منوعات

الكابيتال كونترول يُبصر النور ليُحكم الخناق على اللبنانيين!

بعد تهريبة غير قانونية إلى مجلس النواب، خرج مشروع الكابيتال كونترول إلى النور من على طاولة مجلس الوزراء. وبعد أخذ ورد وزاري تمّ إدخال تعديلات طفيفة على القانون الذي يشبه “الأحكام العرفية”، أكثر منه القوانين النقدية، وأقرّه مجلس الوزراء في جلسته الأربعاء تمهيدًا لدرسه مجددًا لإقراره في المجلس النيابي.

حين كانت الاولوية المطلقة لإقرار قانون يفرض قيوداً على السحوبات والتحويلات وينظمها تمنّع الجميع وهدموا كل الأفكار التي خرجت بها حكومة الرئيس حسّان دياب. ويأتي المشروع بعد عامين ونصف عام على تفجر أزمة شُح السيولة الدولارية، وتبخر الودائع ليضع اللبناني تحت مقصلة القيود الصارمة لتحريك أموالهم في ظل غياب المشاريع الإنتاجية والاستثمارية ما يعني مزيد من الشح المالي.

في الصيغة المطروحة حَرِصَ واضعو مشروع الكابيتال كونترول على تجريد القضاء من أي صلاحية بجعل الهيئة صاحبة الاختصاص لاتخاذ الإجراءات اللازمة وتحصين قراراتها وإبقائها في منأى عن أي مراجعة قضائية كما شموله المنازعات والدعاوى يُعتبر تدخلاً سافراً في عمل السلطة القضائية خلافاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

ما هو الكابيتال كونترول الذي سيصبح الشرع الذي ينظم حياة اللبنانيين ويخنقها بمزيد من الاختناقات؟

بالرغم من أن الاقتصاد اللبناني مبني على حريّة تنقل الأموال، وعلى دينامية وحيوية القطاع الخاص والمبادرة الفردية، يتم تطبيق كابيتال كونترول مقنّع غير معلن رسميًا، فرضته المصارف اللبنانية على المودعين. وهذا ما أدى التي تدهور متزايد للوضع المعيشي للمواطن ولوضع الشركات اللبنانية القائمة على الاستيراد وتفاقم الغبن الاجتماعي.

لطالما كان ضبط رأس المال موضوع جدل، على اعتبار أنه يحد التقدم الاقتصادي فيما يدافع عنه منظّروه لضرورة تأمين سلامة الاقتصاد برعاية القانون من أجل إحلال العدالة الاجتماعية بين المودعين وأصحاب المصارف في لبنان.

الكابيتال كونترول أو ضبط رأس المال، هو إجراءات مراقبة وضبط لرأس المال تتخذها الحكومة أو البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية الاقتصادية والمالية الأخرى في البلد بهدف الحد من تدفق رأس المال الأجنبي (الأموال) من وإلى الاقتصاد المحلي. ومصطلح الكابيتال كونترول يعبّر عن القيود التي تضعها الدولة على تحويلات رؤوس الاموال من والى هذه الدولة. وتشمل إجراءات ضبط الأموال فرض ضرائب وتعريفات وتشريعات على المودعين والشركات في السوق المحلّي للسيطرة على حجم السحوبات اليومية عبر المصارف والتحويلات النقدية.

مع أو من دون “كابيتال كونترول”، “الفأس وقعت في الرأس” والسطو على الودائع قد تمّ، وأموال الناس ستكون مجمّدة لـ5 سنوات كما يقترح القانون، بل إلى 15 عاماً كما تقترح خطة التعافي التي تعمل على صياغتها الحكومة بطلب من صندوق النقد الدولي، وربما من المفيد التذكير بما قاله المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس إن على الاقتراح “قانون الكابيتال كونترول لن يحقق الفعالية المطلوبة من دون وجود خطة للإصلاح الشامل الذي يحتاج إليه لبنان بصورة ماسة”.

الاستفاقة الحكومية المتأخرة على مشروع الكابيتال كونترول، فرضتها المواجهة القضائية – المصرفية الاخيرة على خلفية تنفيذ دعاوى قضائية في حق مصارف، اعتبرها البعض أنها تهدد “الأمن المالي والمصرفي”، فيما يتم التبرير لاستعجاله بموقف ممثل صندوق النقد الدولي، الذي اعتبر أن القانون يجب أن يكون في سياق خطة إصلاحية.

وفيما حضر القانون من دون الخطة الإصلاحية، فإن الفرصة المؤاتية للحكومة التقطها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي وفريقه، الذي سنَّ القانون بصيغة عجيبة تمّ لاحقًا تدارك بعض بنودها بعدما رفضتها اللجان النيابية المشتركة قبل إحالتها إلى الجلسة العامة لمجلس النواب.

بحسب المعلومات التي توافرت لـ”أحوال” فإن الاعتراضات داخل مجلس الوزراء لم تكن جادة متناسبة مع تلك التي أطلقتها القوى السياسية لرفض الصيغة الأولية لمشروع القانون. فقد اعترض وزراء ثنائي حزب الله وحركة أمل على إعطاء صلاحيات واسعة للجنة المكلفة مراقبة الرساميل والتحاويل مما يجعلها المتحكم الأوحد بالمال العام. وذكرت المصادر أن وزراء الثنائي رفضوا مشروع الكابيتال كونترول بصيغته الحالية وسجلوا اعتراضهم نظراً لوجود ملاحظات عدّة منها إعطاء اللجنة صلاحيات تمتد لخمس سنوات وطلبوا أن تكون لمدة عام واحد فقط.

وكان الرئيس ميقاتي قد مهّد الطريق للمشروع، وأجرى سلسلة اتصالات مع المرجعيات السياسية والوزراء، لدرس مواد الصيغة الجديدة لمشروع قانون “كابيتال كونترول” لإقرارها في جلسة مجلس الوزراء اليوم، بالتزامن مع المحادثات التي سيجريها وفد صندوق النقد الدولي لهذه الغاية مع كبار المسؤولين والمعنيين.

رئيس جمعية المصارف تولّى بدوره شرح وجهة نظر المصارف لرئيس الجمهورية في ظل غياب “كابيتال كونترول” يحفظ حقوق المودعين ويؤمن السيولة المصارف عندما تصبح في حال تعثر. وعُلم أنه جرى التأكيد في خلال اللقاء على ضرورة إعادة هيكلة المصارف وإقرار خطة تعافٍ مالي اقتصادي تندرج من ضمنه قوانين عدة منها السرية المصرفية والنقد والتسليف والكابيتال كونترول والسحوبات النقدية.

هذه اللقاءات والاتصالات فتحت الطريق أمام مشروع الكابيتال كونترول أمام مجلس الوزراء في بعبدا، لتبدأ رحلة اللبنانيين مع المزيد من الشحّ المالي والنقدي.

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى