: إنّ حلّ مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي لا تنطلق من مسالة ترسيم الحدود مع العدو.

من جهة أخرى، يؤكد منصور أنّ الولايات المتحدة لن تكون وسيطاً نزيهاً في هذه المفاوضات، بل ستكون إلى جانب العدو، مستدركاً  “هذا لا يعني أنّ على لبنان التخلّي عن حقوقه، فهذا الأمر غير وارد بتاتاً. فلبنان يمتلك ثروات نفطية كبيرة في المنطقة القاتصادية الخاصة به، وهذه الثروات كفيلة بانتشاله من أزمته الإقتصادية”.

إسرائيل ستحاول إدخال لبنان في ستاتيكو

بالرغم من كل جرعات الثقة التي يعطيها عدنان منصور، فإنّ صورة المفاوضات التي أوصلت إلى اتفاق السابع عشر من أيار ما زالت ماثلة في ذهن البعض الذي يخشى من تكرارها. يؤكد منصور هنا، أنّه لا مجال للمقارنة بين هذه المرحلة وتلك المرحلة. “ذلك أنّ المفاوضات السابقة، والتي أوصلت إلى اتفاق السابع عشر من أيار سبقها قبول لبناني بإجراء مفاوضات مباشرة، ويومها أيضاً كانت الظروف متاحة لإسرائيل بأن تضغط على لبنان لانتزاع تنازلات منه. أما اليوم،فعلى  إسرائيل أن تحسب ألف حساب قبل أن تفكر بمحاولة الضغط على لبنان لانتزاع تنازلات منه”.

بالرغم من كل ما تقدم، وحتى لا يذهب البعض الى النوم على حرير، يؤكد الوزير عدنان أنّنا ذاهبون الى مفاوضات غير سهلة قد تستغرق أشهراً وربما سنوات. “فإسرائيل ستحاول قدر الإمكان اللعب على عامل الوقت آملة أن يؤدّي ذلك إلى تغيير في المعادلات يصب في مصلحتها”.

إلى ذلك، يقول عدنان منصور: “إسرائيل اليوم على وشك البدء في عملية تصدير الغاز والنفط، وما يهمها الآن هو أن لا يكون لبنان الموجود على حدودها الشمالية دولة نفطية. وهذا سيكون أهم أهدافها من محاولة إطالة أمد المفاوضات، وهي بذلك تكون قد أدخلت لبنان في مرحلة “ستاتيكو”.  ويتابع، لبنان في هذه الحالة، سيكون غير قادر على استقدام شركات للتنقيب في البلوكات الثامن والتاسع والعاشر، والسبب أنّ شركات التنقيب عن النفط لا تتجرّأ عادة على التنقيب في المناطق المتنازع عليها، وهي إن حاولت حتماً ستصطدم بفيتو أميركي، وبمحاولة لمنعها من قبل اللوبي الصهيوني، الذي يمتلك نفوذاً سياسياً وإقتصادياً في كل أنحاء العالم. اذ ما يهم الصهاينة اليوم أن يبقى لبنان بلداً منهكاً اقتصاديا وسياسياً وغير قادر على إستخراج ثرواته النفطية.

عن دور المقاومة في إجبار العدو على عدم تحقيق هدفه من إطالة وقت المفاوضات، يقول وزير الخارجية السابق، ” لا دور للمقاومة في هذه النقطة بالذات، ذلك أنّ إسرائيل وبحسب القانون الدولي تقوم الآن بالتنقيب عن النفط في المنطقة التابعة لها، وليس في المنطقة التابعة للبنان. مما يعني أنّ أي استعمال للسلاح من قبل المقاومة، سينظر إليه المجتمع الدولي على أنّه عمل عدواني على دولة عضو في الأمم المتحدة”.

هل سيدخل هذا الإتفاق في حال تم التوصل إليه في باب المعاهدات الدولية؟ يلفت الوزير عدنان منصور أنّه لا يمكن إطلاق اسم المعاهدة الدولية على اتفاق إطار لترسيم الحدود؛ ويؤكد أنّ هذا الإتفاق سيُسجّل في الأمم المتحدة، لافتاً أنّ هذا الإتفاق سيكون اتفاقاً نهائياً لا يمكن لإسرائيل من بعده الإدعاء بحصة  لها في الحقوق اللبنانية البرية والبحرية.

نبيل المقدم

نبيل المقدم

كاتب وصحافي وباحث سياسي لبناني. صدر له العديد من المقالات والمؤلفات ابرزها "وجوه واسرار من الحرب اللبنانية".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى